“فورين أفيرز”: أميركا وإيران.. إمتحان الفرصة الأخيرة

منى فرحمنى فرح29/08/2022
"إن إنعدام الثقة المُتبادل وعلامات الاستفهام حول متانة الإتفاق النووي الناشئ تجعله أضعف من أن يتحمل ثقل التوترات الأميركية الإيرانية المتزايدة على جبهات أخرى، وتهديد الجمهوريين بالإنسحاب في حال عادوا إلى البيت الأبيض". هذه هي الخلاصة التي توصل إليها الباحث السويدي من أصل إيراني تريتا فارسي، في مقالة شاملة نشرها موقع "فورين أفيرز".

على الرغم من كل الصعاب التي مرَّت، أبدى المعنيون إستعدادهم لإحياء الإتفاق النووي مع إيران. وبالنسبة للولايات المتحدة الأميركية فإن مصلحتها الرئيسية هي سد مسارات إيران نحو إمتلاك سلاح نووي. وبحسب مسؤولين مطلعين على مسودة الإتفاق الناشئ، الذي تم تعميمه في أوروبا وطهران في النصف الثاني من آب/أغسطس، ستتخلى إيران؛ مرة أخرى؛ عن مخزونها من اليورانيوم المُخصب عند مستويات عالية، على أن تحتفظ فقط بـ300 كيلوغرام من اليورانيوم المُخصَّب بمستويات أقل. كما ستوقف جميع عمليات التخصيب التي تزيد عن 3.67% وتزيل آلاف أجهزة الطرد المركزي الحديثة والمتطورة. ولن يكون لإيران أيضاً إمكانية إنتاج سلاح نووي قائم على البلوتونيوم. ولعل الأمر الأكثر أهمية هو أن برنامجها النووي سيكون مفتوحاً بالكامل أمام مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية لإجراء عمليات تفتيش متى ما أرادوا.

إذا تم تبني الإتفاق رسمياً، فسوف يمثل اختراقاً كبيراً للأمن القومي الأميركي وللإستقرار في الشرق الأوسط. وبدلاً من التعامل مع “إيران على عتبة قنبلة نووية”، يمكن للولايات المتحدة الآن أن تأمن للبرنامج النووي الإيراني لعامين مقبلين. إن تداعيات انسحاب الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، من إتفاق 2015، تُثبت، وبوضوح، أن وضع واشنطن مع إتفاق سيكون أفضل بكثير من دونه. فعندما انسحب ترامب سارعت إيران إلى توسيع برنامجها النووي واقتربت أكثر من أي وقت مضى من امتلاك المواد اللازمة لصنع سلاح نووي. ولكن تكرار خطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA)، كما هي الآن، سيكون محفوفاً بالمخاطر في أحسن الأحوال.

النجاة من تداعيات إنسحاب ترامب كانت معجزة حقيقية… لكن التغلب على مضاعفات تكرار الإنسحاب سيكون مستحيلاً

منتقدو الإتفاق الناشئ سيتبارون للقول إنه ضعيف ومدته قصيرة وليس قوياً كفاية ولا مُستداماً. بعض هذه الحجج مُحقَّة. إن قدرة إيران على الاختراق ستكون من 6 إلى 9 أشهر بدلاً من الـ12 شهراً الأصلية؛ وهي المدة التي تحتاجها لجمع المواد اللازمة لصنع قنبلة نووية. ومع ذلك، فإن وجهة النظر التي تتبنى ضمان حظر إمتلاك سلاح نووي لدى إيران حتى نصف عام أفضل بكثير من المجازفة بحدوث إختراق لا تحتاج معه إيران سوى إلى أيام قليلة لتنفيذه. وفي حين أن خطة العمل الشاملة المشتركة الأصلية (2015) كانت تتضمن قيوداً على برنامج إيران النووي تصل مدتها إلى 20 عاماً، فإن إستمرار وديمومة الصفقة التي تم إحياؤها مرتبطة بوجود رئيس ديموقراطي في البيت الأبيض، لأن قادة الحزب الجمهوري أعلنوا إلتزمهم بإلغاء الإتفاق في حال وصل أحدهم إلى سدة الرئاسة في انتخابات 2024.

