إيران ما بعد التخصيب بنسبة 60%.. إنها مسألة وقت!
Rows of centrifuge units used in DOE project to develop gas centrifuge technology to enrich uranium w. fissionable U-235 for use in nuclear reactors. (Photo by Time Life Pictures/Department Of Energy (DOE)/The LIFE Picture Collection via Getty Images)

تستمر محادثات فيينا النووية غير المباشرة بين الولايات المتحدة وإيران، وفي موازاتها، تواصل طهران سياسة الخطوة خطوة، للتحرر من إلتزاماتها المنصوص عليها في إتفاق 2015 النووي، وآخرها رفع مستوى تخصيب اليورانيوم إلى 60%، رداً على هجوم نطنز، فما هي قصة التخصيب؟

منذ عقود، تسعى بعض الدول لإقفال دائرة الانتاج النووي بامتلاك التكنولوجيا الأهم، وهي تخصيب اليورانيوم الموجود أصلًا في عدد من المناجم بشكل طبيعي ولكن غير القابل للاستخدام في إنتاج الطاقة، فأكثرية ذراته الطبيعية بنسبة 99.2% تنتمي للنظير 238 المحايد بينما النظير 235 الفعال نوويًا (في التفاعلات الانشطارية) لا تتجاوز نسبته الـ 0.07%، وهنا تأتي عملية التخصيب، أي استخلاص الذرات المنتمية للنظير 235 من بين أكوام وأكوام النظير 238 وهنا العقدة الأشد في الدائرة.. وكلّ ما عداها سهل.

عندما نسمع عبر وسائل الإعلام عن نسب التخصيب، فإن المقصود بها هي نسبة اليورانيوم 235 من بين اليورانيوم 238، وهذه العملية تتمّ عبر أجهزة الطرد المركزية مستعملةً فارق الوزن بين النظيرين، وكلما زاد عدد أجهزة الطرد وإزداد تطورها، ازداد نقاء اليورانيوم ونسبة خصوبته ولذلك يتناهى إلى مسامعنا عن عشرات آلاف الأجهزة التي تركبها إيران عند كلّ قفزة نووية في المواجهة المفتوحة بينها وبين الغرب منذ خروج دونالد ترامب من الإتفاق النووي في العام 2018.

ولتشغيل المفاعلات الحرارية بفعالية، أنت تحتاج إلى قضبان يورانيوم مخصبة بين 5% و20% المنتجة للحرارة داخل المفاعل (تستعمل الحرارة الناتجة عن هذه العملية في تسخين المياه وإنتاج البخار لتشغيل توربينات توليد الكهرباء) من دون المقدرة على استخدامها في إنتاج القنابل الذرية التي تحتاج إلى كتلة يورانيوم مخصّب بنسبة تصل إلى 98% ومن يصل للتخصيب بنسبة 20% ثم 60% يكون الوصول للنسب الأعلى لديه مسألة وقت فقط، وهذا ما تخشاه كل الدول الكبرى في ما يتعلّق بالملف الإيراني بالتزامن مع محادثات فيينا ومحاولات إسرائيل التشويش عليها، كما حصل مؤخراً بإستهداف نطنز.

وبموجب الإتفاق النووي (2015)، سُمح لإيران بالإحتفاظ بما يصل إلى 300 كيلوغرام أو 660 رطلًا من اليورانيوم المخصب إلى درجة نقاء بنسبة 3.67% للإستخدامات المدنية، وقد جمعت إيران، حسب “نيويورك تايمز”، نقلًا عن الوكالة الدولية للطاقة الذرية حتى شهر شباط/ فبراير 2021، 2.968.8 كيلوغرامًا من اليورانيوم، أي ما يقرب من 14 ضعف الحد المسموح به في الإتفاق، وهي كمية تكفي لتشغيل حوالي ثلاث قنابل ذرية نظريًا. ويشتمل المخزون على 17.6 كيلوغرامًا من اليورانيوم المخصب إلى درجة نقاء بنسبة 20%، وهو الأمر المحظور على إيران بموجب الإتفاق، حتى العام 2020.

دورة كاملة

وعليه، فإن أي دولة تفكر بامتلاك الدورة الانتاجية الكاملة تصبح تحت المجهر لدفعها للتراجع، ترغيبًا أو ترهيبًا، فالشرق أو الغرب مستعدٌ لتركيب المفاعلات النووية السّلمية في أي بلد، على أن تبقى تحت إشرافه فلا يمكنك إدارتها أو الاستفادة من منتجاتها الكاملة، فهي تنتج نظائر مشعة يمكن استعمالها في أبحاث لاحقة، وحقل الطب هنا ليس ببعيد، كما لا يمكنك تجديد الوقود النووي كما تريد.

