لنفترض ان الكلام عن تسوية مزمع انجازها صار جدياً في الآتي من الأيام، هذا يعني أن الشخصيات المؤهلة لاحتلال مقاعدها حول طاولة الحوار طبقاً لنتائج الانتخابات النيابية تتوزع كالآتي:
-التيار الوطني الحر، القوات اللبنانية، الكتائب، الطاشناق، وتيار المردة عن المسيحيين.
-امل وحزب الله، عن ما يسمى “الثنائي الشيعي”.
-الحزب التقدمي الاشتراكي، عن الدروز.
-المجتمع المدني.
لكن ماذا عن التمثيل السني؟
تُبيّن المؤشرات الإنتخابية ان رئيس تيار المستقبل سعد الحريري، وبالرغم من قرار عزوفه عن المشاركة في الإنتخابات النيابية، وابتعاده عن الساحة السياسية، استطاع الفوز بالتأييد الاكبر والتمثيل الاوسع على الساحة السنية في لبنان، وها هو يحظى بكتلة نيابية يستطيع أن يجمعها إذا أراد ذلك ويمكن أن يصل عدد أعضاءها إلى ثمانية نواب سنة في دوائر الشمال وبيروت والبقاع. فلقد اثبتت نتائج الانتخابات النيابية، بأن كل من حاول وراثة الحريرية، لم يحظ بثقة الشارع السني، فرئيس الوزراء الأسبق فؤاد السنيورة، وهو من أركان تيار المستقبل التاريخيين، وبرغم تشكيله لائحة بيروتية وازنة، بهدف الاستحواذ على كتلة نيابية تمكنه من حجز مقعد له على طاولة التسوية المرتقبة، فشل في تحقيق ذلك، حاله كحال شخصيات أمنية أو سياسية كانت تجاهر سابقاً بتأييدها لتيار المستقبل، املت في وراثة زعامة سعد الحريري للسنة، فقررت خوض المعركة الإنتخابية من خارج عباءة التيار الأزرق، بحجة ملء الفراغ الذي خلفه عزوف الرئيس الحريري وتياره السياسي، ولكن الحقيقة أن معظم هؤلاء قبلوا أن يشكلوا رافعة سنية للوائح القوات اللبنانية، وفشلوا في تحقيق حلم وراثة زعامة سعد الحريري.
من تمكن من “الخرق” خصوصاً في بيروت والشمال والبقاع، إما بفعل “قبة باط” من قيادة تيار المستقبل أو أن قلة من هؤلاء تظن بأن طريق وراثة الحريري قد فتحت امامهم، وانهم قادرون على التحكم بمزاج الشارع السني، وجعله اداة طيّعة، في خدمة مشروع كان إنتحارياً في ما مضى وها هو يتجدد في الإتجاه نفسه لكن هذه المرة بدعم سعودي.
إلا ان المعضلة الرئيسية التي تواجه سنة لبنان، تكمن في أن الفائزين الجدد بالنيابة، عن معظم المقاعد السنية، لا يملكون ما يكفي من خبرة وحنكة سياسية تمكنهم من التعامل مع ملفات دولية وإقليمية ولبنانية حساسة، ولا يتمتعون بالمهارة الكافية لتدوير الزوايا، وليس بينهم من يتقن لعبة التوازنات السياسية في لبنان، والدليل ان مجمل حملاتهم الانتخابية تمحورت حول مواجهة سلاح المقاومة من دون احتساب الاخطار التي يمكن ان تنتج عن مثل تلك الشعارات التي تعتبر وقوداً لإشعال حرب اهلية.. والعياذ بالله.
اما الرئيس الحريري، فيُسجل له أنه إختبر تلك التعقيدات الداخلية والخارجية، ولا غلو في القول انه وبسبب تمسكه بالتسوية الداخلية التي تُحرّم المساس بالسلم الاهلي وتحصّن الواقع السني ـ الشيعي في لبنان، دفع الثمن بقرار ابعاده القسري عن المشهد السياسي الداخلي لمصلحة من يُراد له أن يكون رافعة للفتنة والمواجهة المدمرة.
اليوم، وفي ظل خلو الساحة السنية من التمثيل الوازن وامام هذا الواقع غير السوي يبرز التساؤل حول الشخصية أو الشخصيات المخولة تمثيل سنة لبنان على طاولة التسوية القادمة؟
انه سؤال موجه ليس الى المسلمين السنة فقط، بل الى الشركاء في التسوية المنتظرة، وهذا سؤال يحتاج الى الكثير من التأمل والتدبر للخروج من مأزق تمثيل السنة في لبنان، إلا أن ذلك لا يمنع من القول إن نتائج الإنتخابات أظهرت أن السنة هم أهل الإعتدال والثبات على المبادئ الوطنية، والمحافظة على هوية لبنان العربية، وهم لا يقبلون اي مساومة على الوطن، ولا على السيادة الوطنية.