تمرين مرهق لكسب الثقة

أحد الاختلافات الجوهرية بين الإتفاق النووي الناشئ ونسخة 2015 هي الأجواء الدبلوماسية المرافقة. فخطة العمل الشاملة المشتركة لعام 2015 استغرقت أكثر من عامين من المفاوضات المباشرة؛ وجهاً لوجه بين واشنطن وطهران؛ ما ساعد في بناء قدر ولو ضئيل من الثقة بين الخصمين. خلال الولاية الثانية للرئيس الأميركي الأسبق، باراك أوباما، أمضى وزير خارجيته، جون كيري، وقتاً مع نظيره الإيراني، محمد جواد ظريف، أكثر مما أمضى مع أي زعيم أجنبي آخر. فبعد الاجتماع الأول بينهما، في أيلول/سبتمبر 2013، تبادل الوزيران أرقام الهواتف، وبعد ذلك نشطت الرسائل النصية بينهما بانتظام. هذا النوع من التواصل ثبُتَ أنه مفيدٌ جداً لما هو أبعد من المفاوضات. فعلى سبيل المثال، عندما اخترق عدد من البحارة الأميركيين؛ عن طريق الخطأ؛ المياه الإقليمية الإيرانية، في كانون الثاني/يناير 2016، استطاع ظريف وكيري؛ ومن خلال خمس مكالمات هاتفية فقط وأقل من 16 ساعة؛ تأمين إطلاق سراح البحارة الأميركيين ومنع وقوع أزمة كانت لتكون كارثية لو أن الحادث نفسه حصل قبل تنفيذ خطة العمل الشاملة المشتركة.

الاختلاف الجوهري الثاني، هو أن التفاوض على خطة العمل الشاملة المشتركة المُتجددة لم يتم عبر كبار الدبلوماسيين (الأميركيين والإيرانيين) بل عبر مبعوثين مُعَيَنين من كلا الجانبين. هؤلاء لم يجروا أي محادثة مباشرة مع بعضهم البعض؛ لقد رفضت إيران إجراء مفاوضات مباشرة. وعلى مدى الـ 16 شهراً الماضية، غالباً ما استنزفت المحادثات غير المباشرة الثقة بدلاً من العمل على بنائها.

قرار بايدن بتأخير العودة للإتفاق أصاب الإيرانيين بالذهول وجعلهم مقتنعين بأن هدفه هو إطالة العقوبات… فسرَّعوا تخصيب اليورانيوم

بمجرد توليه منصبه، تصرف جو بايدن وكأنه ليس في عجلة من أمره. فبدلاً من إصدار أمر تنفيذي بالعودة إلى إتفاق 2015؛ كما فعل مع اتفاقية باريس للمناخ والعضوية في منظمة الصحة العالمية؛ أبقى العقوبات التي فرضها ترامب على إيران سارية المفعول. بعد ذلك، أمضى بايدن شهوراً في التشاور مع أشد المعارضين للإتفاق شراسة: إسرائيل والإمارات والسعودية. كان تأجيل بايدن يهدف جزئياً إلى تبديد المخاوف بين هؤلاء الحلفاء من أن يؤدي تجديد خطة العمل الشاملة المشتركة إلى ذوبان الجليد بين الولايات المتحدة وإيران على نطاق أوسع. على عكس أوباما، الذي أمضى شهوراً في السعي من أجل تحسين فحوى العلاقات الأميركية الإيرانية، لم يُكلف بايدن نفسه عناء اتخاذ أي تدابير لبناء الثقة. وبدلاً من ذلك، أصرَّ على أن تتخذ إيران الخطوة الأولى؛ برغم من أن من خرق الإتفاق هي الولايات المتحدة.

قرار بايدن بإرجاء العودة إلى الإتفاق فاجأ المسؤولين الإيرانيين، لا بل أذهلهم وجعلهم مقتنعين بأن هدفه هو إطالة أمد العقوبات التي فرضها ترامب لإجبار إيران على القبول بشروط أكثر صرامة. لذلك، كان التصريح الذي أدلى به ناصر هديان، مستشار حكومة الرئيس السابق حسن روحاني، لصحيفة “نيويورك تايمز” في كانون الثاني/يناير2021، وحذر فيه من أنه إذا لم يتصرف بايدن ويبادر لإحياء الاتفاق النووي، فإن “جميع الفصائل الرئيسية في إيران ستضغط باتجاه تنشيط البرنامج النووي”. وهذا ما حدث بالضبط. فبعد أن أصبح واضحاً أن بايدن لن يعود إلى الإتفاق، بدأت طهران في تعزيز عمليات تخصيب اليورانيوم بوتيرة سريعة. وبحلول شهر أيار/مايو 2021، كانت قد نصبت ما يقرب من 2000 جهاز طرد مركزي متطور، متجاوزة بذلك العدد الذي كان لديها قبل خطة العمل الشاملة المشتركة وأثناء رئاسة ترامب. في حزيران/يونيو، أي بعد الهجوم الذي شنته إسرائيل على محطة “ناتانز” النووية، رفعت إيران مستويات التخصيب إلى 60% للمرة الأولى، ما جعلها تقترب بشكل خطير من إمكانية إنتاج اليورانيوم المُستخدم في صنع قنبلة.