 لدى إيران الآن كميات كبيرة من اليورانيوم المخصّب عند عتبة الـ 60%، وهذا يعني أن الوصول إلى نسبة أعلى هي مسألة وقت وليس قدرة، وبالمقابل، في حال العودة للاتفاق النووي بشروطه السابقة، سيكون أمامها إيران عدد من الخيارات، منها تصدير هذه الكميات وبيعها تحت إشراف الوكالة الدولية للطاقة أو تخفيف الكميات المخصبة عبر مزجها بغازات رباعي فلورايد اليورانيوم غير المخصّب

هذه هي العتبة التكنولوجية النووية، امتلاك أجهزة الطرد المركزي، تركيبًا وتشغيلًا وبالتالي امتلاك دورة وقود كاملة من استخراج وتخصيب وتعدين، كما عند الإعداد السّليم للكوادر العلمية وعدم حصر العلوم بيد قلّة بل الاستفادة من الأفكار والطاقات كلّها، وعندها، تصبح الاغتيالات ومحاولات العرقلة دون جدوى فعليّة وهذا ما فعلته إيران حرفيًا بإعداد جيل شاب مؤدلج متعلّم مستعد لأبعد التضحيات (عشرات آلاف العلماء)، وصولًا للموت في سبيل وطنهم ومصلحته العليا، وهذا ما بدا واضحًا بعد سلسلة الاغتيالات حيث لم تنكسر دائرة الانتاج أبدًا برغم استهداف أهم العقول في هذا المجال وآخرها محسن فخري زاده.

 وقت لا قدرة

لم يكن خافيًا على أحد أنه بعد قيام إيران باجتياز العتبة التكنولوجية النووية كان لا بدّ من تطمينات للدول العظمى بشأن عدم سعي طهران لامتلاك سلاح نووي يكسر كلّ قواعد اللعبة في المنطقة، ولم تنفع هنا التطمينات الصادرة عن المرشد الأعلى للجمهورية السيد علي الخامنئي التي أعادها كثيرًا متحدثًا عن حرمة امتلاك واستعمال الأسلحة النووية، ولرفع شيء من العقوبات عنها، رضيت طهران بالاتفاق النووي مع الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن + 1 (ألمانيا)، وأبرز ما احتواه:

  1. رفع (لا تلف) ثلثي أجهزة الطرد المركزية (لتخفيف سرعة إنتاج اليورانيوم المخصب).
  2. التخلّص من 98% من اليورانيوم (لتطويل المدة الضرورية للوصول إلى القنبلة، وهذا غير موجود في الحسابات الإيرانية حتى الآن).
إقرأ على موقع 180  "السخرية السوداء" في مواجهة "الموت الأسود"

ولكن بعد خروج ترامب من الاتفاق وإعادة فرض العقوبات على إيران، عادت إيران للتصرّف كأنّ الاتفاق لم يكن، فزادت وتيرة التخصيب تدريجيًا وصولًا إلى 20% بعد اغتيال قائد قوة القدس في الحرس الثوري اللواء قاسم سليماني في العراق أوائل العام 2020 وكذا تركيب أجهزة الطرد المركزية لتسريع العمليات الإنتاجية وصولًا إلى زيادة نسب التخصيب إلى 60% بعد إستهداف مجمع نطنز قبل حوالي الأسبوع، فيما العالم يتفرّج الآن على مضاعفة الكميات الموجودة من اليورانيوم المخصب لدى إيران.

وعليه، أصبحت لدى إيران الآن كميات كبيرة من اليورانيوم المخصّب عند عتبة الـ 60%، وهذا يعني أن الوصول إلى نسبة أعلى هي مسألة وقت وليس قدرة، وبالمقابل، في حال العودة للاتفاق النووي بشروطه السابقة، سيكون على إيران التخلص من هذه الكميات، وبالتالي سيكون أمامها عدد من الخيارات، منها تصدير هذه الكميات وبيعها تحت إشراف الوكالة الدولية للطاقة أو تخفيف الكميات المخصبة عبر مزجها بغازات رباعي فلورايد اليورانيوم غير المخصّب.

خلاصة

أخيرًا لا بدّ من القول أنّ إقفال دائرة الانتاج واجتياز العتبات التكنولوجية هو فعل إرادة أولًا وتصميم ثانيًا وعدم ارتهان وامتلاك قرار سيادي يبدأ من وضع المناهج التدريسية في المدارس والجامعات لإعداد الجيل الواعد المضحي، فمن أراد ذلك لا يجب أن ينسخ مناهج ومقررات بل عليه وضع ما يريد نصب عينيه وتعبيد الطريق إليه بكلّ السّبل المتاحة. فالأمم التي وصلت لهذه التكنولوجيات، إما عبرت بعقولها أو عبر التقاطعات السّياسية، وفي لبنان، لسنا على أيّ تقاطع سياسي ولن نكون في المدى المنظور، فمن الأجدى لنا ولمرّة واحدة الاستثمار في العقول.

دائرة الانتاج النووي ليست مقفلة أبدًا في الكثير من الدول التي يوجد على أراضيها مفاعلات نووية، فتشغيل المفاعلات النووية ليس بالأمر الصعب بل يكفيك عدد من المهندسين العارفين جيدًا ماهية المطلوب منهم كي تسير الأمور على ما يُرام، ففي الولايات المتحدة وفرنسا هناك مفاعلات يشغلها طلاب في المرحلة الثانوية على سبيل التجربة، وكذا في لبنان هناك مشروع قانون لتشغيل مفاعل تجريبي مقدّم من فرنسا ولكنّه نائم حاليًا في أدراج اللجان على ما يبدو منذ حوالي العشر سنوات.

Print Friendly, PDF & Email
فؤاد إبراهيم بزي

كاتب متخصص في المواضيع العلمية

Download WordPress Themes Free
Download WordPress Themes
Download WordPress Themes
Free Download WordPress Themes
udemy course download free
إقرأ على موقع 180  عام الأحزان في طهران.. وكؤوس خامنئي "النووية" المرة!