في منتصف أيلول/سبتمبر الماضي، وضع رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو إعادة المستوطنين إلى الشمال، هدفاً استراتيجياً رابعاً لحربه التي بدأها ضد الفلسطنييين في خريف العام 2023 مُوجّهاً ثقل جيشه العسكري من غزة نحو لبنان، بقوله إن ذلك من شأنه “أن يُغيّر موازين القوى في الشرق الأوسط”. وقبل سنة تقريباً، غداة عملية “طوفان الأقصى” في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، قال نتنياهو: “إننا نخوض حرباً وجودية”. وبطبيعة الحال، هذه الأهداف تُحقّق الجزء الأكبر منها.
وبعد إعلان وقف النار في لبنان واستمرار جمود الوضع الميداني في غزة نسبياً وبالتالي عجز إسرائيل عن تحرير أسراها لدى حماس وفصائل المقاومة الفلسطينية، قفزت إسرائيل إلى سوريا بالتنسيق مع الأتراك والأميركيين، حيث أطلقت الصافرة لـ”جبهة النصرة” سابقاً (هيئة تحرير الشام حالياً) لإسقاط النظام السوري الذي تهاوى بشكل سريع ومفاجئ، وبالتالي اكتملت حلقة التضييق على حزب الله لمنع “الأوكسجين” عنه، حسب تعبير نتنياهو خلال إحدى زياراته إلى شمال فلسطين المحتلة إبان اشتعال الحرب على لبنان، في شهر تشرين الثاني/نوفمبرالماضي.
وبالفعل أنجزت “هيئة تحريرالشام” مع الفصائل المنضوية تحت لوائها، ومنها “حركة أحرار الشام” و”جيش العزة”، المهمة في وقت قياسي لم يتعد العشرة أيام، والتي ُسمّيت بعملية “رد العدوان”. مع العلم بأن الأمور كانت هادئة قبل 27 كانون الأول/نوفمبر الفائت، والدولة السورية تتعايش مع الأمر الواقع، سواء في الشمال الشرقي حيث تسيطر “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) وتتواجد القواعد الأميركية، أو في الشمال الغربي الواقع تحت سيطرة “هيئة تحرير الشام” و”الجيش الوطني السوري” (الجيش السوري الحر سابقاً) المدعوم من تركيا، وذلك بناء لتفاهمات استانا بين روسيا وتركيا وإيران عام 2020، لجهة خفض التصعيد في المناطق المذكورة. في الوقت الذي كان فيه العرض التركي لعقد قمة بين الرئيسين رجب طيب اردوغان وبشار الأسد غير قابل للهضم من الجانب السوري في ظل بقاء احتلال تركيا لمنطقة شمال غرب سوريا بالكامل، بصورة مباشرة او عبر الجماعات المدعومة والممولة منها، وقد رفض الرئيس التركي رجب طيب اردوغان الانسحاب، أو أقله، التعهد بذلك ووضع جدولة لهذا الانسحاب.
وبالتالي، مع سقوط النظام في سوريا، تلقى المحور الذي تقوده طهران ضربة قاسمة تفوق ما تلقاه حزب الله في لبنان وحركة حماس في غزة، حيث سقطت استراتيجية المحور من ألفها إلى يائها، وباتت إيران معنية بصياغة رؤية استراتيجية مختلفة في المنطقة، بعد ان امتنعت أو عجزت عن الدفاع عن نظام الأسد، وكذلك روسيا التي قدّمت أمنها القومي، الذي اهتز في الحرب مع أوكرانيا، على مكانتها العالمية، التي تمثلت في حضورها القوي في سوريا وعلى البحر المتوسط. هذا من دون أن نعرف ما إذا كانت روسيا ستبقي على قاعدتيها، البحرية في طرطوس، والجوية في حميميم، بضمانة تركية-أميركية.
عليه، وبالعودة إلى إسرائيل التي جعلت من “طوفان الأقصى” لحظة استراتيجية للتخلص من تهديد قوى محور المقاومة، فإنها قد تنقلب على اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان، بعدما حوّلت سوريا مسرحاً لعملياتها العسكرية، حيث قضت على كل مقدرات الجيش السوري في الساعات الـ72 الماضية، واحتلت جزءاً كبيراً من الجنوب السوري، وتعدت المنطقة العازلة في الجولان، وهي بصدد خلق واقع جديد قرب الحدود اللبنانية السورية، بحيث تتولى بنفسها مراقبة تلك الحدود شرقاً، وحينها لن تعود بحاجة إلى اللجنة الخماسية المشرفة على تطبيق قرار مجلس الأمن الرقم 1701.
في المحصلة، كل هذه التطورات الدراماتيكية التي تعصف في المنطقة، لا سيما على صعيد لبنان وسوريا، تشي بأن الحرب الإسرائيلية ضد لبنان لم تنتهِ، خصوصاً في ظل مناخ سياسي وعسكري إسرائيلي يقول بأن فرصة القضاء على “حزب الله” في ضوء التطورات السورية باتت قاب قوسين أو أدنى، غير أن حسابات الأميركيين ولا سيما الإدارة الجديدة، ربما تكون لمصلحة لبنان، من زاوية إلحاح دونالد ترامب على طي صفحة الحروب في المنطقة والشروع في عصر الصفقات.