كل تلك التطورات كانت تعني أن الأجواء كانت مسمومة ومتشنجة بالفعل عندما أُستؤنفت المفاوضات في 6 نيسان/أبريل 2021. علاوة على ذلك، دخلت إيران موسمها السياسي (أقل من 3 أشهر على الانتخابات الرئاسية). كما أن رفض طهران إجراء محادثات مباشرة مع واشنطن جعل الدبلوماسية أقل فاعلية وعديمة الجدوى لبناء الثقة. وبعد توليه منصبه في آب/أغسطس، قال الرئيس الإيراني الجديد، إبراهيم رئيسي، إنه لا ينظر إلى الإتفاق النووي على أنه أولوية ولا يرى الكثير من الوعود في التقارب مع الغرب. اختار علي باقري كني، المعارض الرئيسي لخطة العمل الشاملة المشتركة، كمفاوض نيابة عنه. أمضى فريق رئيسي شهوراً في مراجعة المفاوضات السابقة، في الوقت نفسه استمروا في زيادة عدد أجهزة الطرد المركزي وتجميع اليورانيوم المُخصب. وهذا ما أثار الشكوك في واشنطن بأن إيران أصبحت قوة نووية بحكم الأمر الواقع. في تشرين الأول/أكتوبر2021، أصدر وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكين، تحذيره الشهير من أن بلاده “مستعدة للجوء إلى خيارات أخرى، بما في ذلك العمل عسكري، إذا لم تغير طهران مسارها”.

طهران تراهن على أن لا تجردها خطة العمل المشتركة الجديدة من النفوذ إذا انسحبت واشنطن … وأن مبيعات النفط لعامين ستُعوض ما تخلت عنه

في أقل من عام، بدا أن الآمال في التوصل إلى إتفاق جديد قد تبدَّدت. في الأشهر الأولى من عام 2021، أبطأ بايدن العملية، مما أحبط الإيرانيين وأثار شكوكهم. بحلول الربع الثالث من ذلك العام، كانت إيران هي التي تماطل، ما أدَّى إلى استنفاد الثقة وحُسن النوايا. ولم يتمكن الجانبان من إعادة إحياء المفاوضات ونقلها إلى مرحلتها النهائية في آب/أغسطس 2022، إلا بعد تسليمهما بضرورة إظهار بعض المرونة، والتخلي عن أسلوب الضغط والإكراه، والإقتناع بتقديم تنازلات متبادلة. لكن هل يمكن أن يكون هذا الإنجاز مُستداماً؟

السقف وليس الأرضية

بالنظر إلى الوضع الراهن للعلاقات الأميركية الإيرانية، يمكن القول إنه تم إحراز تقدم. في عام 2015، أعلن ظريف مقولته الشهيرة “إن خطة العمل الشاملة المشتركة هي الأرضية وليست السقف”، في إشارة إلى أن “الخطة” يمكن أن تُقرّب بين البلدين. ومع ذلك، يبدو أن “الخطة” التي أُعيد إحياؤها هي السقف وليست أرضية لتعزيز العلاقات الأميركية الإيرانية. كما أن احتمالات التوسع في “الخطة” ضئيلة جداً، وذلك لأسباب عدة.

