بايدن يتخلص من نتنياهو أم يغرق في “حروب أبدية”؟

يُسابق وزير الخارجية الأميركي أنطوني بلينكن الزمن لمنع حرب غزة من التحول انفجاراً إقليمياً يجر الولايات المتحدة إلى مواجهة مباشرة مع إيران، الأمر الذي تمكنت واشنطن وطهران من تجنبه في الأشهر الثلاثة الأخيرة.. لا بل في السنوات الأربع الأخيرة التي أعقبت اغتيال الجنرال قاسم سليماني. 

في ما يشبه مخاوف امتداد الحرب إقليمياً والتي سادت الأيام الأولى من حرب غزة، تنبعث اليوم الخشية نفسها مع تغيير في قواعد اللعبة على طول الجبهات الممتدة من بيروت إلى طهران مروراً ببغداد وصنعاء. من اغتيال إسرائيل القائد في الحرس الثوري الإيراني رضي موسوي في دمشق في 25 كانون الأول/ديسمبر، ومن ثم اغتيال نائب رئيس المكتب السياسي في حركة “حماس” صالح العاروري في الضاحية الجنوبية لبيروت الثلثاء الماضي، إلى تمدد القصف المتبادل بين “حزب الله” والجيش الإسرائيلي إلى أعماق أكثر، إلى إغراق البحرية الأميركية ثلاثة زوارق حوثية كانت تطارد سفينة تجارية تابعة لشركة “ميرسك” الدانماركية في باب المندب، إلى إصدار تحالف “حارس الإزدهار” البحري إنذاراً “أخيراً” إلى حركة “أنصار الله” الحوثية بعدم الاقتراب من ممرات الملاحة في البحر الأحمر، إلى التفجيرين الانتحاريين اللذين استهدفا مراسم إحياء الذكرى الرابعة لإغتيال الجيش الأميركي قائد “قوة القدس” قاسم سليماني في كرمان بإيران (أعلن تنظيم “داعش” تبنيه لهما)، إلى تصفية مُسيّرة أميركية القائد العسكري في “حركة النجباء” العراقية المنضوية في “الحشد الشعبي” مشتاق طالب السعيدي الملقب بـ”أبو تقوى”.

أميركا قد تكون في حاجة إلى التخلص من نتنياهو إذا كانت لا تريد حرباً إقليمية وإذا كانت فعلاً تبحث عن “أفق سياسي” للفلسطينيين وعن عودة السلطة الفلسطينية “المتجددة” إلى غزة، ورفض عودة الاحتلال الإسرائيلي. فهل يمكن أن تلعب إدارة بايدن ورقة الخلافات داخل “مجلس الحرب” و”الكابينيت” لتوجيه ضربة قوية لنتنياهو

ومن تل أبيب تتوالى تهديدات المسؤولين الإسرائيليين بعمل عسكري واسع النطاق ضد لبنان، إذا لم يبتعد “حزب الله” إلى شمال الليطاني بما يتيح عودة أكثر من مئة ألف من سكان المستوطنات المحاذية للحدود اللبنانية التي كانوا قد أخلوها بعد السابع من تشرين الأول/أكتوبر الماضي. والجبهات المتصاعدة ترتبط مباشرة بالحرب الإسرائيلية المتواصلة على غزة، الأمر الذي يُصعّب على أنطوني بلينكن مهمته، وبالتالي تُوقِعهُ في حيرة من أين يبدأ بالتبريد، خصوصاً أن القادة الإسرائيليين يعتمدون حيال غزة مقاربة عسكرية مدفوعة بذهنية الانتقام بلا حدود، ويختلفون مع واشنطن حول “اليوم التالي” لإنتهاء الحرب.

في واشنطن، يراقب الرئيس الأميركي جو بايدن الذي أعلن رسمياً بدء حملته الانتخابية، يوم الجمعة الماضي، المشهد في الشرق الأوسط بقلق كبير. لا يريد الرجل الذي بدأ ولايته بسحب القوات الأميركية من أفغانستان تحت شعار “إنهاء الحروب الأبدية” للولايات المتحدة، أن ينهي ولايته بتوريط أميركا في حرب جديدة في منطقة الشرق الأوسط.

