دعم محروقات لبنان .. تمديد الإذلال وتدويل النكد المحلي!
Image processed by CodeCarvings Piczard ### FREE Community Edition ### on 2014-07-27 15:25:16Z | | ÿ1%#ÿ3'%ÿ:.,ÿ©:Ë/ñ0

يسمع اللبنانيون حالياً أصوات قرقعة الارتطام الكبير الموعود الذي بدأ ويتسارع وقوعه الحتمي يوماً بعد يوم، على أن يكون العام 2021 تاريخياً ستذكره الأجيال المقبلة، ويدخل في قائمة تواريخ مثل عام مجاعة 1915 والحرب الأهلية في 1975.

تدحرجت الأزمة المالية والاقتصادية والمعيشية والسياسية قرابة سنتين ولم تجد لها طرف خيط حل بعد. جل ما سمعناه ونسمعه مزايدات وارتجالات ونكايات تعمق الأزمة وتعقد حلولها. والحلقة الأخيرة من مسلسل العشوائيات اللبنانية قضية الغاء دعم المحروقات.

كلفة ذلك الدعم كانت تراوح بين 3 و4 مليارات دولار سنوياً تبعاً لأسعار النفط العالمية وتقلبات سعر صرف الدولار مقابل الليرة وعمولات وأرباح الشركات المستوردة والناقلة والموزعة، فضلاً عن تكاليف غير محسوبة بدقة طرأت لأسباب متصلة بالتخزين والتهريب.

وعلى افتراض معدل وسطي يبلغ 3.5 مليارات دولار لدعم استهلاك 120 مليون صفيحة بنزين (الصفيحة 20 ليتراً) و230 مليون صفيحة مازوت سنوياً، فان تلك المبالغ كانت تخرج من مصرف لبنان وتهدر في أسواق تباع فيها المواد باسعار مدعومة بدأت عند 1515 ليرة لبنانية للدولار ثم ارتفعت الى 3900 ليرة.

بعد اعلان مصرف لبنان توقفه عن دعم استيراد المحروقات حفاظاً على التوظيفات الإلزامية العائدة للمصارف والمودعين والبالغة (نظرياً) 14 مليار دولار، دخل البارحة سعر جديد هو 8000 ليرة للدولار (مقابل 19 ألفاً في السوق الموازية، وما بين 15 و17 ألفاً لسعر المنصة التي اطلقها مصرف لبنان عند 12 الفاً لكنها سرعان ما لحقت نسبياً بالسوق الموازية صعوداً).

حصل ذلك في اجتماع ضم رئيس الجمهورية ورئيس حكومة تصريف الأعمال ووزير المالية ووزير الطاقة وحاكم مصرف لبنان لتأجيل التحرير الكامل للأسعار، على ان يُموّل الفارق من موازنة 2022 بمبلغ 225 مليون دولار مقترض (عملياً) من مصرف لبنان. والدعم المرحلي الاضافي حتى نهاية أيلول/ سبتمبر الموعد المضروب لبداية توزيع البطاقة التمويلية على “الفقراء”، بواقع 25 دولاراً للأسرة يضاف اليها مبلغ 15 دولاراً لكل فرد فيها. ولزيادة “الإحسان الشحيح” أقر بدل نقل قيمته 24 الف ليرة وراتب شهر يصرف على مدى شهرين لموظفي القطاع العام.

تعدد الأسعار يزيد تشوهات التسعير والكلفة ويعقد حسابات الاستثمار والاستهلاك والادخار والقروض والرواتب والرساميل.. وهذا برسم المفاوضات المرتقبة مع صندوق النقد الذي بين شروطه توحيد اسعار الصرف ثم تحريرها نسبياً وفق معادلة مدروسة

لذلك الترقيع غير البعيد عن الحسابات السياسية والانتخابية تداعيات وآثار جانبية يمكن ذكر الآتي منها:

1  – أضيف سعر صرف جديد الى أسعار أخرى للدولار، وباتت الأسواق مشتتة أكثر بين 1515 و3900 و8000 و12000 أو أكثر لسعر المنصة، أما سعر صرف الدولار في السوق الموازية فبين 19 و20 ألف ليرة ويتحفز للصعود أكثر تحسباً لفشل تشكيل الحكومة.