فمن ناحية، أدَّى عدم الإستقرار السياسي وحالة الاستقطاب في الولايات المتحدة إلى جعل أي وعد أميركي؛ في أحس الأحوال؛ غير موثوق به. فالإعتقاد السائد اليوم بأن رؤساء الولايات المتحدة لا يحترمون الاتفاقات التي يوقعها أسلافهم زاد من تعميق مخاوف طهران بشأن تجديد خطة العمل الشاملة المشتركة. الجدير ذكره هنا، أن إيران طالبت بتضمين الإتفاق آليات مُلزمة تمنع الولايات المتحدة من تنفيذ إنسحاب غير مبرر من “الخطة”. لكن إدارة بايدن رفضت ذلك من منطلق أن الديموقراطية تمنع أي رئيس من تقييد خيارات أو قرارات خلفائه. في النهاية، فإن التغييرات التي أُدخلت على “الخطة” لتلبية مطالب طهران لا ترقى إلى مستوى توقعاتها؛ مثل تمديد فترة السماح للشركات الأجنبية لإنهاء تجارتها مع إيران في حالة إعادة فرض العقوبات. وبدلاً من توقيع إتفاق يشمل تطبيع علاقات إيران واستثماراتها مع العالم، كان على المسؤولين الإيرانيين تحديد ما إذا كانت مبيعات النفط لعامين فقط تستحق التخلي عن العناصر الحيوية في برنامجهم النووي؛ وكيف أن مثل هذا الإتفاق لن يجردهم من النفوذ في حال تخلت واشنطن عن الإتفاق في عام 2025.

بايدن يركز على الصين في المنافسة الجيوسياسية التي يتصورها … وإيران ليست جائزة جيوسياسية جذَّابة بما يكفي للمجازفة بخسارة “الأصدقاء” في الإقليم لصالح بكين

وما يزيد من التحديات: الظروف الجيوسياسية الراهنة. الغزو الروسي لأوكرانيا عزَّز خيار حكومة رئيسي تفضيل التوجه شرقاً. فمن وجهة نظر طهران، أصبح العالم الآن مُتعدد الأقطاب بشكل لا رجعة فيه، وأن ذلك سيخلق بيئة تتحسن فيها الآفاق الجيوسياسية لصالح إيران كقوة إقليمية كبرى. هذا يعني أن أوروبا في حاجة ماسة للغاز الإيراني. كما أدَّت الصراعات المتزايدة بين كل من الصين وروسيا مع الولايات المتحدة إلى زيادة الحاجة إلى تعزيز العلاقات مع طهران. أضف إلى ذلك أن تشعب الاقتصاد العالمي بين الغرب والشرق سيوفر لإيران طرقاً جديدة للتفلت من العقوبات الأميركية. فعندما يقوم بعض أقرب شركاء واشنطن؛ بما في ذلك السعودية والإمارات؛ بالتحوط من رهاناتهم والبحث عن طرق أخرى لضمان أمنهم، لا ترى إيران حاجة كبيرة للسعي إلى التقارب مع الولايات المتحدة؛ غير الجديرة بالثقة والتي تتراجع مكانتها في العالم يوماً بعد يوم.

إقرأ على موقع 180  هل حان زمن الشيعية السياسية في لبنان؟

التردد نفسه نراه في واشنطن. فشهية إدارة بايدن للمشاركة على نطاق أوسع مع إيران يحكمها إبراهيم رئيسي أقل بكثير من ما كان لديها عندما كان حسن روحاني رئيساً. ولكن ربما الأهم من ذلك، أن تركيز واشنطن ينصب الآن على الصين. في المنافسة الجيوسياسية التي يتصورها بايدن، يشكل نظام التحالف الواسع للولايات المتحدة ميزة حاسمة على بكين. إبقاء الأصدقاء إلى جانب واشنطن أمر ضروري، حتى لو كان ذلك ينطوي على التعامل مع قادة يمكن تجنبهم بطريقة أخرى، كما فعل بايدن في زيارته إلى السعودية في تموز/يوليو 2022. وبالنظر إلى قلق الرياض من التقارب الأميركي الإيراني، فمن غير المرجح أن تُخاطر واشنطن بدفع السعودية لتكون أقرب إلى بكين من أجل انفتاح أكبر مع طهران. بالنسبة للعديد من المراقبين في واشنطن، فإن إيران ببساطة ليست جائزة جيوسياسية جذابة بما يكفي لتبرير مثل هذا الخطر.

لهذه الأسباب بالتحديد، افترض الإستراتيجيون؛ من كلا الجانبين؛ أنه من غير المرجح أن يستمر العمل بـ”الخطة” الجديدة بعد إنتهاء ولاية بايدن. إن إنعدام الثقة المُتبادل وعلامات الاستفهام حول متانة الإتفاق الناشئ تجعله أضعف من أن يتحمل ثقل التوترات الأميركية الإيرانية المتزايدة على جبهات أخرى، وتهديد الجمهوريين بالإنسحاب في حال عادوا إلى البيت الأبيض. وبالتالي، من المُرجح أن تقضي واشنطن وطهران العامين المقبلين في الاستعداد لأزمة جديدة مرتقبة في عام 2025. ستسعى طهران إلى جعل اقتصادها مُحصناً ومقاوماً لأي عقوبات مرتقبة. وستسعى واشنطن إلى جعل خيارها العسكري ذا مصداقية. ومع ذلك، فإن التصرف على أساس أن “الخطة” لن تستمر، قد يجعل انهيارها نبوءة تتحقق من تلقاء نفسها. إذا أرادت واشنطن وطهران والاتحاد الأوروبي الإلتزام، فعليهم التصرف وفقاً لذلك. وهناك العديد من الإجراءات التي يمكنهم اتخاذها لتعزيز فرص صمود الإتفاق النووي.

