جوار الهند.. قلقٌ مقيمٌ من طموحات القوميين الهندوس

نشرت مجلة "فورين بوليسى" مقالة بتاريخ 8 مايو/أيار للكاتب سوشانت سينج تناول فيه خطورة تجاهل روايات الحزب الحاكم فى الهند وأفكاره عن استعادة عظمة الهند الهندوسية والأراضى التى خسرتها تاريخياً.

“لطالما اعتمد القادة على التاريخ المزور لتبرير غزواتهم؛ فالرئيس الروسى فلاديمير بوتين ينفى وجود دولة أوكرانية مستقلة فى محاولة للسيطرة عليها واستعادة أمجاد الاتحاد السوفيتى، والرئيس الصينى شي جين بينج يحاول استعادة أراض يرى أن الصين خسرتها فى قرن الإذلال الذى فرض عليها. يتبنى آخرون حول العالم أحلاما مشابهة. لعقود من الزمان، طرحت منظمة راشتريا سوايامسيفاك سانغ الهندية (RSS) ــ المنظمة القومية الهندوسية التى لها صلات وثيقة بحزب بهاراتيا جاناتا الحاكم (BJP) ــ فكرة «الهند غير المنقسمة»؛ يمتد الكيان المقترح من أفغانستان على الجانب الغربى للهند إلى ميانمار شرق الهند بالإضافة إلى كل من باكستان وبنجلاديش والتيبت ونيبال وبوتان وسريلانكا وجزر المالديف. تحدث رئيس الوزراء الهندى ناريندرا مودى بنفسه عن الفكرة فى مقابلة معه عام 2012، عندما كان لا يزال رئيس وزراء ولاية جوجارات، قال إن «الهند غير المنقسمة» تشير إلى الوحدة الثقافية.
قال زعيم منظمة راشتريا سوايامسيفاك سانغ، موهان بهاجوات، أمام تجمع عام الشهر الماضى إن «الهند غير المنقسمة» ستتحقق فى غضون 10 إلى 15 عاما، مما يضع أول جدول زمنى لأحلام القومية الهندوسية. يعد بهاجوات شخصية قوية جدا فى الهند اليوم بسبب علاقته الشخصية مع مودى. حزب بهاراتيا جاناتا هو واحد من المؤسسات التى تخضع للسيطرة المباشرة لمنظمة راشتريا سوايامسيفاك سانغ، التى تتمتع الآن بأكبر قدر من السلطة منذ تأسيسها فى عام 1925. كان مودى ناشطا فى المنظمة قبل أن يكلف برئاسة حزب بهاراتيا جاناتا.
إن فكرة «الهند غير المنقسمة» هى أحد المبادئ الأساسية لأيديولوجية هندوتفا، وهو النهج الذى سارت عليه القومية الهندوسية لعقد من الزمان. تُدرس هذه الأيديولوجية الآن فى المدارس التى تديرها منظمة راشتريا سوايامسيفاك سانغ فى جميع أنحاء الهند. يقول القوميون إن «الهند غير المنقسمة» ستتحقق بعد أن تصبح الهند دولة هندوسية، وهذا لا يبشر بما هو خير للديمقراطية الهندية.
بعيدا عن الهند، يمكن أن تكون هذه الأيديولوجية أيضا خطرة على المنطقة، فمن المرجح أن تزيد من عدم الأمن فى باكستان المسلحة نوويا وستضعف موقف الهند أمام الصين، منافستها الإقليمية الأقوى. على الرغم من أن فكرة «الهند غير المنقسمة» قد تبدو بعيدة المنال، إلا أن نفس الشىء قيل عن طموحات بوتين التوسعية. ولذلك يجب أخذ خريطة القوميين الهندوس عن الهند على محمل الجد.

***

عكست سياسات حكومة ناريندرا مودي هذه الطموحات الجغرافية؛ والتى تؤكد على أن الهندوتفا تتجاوز الحدود. أقرت الهند فى عام 2019 قانون المواطنة (المعدل) الذى يسهل على الهندوس من أفغانستان وبنجلادش وباكستان الحصول على الجنسية ويستبعد المسلمين. فى العام نفسه، جردت حكومة مودى جامو وكشمير ــ الولاية الهندية الوحيدة ذات الأغلبية المسلمة ــ من حكمها الذاتى، وأخضعتها للحكم الفيدرالى المباشر.
تشكل فكرة «الهند غير المنقمسة» أيضا علاقة الحكومة الهندية بجيرانها. يشير مودى إلى الهند باعتبارها «معلم العالم»، ويزعم اليمين أن مودى هو وحده القادر على استعادة عظمة الهند الهندوسية. لقد قام مودى بزيارات رفيعة المستوى إلى المعابد فى بنجلاديش ونيبال وأماكن أخرى ليؤكد فكرة أن تلك الدول تقع تحت مظلة الهندوتفا. فرضت الحكومة الهندية حظرا على الإمدادات إلى نيبال فى عام 2015، لتجبرها على تعديل دستورها العلمانى لصالح «الأمة الهندية». أثارت الهند فى عهد مودى اعتراضات دبلوماسية حول سوء معاملة الهندوس فى الدول المجاورة؛ وتعهدت بتسريع منح تأشيرات الدخول للهندوس والسيخ من أفغانستان بعد تولى طالبان زمام الأمور العام الماضى.