وتتوقف رغبة بايدن في تجنب نشوب نزاع واسع، إلى حد كبير على كل من إسرائيل وإيران. كلتا الدولتين تمتلكان القدرة على توريط بايدن أو إنقاذه.

التصعيد الإسرائيلي في اتجاه لبنان ومن خلال غارات طاولت مواقع لحلفاء إيران في مدينة البوكمال السورية في 30 كانون الأول/ديسمبر الماضي، أسفرت عن سقوط 23 مقاتلاً، يُستشف منه أن هناك إرادة إسرائيلية بتوسيع الحرب، غير أن هذا التوسيع يعتمد اعتماداً مباشراً على المساعدة العسكرية الأميركية إن لم يكن على التورط الأميركي المباشر في حال دخلت إيران على الخط. وعندما أعلن البنتاغون الأسبوع الماضي عزمه سحب حاملة الطائرات الأميركية “جيرالد فورد” من شرق المتوسط، سارعت الحكومة الإسرائيلية إلى استيضاح المسؤولين الأميركيين عن السبب. في الأصل، أرسل بايدن الحاملة في الأيام الأولى لحرب غزة تحت عنوان “ردع” إيران و”حزب الله” وبالتالي منع توسيع النزاع في وقت كانت إسرائيل لم تستفق بعد من صدمة 7 تشرين الأول/أكتوبر.

للقرار الأميركي بسحب حاملة الطائرات تفسيران: إما رسالة ضغط على إسرائيل كي تُفكّر مرتين قبل الذهاب إلى حرب واسعة، وإما رسالة تهدئة في اتجاه إيران وحلفائها في المنطقة كي يُخفضوا منسوب التصعيد.

لهذه الاعتبارات تُعتبر جولة بلينكن الرابعة في المنطقة منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر، ذات أهمية بالغة في ما يتعلق بإقناع الحكومة الإسرائيلية بعدم توسيع الحرب، وبتوجيه أسئلة صعبة حول “اليوم التالي” لانتهاء العمليات العسكرية في غزة.

وتصطدم هذه المهمة بالخلافات داخل “مجلس الحرب” الإسرائيلي، وتحديداً بين الوزير بيني غانتس الأكثر ميلاً لتلبية المطالب الأميركية وبنيامين نتنياهو المتعنت الذي لا يرى “يوماً تالياً” في غزة، كي لا يتعرض للمساءلة عن الإخفاق في 7 تشرين الأول/أكتوبر. وليس صدفة أن يحمل الوزيران المتطرفان ايتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش بقوة على رئيس الأركان هرتسي هاليفي، ويمنعاه من حضور جلسات “الكابينيت”. هاليفي الذي شكّل لجنة تحقيق عسكرية، يدعو باستمرار إلى مساءلة المستويين السياسي والعسكري عن أسباب الإخفاق، بينما نتنياهو هو الوحيد من بين كل المسؤولين الذي لا يُقر حتى الآن بأن عليه تحمل مسؤولية ما حدث.

إقرأ على موقع 180  صاروخ ديمونا.. و"قواعد الإشتباك"!

يقود هذا إلى اقتناع بأن أميركا قد تكون في حاجة إلى التخلص من نتنياهو إذا كانت لا تريد حرباً إقليمية وإذا كانت فعلاً تبحث عن “أفق سياسي” للفلسطينيين وعن عودة السلطة الفلسطينية “المتجددة” إلى غزة، ورفض عودة الاحتلال الإسرائيلي. فهل يمكن أن تلعب إدارة بايدن ورقة الخلافات داخل “مجلس الحرب” و”الكابينيت” لتوجيه ضربة قوية لنتنياهو في وقت تتدنى نسبة التأييد الشعبي له إلى ما دون 15 في المئة وفق آخر استطلاعات الرأي. وهذا ما قرأته جيداً المحكمة العليا التي أعادت قبل أيام العمل ببند “المعقولية” في ما يتعلق بتولي الأشخاص للمناصب العامة في إسرائيل. وسبق لنتنياهو وحلفائه أن أزالوا هذا البند في إطار “الإصلاح القضائي” الذي انقسم الإسرائيليون في شأنه، وتدخل بايدن شخصياً لصرف النظر عنه، لكن من دون جدوى.