تحدث وافعل!

بالنسبة لإيران، تستطيع تعزيز الدبلوماسية المباشرة. مع تجديد خطة العمل الشاملة المشتركة ورفع العقوبات، سيبدو رفض طهران إجراء أي حوار مباشر مع واشنطن بلا أساس. إن معالجة الملف النووي بطريقة ضيقة ومحدودة لن تفعل الكثير لبناء ثقة أوسع بين الجانبين. فمن خلال إعادة القنوات الدبلوماسية، يمكن للجانبين أن يُخفضا التكلفة التي تتحملها الحكومات والإدارات المستقبلية لبدء المحادثات. وبرغم أن هذا لا يضمن أن “الجمهوريين” لن ينسحبوا (في حال ربحوا الرئاسة)، فان المشاركة المباشرة بين الجانبين قد تساعد على الأقل في إقناع رئيس الحزب الجمهوري في المستقبل بالالتزام بالإتفاق. المشكلة هنا تكمن في الجانب الإيراني، لكن طهران لا بد أنها أدركت عدم جدوى رفض الحوار المباشر مع واشنطن. فقد كشف مسؤولون إيرانيون؛ لـ”فورين أفيرز”، في عام 2019؛ أنهم يعتقدون أنهم لو تعاملوا مع ترامب في أوائل عام 2017، فربما لم يكن قد انسحب من الاتفاق النووي.

الطريقة الثانية لتعزيز الصفقة هي في جعلها أكثر طموحاً. كانت الأشهر القليلة الماضية من المفاوضات معقدة لأن خطة العمل الشاملة المشتركة لم تكن تكفي لتبرير تضحيات سياسية كبيرة، ولم تكن ضيقة بما يكفي لجعل مخاطرها لا تُذكر. وبناء على ذلك، فإن جهود إدارة بايدن في السعي إلى صفقة أكبر هي، من حيث المبدأ، تشكل أساساً جيداً: من الصعب تبرير التعديلات اللازمة لجعل الإتفاق مُستداماً ما لم يتم تطويره.

إيران لا ترى حاجة كبيرة للتقارب مع أميركا “المتراجعة” وغير الجديرة بالثقة، ولا تولي قيمة لوعود الأوروبيين الذين إنصاعوا لعقوبات ترامب

ومع ذلك، فإن أقوى طريقة لضمان استمرار الامتثال الأميركي تتمثل بفتح المجال لأعمال التجارة المباشرة بين الولايات المتحدة وإيران. يمكن التفاوض على قيود أطول على برنامج إيران النووي مقابل رفع العقوبات الأميركية الأساسية. وهذا من شأنه أن يفتح الاقتصاد الإيراني أمام الشركات الأميركية ويخلق شيئاً تفتقر إليه خطة العمل الشاملة المشتركة الأصلية؛ جمهور قوي في الولايات المتحدة من شأنه أن يقاوم أي تكرار لحماقة ترامب في المستقبل. من المرجح أن يقاوم المتشددون في طهران مثل هذه الخطوة، لكن تجربة إيران مع خطة العمل الشاملة المشتركة أثبتت عدم جدوى الاعتماد فقط على تخفيف العقوبات الثانوية. غياب الشركات الأميركية عن السوق الإيرانية جعل تأثير الإنسحاب من الإتفاق على الاقتصاد الأميركي ضئيلاً جداً وحتى معدوماً.