تعدد الأسعار يزيد تشوهات التسعير والكلفة ويعقد حسابات الاستثمار والاستهلاك والادخار والقروض والرواتب والرساميل.. وهذا برسم المفاوضات المرتقبة مع صندوق النقد الدولي الذي بين شروطه توحيد اسعار الصرف ثم تحريرها نسبياً وفق معادلة مدروسة للضبط على وقع الاصلاحات والتدفقات المرجحة لكفة ميزان المدفوعات الخاسر حالياً، والمطلوب توازنه أو ربحه مع نجاح الاصلاحات خصوصاً اعادة هيكلة القطاع المصرفي وفي موازاة تدفق التمويل الأجنبي والاستثمارات الموعودة.

2  – الترقيع المعتمد بعشوائية اقتصادية ونكد سياسي يفوّت مرة أخرى فرص الحلول الجذرية. فما انفق (أهدر) على دعم المحروقات في سنتين يبلغ 7 مليارات دولار. 10 في المائة من ذلك المبلغ فقط كانت تكفي لاطلاق شبكة نقل عام تغطي معظم المدن والمناطق والمكتظة سكنياً، وتخفض كلفة النقل الى الحدود التي يتحملها الفقراء تحت أي ظرف بما في ذلك انهيار الليرة.

3  – القرارات التي اتفق عليها في القصر الجمهوري لتعتمدها الحكومة اليوم أو غداً لا تلغي الدعم بل تخفضه، وبالتالي ستتضاعف اسعار البنزين والمازوت لكنها ستبقى اقل من تلك المعمول بها في سوريا. فتبقى فرص التهريب قائمة بهوامش ارباح غير شرعية تصل 100 في المائة. كما قد يستمر التخزين لأن ضعاف النفوس سيستغلون الدعم مرة أخرى ليعيدوا البيع بعد الغائه كلياً مع بداية تشرين الأول/ اكتوبر كما هو متوقع بهوامش أرباح تزيد على 100 في المائة أيضاً. لذا قد يعلق اللبنانيون في طوابير”الإذلال” شهراً اضافياً اذا فشلت، أو لم تنجح كفايةً القوى الأمنية في منع التهريب والتخزين بشكل نهائي.

4  – مبلغ 225 مليون دولار فارق الدعم الذي ستتحمله الموازنة هو دين اضافي على الدولة بما يشبه “داوني بالتي كانت هي الداء” بادمان غريب وغير مسؤول على استسهال الاقتراض وزيادته ليبلغ مستويات قياسية الى الناتج تعد بين الأعلى (الأخطر) في العالم.

5  – مبلغ الدعم الجديد سيقابله طبع لليرة بقيمته، فتتفاقم الكتلة النقدية التي تضاعفت 7 مرات منذ بداية الازمة وخلفت وراءها انهياراً في قيمة العملة الوطنية بنسبة زادت على 90 في المائة.

6  – ستبقى الدولارات تخرج من مصرف لبنان ليبيعها للمستوردين الذين يسددون بالليرة، وما تقترضه الدولة بالدولار أيضاً سيسدد لمصرف لبنان بالليرة، فيستمر نزف العملة الصعبة من أموال المودعين اذا لم يستطع مصرف لبنان الحصول على الدولار من الأسواق او مصادر تمويل أخرى بما يوازي ما يخرج من لدنه.

فقير لبنان سلعة تباع وتشترى في سوقي نخاسة السياسة والمال حتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً لاصلاح هذا النظام المخيف سياسياً والجشع اقتصادياَ، والمتحول عبئاً ثقيلاً على أهله وجيرانه والعالم

7  – سياسياً، لا يمكن عزل الخطوة التي اتخذت لتمديد الدعم 40 يوماً اضافياً عن النكايات بين فريقين متناحرين على التفاصيل، فما بالنا بالعناوين الاصلاحية العريضة والخطيرة التي سيشتد الخلاف حولها لا محالة، لتفخخ الحكومة المنتظرة سريعاً وتتحول الى حكومة انتخابات يتأجل معها اي اجراء اصلاحي جدي  لمدة سنة اضافية ربما.

إقرأ على موقع 180  كان عاماً مليئاً بالغباء..!

8  – مع الخفض الجزئي الاضافي للدعم ثم الغائه كلياً أواخر أيلول/سبتمبر ستشهد الأسواق حلقة تضخمية جديدة ترتفع معها اسعار الاستهلاك تناسباً مع ارتفاع كلفة النقل المعتمد على البنزين وكلفة التشغيل الصناعي والزراعي والخدماتي المعتمد على المازوت. فضلاً عن ارتفاع في كلفة اشتراكات الكهرباء من مولدات الأحياء في ظل عجز مؤسسة كهرباء لبنان عن زيادة التغذية بالتيار على نحو كبير برغم الاتفاق النفطي مع العراق، اما استجرار الكهرباء من الاردن والغاز المصري الى معمل دير عمار، عبر سوريا، فدونهما عقبات تقنية وحسابات اقليمية ودولية تحتم تأخر الاعتماد عليهما في الاشهر القليلة المقبلة.

9  – لكن ماذا عن الباخرة، او البواخر، التي اعلن عنها الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله الآتية من إيران؟ وهل ستسهم في حل معضلة المحروقات وكلفة دعمها؟

يبدو الأمر للوهلة الأولى متعلقاً بطوارئ انسانية لتأمين مادة المازوت للمستشفيات والأفران. علما بأن باخرة واحدة لا تكفي الاستهلاك العام في لبنان الا لأيام معدودة. ولم يعلن السيد نصرالله ان هناك جسراً بحرياً لنقل البنزين والمازوت لتغطية حاجة لبنان على الدوام. لأن دون ذلك، كما سبق الاشارة، كلفة بالمليارات لا يمكن لحزب الله ولإيران تحملها. واذا اعلن تحملها فان المشهد كله سيتغير لننتقل من الطوارئ الانسانية الى الخضم السياسي الأمني الاستراتيجي بتداعيات حساباتها في “الجيوبوليتيك” الاقليمي والدولي وليس في الاقتصاد اللبناني المنهار. ثم كيف سيتصل امتداد وامداد ذلك الجسر البحري في ظل تهديدات أميركية واسرائيلية قد يبلغ كيدها حد فرض عقوبات على لبنان او اندلاع حرب بواخر كتلك الدائرة بين اسرائيل وايران منذ اشهر؟ وهل سيفجر ذلك صاعق حرب اقليمية لا تقتصر على البحر بل تمتد الى البر والجو؟ ومن يريد حرباً مفتوحة على هذا النحو في هذا الظرف الدولي؟ تلك اسئلة أجوبتها خارج أي سياق اقتصادي، وهي حتماً في علم غيب حكومة تصريف الأعمال المسكينة وحكومة نجيب ميقاتي المتعرقلة بحسابات ضيقة على حقيبة من هنا وأخرى من هناك.

10 – المخدوع الأول والأخير في كل ما سبق هو الفقير اللبناني الذي كان ولا يزال ضحية كارتيلات واحتكارات تجارية وطغمة مالية ومصرفية محمية برعاية زعامات سياسية وطائفية تستغل “أي شيء وكل شيء” بطريقة ميكيافيلية رهيبة.

أجل، فقير لبنان سلعة تباع وتشترى في سوقي نخاسة السياسة والمال حتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً لاصلاح هذا النظام المخيف سياسياً والجشع اقتصادياَ، والمتحول عبئاً ثقيلاً على أهله وجيرانه والعالم!

Print Friendly, PDF & Email
منير يونس

صحافي وكاتب لبناني

Free Download WordPress Themes
Download WordPress Themes Free
Premium WordPress Themes Download
Download WordPress Themes Free
free online course
إقرأ على موقع 180  قائد الجيش اللبناني يُحذِّر السياسيين.. هل يُنفّذ؟