على الرغم من أن فكرة «الهند غير المنقسمة» قد تبدو بعيدة المنال، إلا أن نفس الشىء قيل عن طموحات بوتين التوسعية. ولذلك يجب أخذ خريطة القوميين الهندوس عن الهند على محمل الجد

يعتقد معظم المؤرخين أن الهند الحالية لم تشمل بوتان أو ميانمار أو نيبال أو التبت أو سريلانكا، حتى فى العصور القديمة. والمناطق التى كانت تنتمى إلى الهند ــ أفغانستان، وبنجلاديش، وباكستان ــ لم تخضع أبدا لحاكم الهند، إلا عندما كانت تحت الحكم الاستعمارى البريطانى. علاوة على ذلك، فإن ماضى الهند لم يشمل صراعات دائمة على أسس دينية. فى الماضى، استخدم القادة الهندوس جنرالات مسلمين لمحاربة الحكام المسلمين والعكس صحيح. يقول القوميون إن الهند دولة هندوسية عانت لمدة 1200 عام من الحكم الإسلامى، كما فعل مودى بعد انتخابه عام 2014، وأن الهند دولة هندوسية يجب أن تعود لأمجادها السابقة. وفى الحقيقة، كانت فكرة انتهاء الحكم الهندوسى المجيد بغزو المسلمين رواية استعمارية بريطانية سعت إلى تقسيم المنطقة وحكمها، وهى رواية تبنتها منظمة راشتريا سوايامسيفاك سانغ.
لقد نشر القوميون الهندوس هذه الروايات التاريخية المشوهة لدعم سياساتهم العنصرية وحتى العنف ضد أكثر من 200 مليون مسلم فى الهند. وصل الاضطهاد الدينى إلى مستويات خطرة. استهدفت الحملات القومية الهندوسية صلاة الجمعة للمسلمين، وخلط حزب بهاراتيا جاناتا بين المسلمين والمجرمين، كما مُنعت الطالبات من حضور الدروس لارتدائهم الحجاب. هدمت السلطات المنازل والمتاجر والمنشآت الدينية فى أعقاب أعمال العنف الطائفية التى استهدفت الأحياء الإسلامية.
أعرب بهاجوات عن ارتياحه لهذه الأحداث الأخيرة بشكل غير صريح، فبعد أن أعلن الهند أمة، وصف المسار الذى تسير فيه الهند: «أولئك الذين يريدون إيقاف المسار إما سيتم إزالتهم أو القضاء عليهم، لكن الهند لن تتوقف. السيارة الآن تتحرك مسرعة بدون فرامل. لا ينبغى لأحد أن يقف أمامها». وفى خطاب آخر، قال بهاجوات إنه إذا أراد الهندوس أن يبقوا هندوسا، فيجب أن تكون الهند «غير مقسمة».

لن يجرؤ أى زعيم سياسى على محاولة تنفيذ فكرة الأمة الهندوسية، لكن أولئك الذين أعماهم الحنين المصطنع والحماسة الدينية قد يلجأون إلى أى طريقة لتطبيق ما يرونه صحيحا

وبالمثل، فإن خطاب بهاجوات الأخير حول تحقيق «الهند غير المنقسمة» مثير للقلق. قال «سنتحدث عن اللا عنف، لكننا سنمشى بعصا، والعصا ستكون غليظة». الدول الصغيرة فى جنوب آسيا قلقة بالفعل من هيمنة الهند. أدت تصريحات بهاجوات إلى زيادة عدم الأمان فى المنطقة، وهو ما سيؤدى إلى إثارة الغضب والكراهية ضد الهند. قد تكون الأحداث الأخيرة فى بنجلاديش نذيرا لما سيحدث: فى العام الماضى، زار مودى دكا، عاصمة بنجلاديش، خلال الذكرى الخمسين لاستقلالها وقوبل بالعنف والاحتجاجات ضد سياساته المعادية للمسلمين، مما أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 12 شخصا.

إقرأ على موقع 180  بوتين وسليماني.. قصة إلتزام متبادل في سوريا هذه وقائعها

***

على أية حال، فكرة أن تصبح باكستان المسلحة نوويا جزءا من الهند الموحدة فكرة سخيفة. وكذلك الحال مع التيبت التى قام فيها الجنود الصينيون بمنع الدوريات الهندية من الوصول إلى الأراضى المتنازع عليها فى لاداخ لمدة عامين تقريبا. بالطبع فكرة أن تصبح التيبت جزءا من الأمة الهندية تستفز بكين. ومن المرجح أن تضعف فكرة الأمة الهندية موقف الهند فى دول الجوار، حيث نجحت الصين فى تحدى نفوذ الهند فى دول مثل بنجلاديش ونيبال وسريلانكا.
لن يجرؤ أى زعيم سياسى على محاولة تنفيذ فكرة الأمة الهندوسية، لكن أولئك الذين أعماهم الحنين المصطنع والحماسة الدينية قد يلجأون إلى أى طريقة لتطبيق ما يرونه صحيحا. إذا لم تكن منظمة راشتريا سوايامسيفاك سانغ تتحكم فى مقاليد السلطة فى الهند، لكان من الممكن اعتبار هذه الأفكار أوهاما. ستعانى الهند تحت مودى من التعصب والعنف، وستتبدد قيمها الديمقراطية فى سعيها إلى تحقيق «الهند غير المنقسمة». يجب على العالم أن يدرك خطورة هذه الفكرة على الهند والعالم”.

(*) النص الأصلي في “فورين بوليسي” ومترجما إلى العربية في “الشروق“.

Print Friendly, PDF & Email
إبتهال أحمد

باحثة مصرية في الشؤون الدولية

Download WordPress Themes Free
Download WordPress Themes
Free Download WordPress Themes
Download Best WordPress Themes Free Download
free download udemy paid course
إقرأ على موقع 180  بوتين وسليماني.. قصة إلتزام متبادل في سوريا هذه وقائعها