الخطوة الثالثة تتعلق بحلفاء واشنطن الأوروبيين. فقد لعب الدبلوماسيون الأوروبيون دوراً حاسماً في إعادة صياغة الاتفاق النووي، من خلال العمل كوسطاء بين الولايات المتحدة وإيران. يمكن للحكومات الأوروبية أن تلعب دوراً مهماً بالقدر نفسه في الحفاظ على الإتفاق من خلال تضمين إيران في سياستها المتعلقة بأمن الطاقة على المدى الطويل. ولا تولي طهران الآن قيمة كبيرة لوعود الاتحاد الأوروبي منذ أن تخلت أوروبا بسرعة عن تجارتها مع إيران بعد أن أعاد ترامب فرض العقوبات. لكن المفاوضين الأوروبيين يصرون على أن الغزو الروسي لأوكرانيا قد غيَّر بشكل دائم حساباتهم الجيوسياسية: يمكن لإيران المساعدة في تحرير أوروبا من الإعتماد على الغاز الروسي، ولا يمكن لأي رئيس جمهوري إجبار أوروبا على العودة إلى الطاقة الروسية. وسواء ثبُت صحة هذا التقييم أم لا، فإن إقامة علاقات طاقة إستراتيجية بين الاتحاد الأوروبي وإيران ستساعد في زيادة فرص استمرار خطة العمل الشاملة المشتركة المتجددة مع تعميق نفوذ أوروبا مع طهران ودورها في الإتفاق النووي.

حظر الأسلحة أم سباق التسلح؟

إن العائق الأكبر أمام التوصل إلى إتفاق دائم هو استخدام واشنطن لمبيعات الأسلحة لحلفائها في الشرق الأوسط للاحتفاظ بنفوذها في المنطقة. لا يمكن لواشنطن أن تتوقع استمرار اتفاقية الحد من التسلح مع إيران إذا كانت تسعى في الوقت نفسه إلى توسيع “اتفاقيات أبراهام” إلى تحالف عسكري مناهض لإيران وتوفير أنظمة أسلحة أكثر تطوراً لخصوم إيران الإقليميين. إن تعميق الانقسامات الإقليمية وتكثيف الشكوك الإيرانية بشأن جيرانها لن يؤدي إلَّا إلى منح إيران حوافز جديدة للإلتفاف على الإتفاق والسعي إلى تأمين رادع نووي.

من المُرجح أن تقضي واشنطن وطهران العامين المقبلين تستعدان لأزمة جديدة..  فتح تجارة مباشرة بينهما وتوسيع التقارب يعزز فرص صمود الإتفاق النووي

هناك طريقة أخرى. فقد بدأت القوى الإقليمية، في السنوات القليلة الماضية، دبلوماسيتها الخاصة للتخفيف من التصعيد، والتي سهلتها الحكومة العراقية إلى حد كبير من خلال ما يُسمى بـ”حوار بغداد”. كما أجرت طهران والرياض عدَّة جولات من المحادثات ساعدت في التوصل إلى هدنة في اليمن. من خلال دعم هذه العملية وتشجيع الجهود الإقليمية لحل النزاعات الإقليمية؛ فضلا ًعن الجهود المبذولة لتعزيز العلاقات الاقتصادية بين دول الخليج وإيران؛ يمكن للولايات المتحدة أن تساعد بشكل أكبر في إلزام طهران بالاتفاق النووي المُتجدد. إذا نجحت مثل هذه المبادرات، فإنها ستخلق أيضاً لدى الشركاء الأمنيين الرئيسيين لأميركا في خليج فارس مقاومة إقليمية لأي إنسحاب أميركي ثان. مثل هذه الديناميكية ستمثل تحولاً صارخاً عن الوضع الذي كان سائداً خلال العامين 2017-2018، عندما دفعت الإمارات والسعودية ترامب للتخلي عن إتفاق 2015.

سوف تقاوم واشنطن أو طهران العديد من هذه الخطوات. ولكن إذا لم يتم اتخاذها، فمن غير المرجح أن تستمر خطة العمل الشاملة المشتركة الجديدة. النجاة من تداعيات إنسحاب ترامب كانت معجزة حقيقية. لكن التغلب على المضاعفات المرتقبة من تكرار الإنسحاب من الإتفاق المرتقب سيكون مستحيلاً.

– النص بالإنكليزية على موقع “فورين أفيرز

(*) تريتا فارسي، باحث سويدي من أصل إيراني. نائب الرئيس التنفيذي لمعهد “كوينسي”، ومؤسس المجلس الوطني الإيراني الأميركي.

 

Print Friendly, PDF & Email
منى فرح

صحافية لبنانية

Download WordPress Themes Free
Free Download WordPress Themes
Download Best WordPress Themes Free Download
Download Best WordPress Themes Free Download
free online course
إقرأ على موقع 180  هل حان زمن الشيعية السياسية في لبنان؟