تضع الصحافة الإسرائيلية هذا التحليق في خانة من إثنتين: إما أنه جزء من مناخ ردعي أميركي ـ إسرائيلي، في ضوء الرأي القائل بأن دونالد ترامب قد يقدم على عمل عسكري متهور في الأسبوع الأخير من ولايته، برغم كل ما يقال عن سعي الديموقراطيين إلى إقالته بطرق دستورية عديدة أو أنه سلوك إسرائيلي إستباقي لما يمكن أن تقدم عليه إيران أو حزب الله أو أي من حلفاء طهران، لمناسبة الذكرى السنوية الأولى لإغتيال الجنرال قاسم سليماني.
الثابت، وبمعزل عن هذين الإحتمالين، أن المنطقة تشهد حالة تأهب في معظم الساحات. ففي غزة التي شهدت في 28 كانون الأول/ ديسمبر الماضي مناورة عسكرية هي الأولى من نوعها، ووضعها الإسرائيليون، في خانة خدمة معادلة الردع التي تحاول إيران خلقها وترسيخها في مواجهة إسرائيل، لا سيما في ضوء عودة الدف في العلاقات بين “حماس” و”محور الممانعة”، تستمر حالة التأهب وهي تنسحب على مجمل حدود إسرائيل الشمالية على الجبهتين اللبنانية والسورية، فضلا عن إستمرار التأهب في الساحات العراقية واليمنية والإيرانية.
ووفق المحلل العسكري في “هآرتس” عاموس هرئيل، فإن الأسبوع القادم “سيكون أسبوعاً غير هادىء في الشرق الأوسط. بقي أسبوع فقط على دخول الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن إلى البيت الأبيض في 20 كانون الثاني/يناير. لكن خلال هذه الفترة لا تزال إيران تتخوف من ضربة عسكرية أميركية ضدها بأوامر من الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب. لكن مثل هذا السيناريو لا يبدو معقولاً في نظر إسرائيل، مع ذلك المؤسسة الأمنية في إسرائيل قلقة من إمكانية تقدير خاطئ يؤدي إلى اندلاع مواجهة عسكرية غير مخطَّط لها يمكن أن تنعكس على إسرائيل أيضاً (…)، ويبدو أن مستوى القلق لدى الإيرانيين ارتفع أكثر بعد اقتحام مبنى الكونغرس في يوم الأربعاء الماضي، والذي فاقم سلوك ترامب وحشره في الزاوية وأثار مجدداً محاولات إقصائه عن منصبه”.
قبل وقوع الأحداث في الكونغرس، انتشرت في الصحف الأميركية سيناريوهات بشأن عملية أخيرة محتملة يقوم بها ترامب في الشرق الأوسط. بعد الاقتحام العنيف لمبنى الكابيتول من مؤيدي ترامب، قالت رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي أنها تحدثت مع قائد القوات المشتركة الجنرال ماري ميلي للتأكد من أن “الرئيس غير المستقر”، بحسب كلامها، لن يبادر إلى شن هجوم نووي في الأيام الأخيرة لولايته.
في لبنان، اشتكى سكان بيروت من تحليق طائرات حربية إسرائيلية في سماء العاصمة. يبدو أن إسرائيل تستعد لكبح هجوم محتمل ضدها بواسطة صواريخ وقذائف مدفعية ومسيّرات من جهة التنظيمات التي تعمل بتوجيهات من الإيرانيين. حالة التأهب تتعلق بكل الساحات: سوريا، لبنان، العراق، واليمن
ويقول عاموس هرئيل إنه حتى الآن “لم تُسجَّل محاولات إيرانية للرد (على إغتيال سليماني)، لكن الأميركيين أحضروا طائرات ضخمة من قاذفات بي-52 من قواعدها في الولايات المتحدة إلى الخليج، كما حركوا قواتهم البحرية في المنطقة، على ما يبدو من أجل الردع، كما أن الجيش الإسرائيلي وضع في الأيام الأخيرة على درجة عالية من التأهب الدفاعي. وقد نُشرت، من بين أمور أُخرى، بطارية دفاع جوي وصواريخ باتريوت في إيلات، ويظهر وجود استثنائي للطائرات الحربية في سماء الدولة، وفي كل القطاعات، خلال جزء كبير من ساعات اليوم. ففي لبنان، اشتكى سكان بيروت من تحليق طائرات حربية إسرائيلية في سماء العاصمة بيروت. يبدو أن إسرائيل تستعد لكبح هجوم محتمل ضدها بواسطة صواريخ وقذائف مدفعية ومسيّرات من جهة التنظيمات التي تعمل بتوجيهات من الإيرانيين. حالة التأهب تتعلق بكل الساحات: سوريا، ولبنان في الشمال، والعراق في الشرق، واليمن في الجنوب. في الخلفية يستمر الجهد الإيراني لنشر وسائل قتالية في سورية وتهريب سلاح إلى حزب الله في لبنان”.
وكما ورد في سلسلة تقارير إسرائيلية، وقعت في الأيام العشرة الأخيرة ثلاث هجمات جوية نُسبت إلى إسرائيل ضد أهداف تابعة لإيران وحزب الله في سوريا. التأهب الإسرائيلي مزدوج الوظيفة: أولا، الخشية من عمليات انتقامية محتملة لكل من إيران وحزب الله، على خلفية إغتيال سليماني والعالم الإيراني محسن فخري زاده وأحد عناصر حزب الله في دمشق في الصيف الماضي. ثانيا، حالة التأهب مرتبطة أيضاً بسيناريو حدوث تقدير خاطىء بين إيران والولايات المتحدة.
وينقل عاموس هرئيل عن مصادر أمنية إسرائيلية قولها إن المؤسسة الأمنية الإسرائيلية “على صلة دائمة بالبنتاغون وبقائد القوات العسكرية في الولايات المتحدة في الأيام الأخيرة. وبحسب كلامهم، يبدو أن الأميركيين لا ينوون شن عملية هجومية ضد إيران في هذه الأيام، وعلى الرغم من الظروف السياسية الحساسة في واشنطن، ليس من المعقول أن يُترجَم سلوك الرئيس ترامب بعمليات عسكرية في الشرق الأوسط. وشددوا أيضاً على أن ليس لدى إسرائيل نية للمبادرة إلى شن عملية هجومية واسعة ضد إيران في أراضيها في هذه الأيام”.
وأضافت المصادر الإسرائيلية، حسب هرئيل، “أن التخوف الأساسي في إسرائيل يتعلق بسيناريو وقوع سلسلة من سوء فهم متبادَل تؤدي إلى مواجهة، في الأساس على خلفية الخوف الإيراني من عملية غير متوقعة من ترامب. إسرائيل تخوفت من تطورات كهذه أيضاً في فترات في الماضي شهدت تصعيداً تدريجياً. ولقد تبين لاحقاً أن سلسلة الأحداث التي أدت إلى شن عملية “الجرف الصامد” في قطاع غزة في صيف 2014 تعود إلى قراءة خاطئة متبادلة لأفعال الخصم من جانب إسرائيل ومن جانب “حماس، وإلى تفسير خاطئ لتحركات موضعية بأنها تدل على نية الطرف الثاني شن حرب”. (المصادر: هآرتس، مؤسسة الدراسات الفلسطينية ومعهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي).