“داعش” يُبدّل معادلاته السورية: حرب إستنزاف طويلة!

على مساحة واسعة من البادية السورية ينتشر مقاتلو "داعش" داخل مغارات ومراكز سرية في الحواف الجبلية الصخرية بعيداً عن رقابة طائرات الاستطلاع ومراصد الجيش السوري، حيث تشير المعطيات الحالية إلى أن التنظيم الارهابي تمكن من لم شمل قواته التي كانت متناثرة ضمن جيوب متفرقة بعد الحملات العسكرية التي تمكنت من إنهاء نفوذه في المدن والمحافظات السورية التي كان يسيطر عليها.

لا يمكن تحديد مواقع أو مراكز معينة لمواقع انتشار “داعش” حالياً، خصوصاً ان المناطق التي ينشط فيها تمتد على مساحة تبلغ نحو أربعة آلاف كيلومتر مربع، وفق تقديرات “المرصد السوري” المعارض، من أصل نحو 70 كيلومترا مربعا (مساحة البادية السورية)، حيث ينتشر مقاتلو التنظيم في مناطق جبل أبو رجمين في شمال شرق تدمر وصولاً إلى بادية دير الزور وريفها الغربي، بالإضافة إلى وجوده في بادية السخنة وفي شمال الحدود الإدارية لمحافظة السويداء.
تتيح المنطقة التي ينتشر فيها مقاتلو “داعش” امكانية الوصول إلى مشارف عدد من المحافظات، بالإضافة إلى بعض الطرق الرئيسية، أبرزها الطرق التي تصل المناطق الشرقية بوسط سوريا، وهي الطرق التي بدأ التنظيم يكثف هجماته عليها خلال الفترة الأخيرة، يضاف الى ذلك المخاطر الناجمة عن هذه التحركات على بعض الحقول النفطية وحقول الغاز في محيط المنطقة.
يقول مصدر ميداني سوري لـ”180″ إن “داعش” اعتمد خلال الفترة الماضية على تفخيخ بعض الطرق ليلاً، واستهداف الآليات عن بعد، إلا أن عمليات التمشيط المستمرة التي تنفذها القوات السورية على الطرق الرئيسية قلّصت من هذه الهجمات الأمر الذي دفع التنظيم إلى اتباع تكتيك جديد، عن طريق شن هجمات مباشرة على بعض الطرق ليلاً، على غرار استهداف الحافلة العسكرية عشية رأس السنة، بالإضافة إلى استهداف قافلة تضم حافلة مدنية وصهاريج نقل محروقات، أدت بمجملها إلى وقوع عشرات الضحايا.
ومنذ مطلع العام 2020، وبالتزامن مع انتهاء نفوذ “داعش” تقريباً في سوريا، لجأ ما بقي من مقاتليه إلى بعض الجيوب في البادية، حيث غيّر التنظيم طريقته في العمل، فابتعد عن العمل المركزي ولوحظ اعتماد قادته على “اللامركزية”، الأمر الذي أتاح، على ما يبدو، لمقاتليه حرية أكبر في التنقل وشن الهجمات المتفرقة، من دون خوض مواجهات مباشرة مع القوات السورية.

لا يبدو أن تحركات تنظيم “داعش” الأخير عشوائية أو دعائية فقط، خصوصاً أنها تتزامن مع ارتفاع حدة المواجهات العسكرية في مناطق شرق الفرات

ويشرح المصدر أن مقاتلي “داعش” ينفذون عمليات استطلاع دقيقة لحركة السير على الطرق، الأمر الذي يؤكد وجود نفوذ له في المناطق والتجمعات السكنية، حيث يتحركون مع حلول الظلام ضمن مسارات متباعدة توفر لهم الحماية من عمليات الاستطلاع الدورية التي تنفذها قوات الجيش السوري، ومن الغارات الجوية، ويقومون بتنفيذ الهجمات المباغتة ومن ثم الانسحاب ضمن مسارات أخرى مختلفة، الأمر الذي يصعب عمليات ملاحقتهم أو ضبط تحركاتهم.
ويهدف التكتيك الجديد الذي بدأ يتبعه “داعش” إلى توجيه رسائل عدة، فبالإضافة إلى محاولات تأكيد وجوده على الأرض، يرى المصدر أن “داعش” يحاول إعادة تجميع قواته في مناطق يملك نفوذاً قوياً فيها، حيث تعتبر مناطق البادية والمناطق الصحراوية مناطق مناسبة لنفوذ التنظيم واستمراره، وذلك بعدما خبرت عناصره هذه المناطق واعتادت القتال فيها سواء في العراق أو حتى في سوريا، بالإضافة إلى أن طبيعة هذه المناطق توفر ملاذات آمنة يصعب ضبطها بسبب المساحات الواسعة ووجود كتل جبلية وصخرية تخفف من آثار الاستهداف الجوي.
وفي وقت تنفذ فيه القوات السورية حملات عسكرية دورية، بالإضافة إلى الاستعداد لتنفيذ حملة واسعة خلال الأيام المقبلة، رأى المصدر أن تنظيم “داعش” يحاول تغيير المعادلة القتالية وتحويلها إلى حرب استنزاف طويلة، عن طريق الابتعاد عن التمركز في مواقع ثابتة وتنفيذ عمليات ذات طابع أمني أكثر منها عسكري، الأمر الذي يحتاج إلى عمل أمني مكثف إلى جانب العمل العسكري.
ولا يبدو أن تحركات تنظيم “داعش” الأخير عشوائية أو دعائية فقط، خصوصاً أنها تتزامن مع ارتفاع حدة المواجهات العسكرية في مناطق شرق الفرات، بين القوات التركية و”قسد”، بالإضافة إلى تركيز التنظيم هجماته على المواقع الحكومية السورية، الأمر الذي اعتبره المصدر “عمليات تشويش متعمد تهدف إلى استمرار اشغال الجيش السوري والفصائل المؤازرة له”.

وتفتح عمليات تنظيم “داعش” الأخيرة الباب على مصراعيه أمام تساؤلات عديدة، حول موارده والمعدات اللوجستية التي يعتمد عليها في تحركاته، خصوصاً أن مقاتليه يتوزعون على مساحات شاسعة، بالإضافة إلى أن المواقع التي ينتشرون فيها تعتبر صحراوية يصعب فيها تأمين احتياجات المعيشة اليومية، ما يتطلب البحث بشكل معمق حول الأبواب الخلفية التي يعتمد عليها، والتي مكنته من إعادة هيكلة قواته، ومتابعة تنفيذ الهجمات.

Print Friendly, PDF & Email
إقرأ على موقع 180  إتفاق أضنة.. إلى الواجهة مجددا
علاء حلبي

صحافي سوري

Download WordPress Themes Free
Download WordPress Themes
Download WordPress Themes
Download Premium WordPress Themes Free
free download udemy paid course
إقرأ على موقع 180  السنّة.. مرض الأمة ومظلومية الطائفة (1)