ليس للسعودية أن تحل محل المسلمين السنة. لقد بلغ هؤلاء سن الرشد السياسي وبمقدورهم أن يختاروا زعامتهم وحفظ خصوصيتهم، لكن الأهم أن لا يتحولوا الى ملحقين او الى متسولي نعمة التمثيل السياسي على اعتاب قاتل إرتبط إسمه بجريمة إغتيال أحد رؤساء الحكومات
ثمة شخصيات سنية وازنة تجهد في تجنيب لبنان أي فتنة طائفية او مذهبية بين ابناء الوطن الواحد، وترفض اي نوع من انواع الفدرلة او التقسيم، وتدعو الى شراكة وطنية حقيقية ومؤمنة بمبدأ المقاومة وتحرّم اي تطبيع مع الكيان الصهيوني، لكن تلك الشخصيات ابتعدت عن المشاركة في الحياة السياسية ولم تنخرط يوماً في اي تيار او حزب سياسي، وبقيت مستقلة وعلى مسافة واحدة من جميع مكونات لبنان السياسية، وذلك نزولاً عند رغبة السعودية بحصر التمثيل السني بتيار المستقبل.
قبيل الإنتخابات، كان يُمكن لنادي رؤساء الوزراء السابقين أن يملأ مثل هكذا فراغ، وهو نجح في تأدية تلك المهمة، إلا أنه أصبح غداة الإنتخابات في إجازة قسرية غير معلنة ولأسباب وحسابات شخصية مختلفة، وليس في نعيه مبالغة، ذلك أنه صار عبئاً على الجميع ولا سيما على سعد الحريري.
لبنان اليوم يعاني ضغوطاً اقتصادية سياسية امنية هائلة، بانتظار تسوية اقليمية تمهد الطريق امام تسوية داخلية، لكن في حال جلوس اللبنانيين على مقاعدهم حول الطاولة المستديرة لإنجاز التسوية، فان واقع التمثيل السني الحالي بغياب تيار المستقبل واجازة نادي رؤساء الوزراء السابقين، لن يكون بالمستوى المعهود بل سيكون تمثيلا هشاً، ان لم نقل الحلقة الاضعف لذلك فان واقع السنة في لبنان امام احتمالات ثلاث احلاها علقم.
– ملحقون بطرف ثان وبصفة متلق منفذ فقط “تبعاً للوصفة السعودية”.
– خارج إطار التسوية المنتظرة.
– انجاز التسوية على حسابهم.
هنا يبرز أكثر من سؤال:
هل يدرك السنة معضلة القصور الذي اصاب تمثيلهم الذي لا يليق بمكانتهم كركيزة رئيسية من ركائز لبنان، وهل يدركون فداحة مأزق عدم وجود شخصيات تحظى بتأييد وازن على الساحة السنية، تمتلك القدرة والخبرة لمناقشة الملفات الشائكة؛ تتقن فن المحاورة وتدلي بدلوها في الوقت المناسب رفضاً أو قبولاً، وهل يدركون أن هذا ما يوجب عليهم التطلع اليه والتحسب لما يمكن ان ينتج عن فقدانه؟
نعترف بأن السعودية مدّت لبنان بالعون لعقود من الزمن، لكن عونها كان محصوراً بجهات وشخصيات لم تكن أمينة على تحسين حال مؤسسات المسلمين السنة في لبنان بل ان تلك الشخصيات والجهات امعنت في سرقة المعونات السعودية، مما أسهم في اضعاف المؤسسات السنية في البلد. اما اليوم فنرى ان المملكة قررت الاغداق بالمعونات على شخصيات واحزاب معينة، في مقابل معاقبة السنة في لبنان بشكل جماعي واهمال مؤسساتهم القائمة فهل يستحق السنة في لبنان كل هذا الغضب والاستخفاف والاهمال السعودي؟
ليس للسعودية أن تحل محل المسلمين السنة. لقد بلغ هؤلاء سن الرشد السياسي وبمقدورهم أن يختاروا زعامتهم وحفظ خصوصيتهم، لكن الأهم ألا يتحولوا الى ملحقين او متسولي نعمة تمثيل سياسي على اعتاب قاتل إرتبط إسمه بجريمة إغتيال أحد رؤساء الحكومات، وعلى أهل الديوان في المملكة أن يدركوا أن محاولات استبدال الحريري بقاتل رشيد كرامي لن يكتب لها النجاح ولو جمعت حوله ألف لفة شيخ سني ولو تحولت داره الى دار للإفتاء!
نعم، من حق السعودية أن تحمي مصالحها في لبنان اسوة بدول اخرى، لكن ليس من حق الحنق السعودي أن يتحول الى مشروع تدمير للمؤسسات التعليمية والصحية والثقافية السنية في لبنان، وبالتالي تشريد وتشتيت المجتمع السني، وان تنصّب السفهاء المجرمين قادة عليهم، او ان تجعل تمثيلهم ركيكاً لا يليق بمكانة السنة التاريخية في لبنان، فهل تعي السعودية ما ارتكبته من خطأ استراتيجي بحق سنة لبنان وألا يقتضي الأمر منها مراجعة ما؟