وصل بلينكن إلى إسرائيل في خضم توتر في العلاقات بين بايدن ونتنياهو، بحيث باتت المحادثات بينهما تتسم بحدة أكبر، بحسب صحيفة “النيويورك تايمز”، وذلك نتيجة تهرب رئيس الوزراء الإسرائيلي من الإجابة عن سؤال ماذا عن “اليوم التالي” للحرب، والحديث عن أن القتال سيستمر أشهراً إن لم يكن طوال عام 2024، فضلاً عن توسيع الهجمات نحو لبنان وسوريا. وترى مجلة “الإيكونوميست” البريطانية أن “إسرائيل في ظل قيادة نتنياهو ترتكب أخطاء تقوّض أمنها”، وتحذر من أن “غزواً استباقياً للبنان قد يوقعها في مستنقع عسكري ويؤدي إلى انهيار الدولة اللبنانية وتخريب العلاقات مع أمريكا”.

للقرار الأميركي بسحب حاملة الطائرات تفسيران: إما رسالة ضغط على إسرائيل كي تُفكّر مرتين قبل الذهاب إلى حرب واسعة، وإما رسالة تهدئة في اتجاه إيران وحلفائها في المنطقة كي يُخفضوا منسوب التصعيد

في زيارة بلينكن أواخر العام الماضي، سرت تقارير عن منح واشنطن إسرائيل مهلة حتى آخر الشهر الجاري، كي تنتقل إلى عمليات عسكرية “أكثر دقة” في غزة. ولا توجد مؤشرات إلى التزامات إسرائيلية بجدول زمني معين لخفض التصعيد، في تناقض واضح مع موقف البيت الأبيض، الذي دخل في جدال علني مع بن غفير وسموتريتش بسبب دعوتهما إلى تهجير الفلسطينيين من غزة. ووزير الدفاع يوآف غالانت، الذي يخوض تنافساً مع نتنياهو على زعامة “الليكود”، ليس أفضل كثيراً بطرحه سيطرة عسكرية إسرائيلية على قطاع غزة مع إدارة مدنية فلسطينية!

يُضفي هذا الوضع تعقيدات أكبر على مساعي أميركا لخفض التصعيد الإقليمي. وإيران أبلغت واشنطن أن حلفائها في المنطقة يتحركون بقرارات مستقلة عنها، وبأنها ليست هي من يُحدّد خياراتهم. طبعاً، هذا كلام لا يُقنع الولايات المتحدة، التي لا تستطيع أن تتصور أن طهران غير قادرة فعلاً على اقناع “حزب الله” أو الحوثيين في اليمن أو فصائل “الحشد الشعبي” العراقية بعدم التصعيد.

وسط هذه المناخات البالغة التوتر، ماذا لو تمكن الحوثيون من إصابة قطعة بحرية أميركية في باب المندب بصاروخ أو بزورق مُسيّر؟ من المؤكد أن ذلك سيحمل واشنطن والتحالف البحري على الرد داخل اليمن، مما سيزيد من احتمالات صدام أميركي-إيراني مباشر.

يقول ميك مولروي المسؤول السابق في البنتاغون لموقع “بوليتيكو” الأميركي، إنه “برغم أن الولايات المتحدة تحاول تجنب تحول حرب غزة إلى نزاع إقليمي، فإن مثل هذا القرار لا يعتمد كلياً علينا”.

Print Friendly, PDF & Email
سميح صعب

كاتب وصحافي، لبنان

Download WordPress Themes Free
Download WordPress Themes Free
Download Premium WordPress Themes Free
Free Download WordPress Themes
online free course
إقرأ على موقع 180  "ربيع" العرب في عشريته.. خريفٌ مقيمٌ