تتعامل تل أبيب مع ملف ترسيم الحدود البحرية الجنوبية بينها وبين لبنان برعاية شكلية من الامم المتحدة وبادارة مباشرة من الولايات المتحدة الاميركية، بوصفه يشكل فرصة نادرة لاخذ لبنان الى مسار آخر تحت عنوان الاستثمار في ثروته النفطية والغازية إنقاذاً لاقتصاده المنهار بتضافر عوامل عديدة تتداخل فيها التشوهات البنيوية وفساد المنظومة السياسية الحاكمة ودور الخارج الذي احكم حصاره على لبنان اقتصادياً وسياسياً، في السنوات الأخيرة.
وما يطرحه الاسرائيلي من “تسوية” لملف ترسيم الحدود البحرية إنما يستبطن حلماً سعى الى تحقيقه منذ اندحاره عن لبنان في 25 مايو/ايار عام 2000، يوم سعى بكل الوسائل واستعان بالاميركي والاوروبي لتغيير نقطة انتهاء الخط الازرق في رأس الناقورة من B1 الى نقطة اخرى تمكّنه من التحكم لاحقا بمسار ترسيم الحدود البرية والبحرية معاً وتحت ذريعة الاعتبارات والضمانات الامنية، وعاد وفرض امراً واقعاً بتسهيل من قوات (اليونيفيل) واقام ما يعرف بخط “الطفافات” مقتطعاً مساحة بطول نحو 7 كيلومترات وعمق من 4 الى 5 كيلومترات، بعناوين مختلفة.
في الطرح الذي حمله “الوسيط الأميركي” عاموس هوكشتاين محاولة لتكريس هذا الخط الاسرائيلي وجعل “الطفافات” بمثابة خط ازرق بحري مؤقت، وكل مؤقت بالتجربة يصبح دائماً، لذلك؛ فان الخبراء المتخصصين في هذا المجال سارعوا اما كتابة او شفاهة الى ابلاغ المعنيين في الحكم بخطورة الطرح، على اعتبار ان القضية شائكة جدا، وعلى الرغم من التطمينات اللفظية الاميركية، ستكون هناك خسارة لمساحة معينة في البلوك الرقم 10 المحاذي للشاطىء الجنوبي حتى آخر نقطة جنوب الناقورة.
والجدير ذكره ان المكامن التي يُعوّل عليها جنوب البلوك الرقم 9 (او ما يعرف بحقل قانا غير المستكشف) ستكون محدودة، وبالتالي سيؤدي تحريك الطفافات نحو شمال الخط 23 إلى جعل إسرائيل تطالب بشمال هذا الخط وصولا الى الخط 1 الذي يصل الى شمال مدينة صيدا في المياه الاقتصادية الخاصة، يقابله خسارة كاملة للبنان بامكانية المطالبة بجنوب الخط 23 مما يعني خسارة اموال طائلة، مع فقدان لبنان امكانية الاشراف على خليج الناقورة الجنوبي.
التنازلات المتتالية للبنان في مفاوضات الترسيم، جعلت الغرب يماطل ومعه الشركات النفطية والغازية، ومخطئ من يربط التنازل برفع العقوبات عن اشخاص او جهات، واستنادا الى من كان على تماس مع هذه الشركات ثبت ان لديها عدو مشترك اسمه حزب الله ـ ميشال عون، وهذه الشركات تنتظر نهاية العهد لبدء التنقيب الفعلي، اما مصدر هذه العداوة فيعود الى كون مصالح الشركات تكمن في دول الخليج واسرائيل ولا تهتم بلبنان وتعتبره لقمة سائغة قادته فاسدون يمكن شراءهم كقادة اي دولة في مجاهل افريقيا حيث تنهب خيراتها بينما ترزح الشعوب تحت الفقر المدقع.
لذلك؛ لا ثقة بهذه الشركات “بعدما ثبت وجود غاز في البلوك الرقم 4 ومن البئر الاستكشافي الاول”، وهذا ما اكدته مصادر روسية اشارت الى وجود “4 مليارات قدم مكعب في البلوك 4، ومن بين اسباب انسحاب الشركاء الروس (نوفاتيك الروسية) من لبنان هو التعامل الكولونيالي للشركات مع لبنان واخفاء المعلومات الحقيقية عن الدولة اللبنانية، لذلك صعق الشريك الروسي عندما تم حجز ممثلي وزارة الطاقة اللبنانية على متن الحفارة في غرفهم وتم منعهم من الاطلاع على المعلومات”، وتلمح المصادر إلى دور أحد رجال الاعمال اللبنانيين بدفعه أموالاً لتمرير الصفقة مع الشركات، ومن ثم تمرير التمديد لها.
إذا تم إبرام إتفاق الترسيم بالصيغة المتداولة، فانه يُشكل انتصاراً اسرائيلياً بامتياز. أولاً بتحريره تطوير قطاع الغاز في اسرائيل، وثانياً بخسارة لبنان الى غير رجعة حقوقا سيادية ومثبتة تصل الى جنوب الخط 29 (جنوب حقل كاريش) ولن يستطيع استعادتها وان استعادها بعد طول عقود وسنين ستكون مسلوبة الثروات
انطلاقا مما تقدم، هناك اسئلة تستند إلى معطيات وتحتاج الى اجوبة، وهي:
-كم تقاضى المعنيون من المتمول اللبناني المذكور لتمرير خط الطفافات والتخلي عن الحقوق اللبنانية؟
-ما علاقة اموال المستشارين في البنوك السويسرية والممسكين بملف الترسيم بتمرير هذه الصفقة، ولماذا تعمّدوا دائما وضع تقارير ملغومة ورفعها الى الرئاسات المعنية وتحديداً الرئاسة الأولى؟
-هل نحن امام 17 ايار جديد؟ وهذه المرة من حيث يدري او لا يدري “محور الممانعة” سيكون ذلك على يديه وليس على يد محور 14 اذار، وهل صار لـ”محور الممانعة” مصداقية في حماية حدود كيان العدو اكثر من المحور الاخر المتهم بتبني توجهات تطبيعية؟
-الا يعلم “محور الممانعة” ان الشركات هي عصا اسرائيل بدليل ان الاسرائيلي لا يطالب باتفاق مع توقيعين، بل يقبل بأن تكون محاضر الاتفاق على نسختين بتوقيع الوسيط والجهة الراعية والدولة المعنية ويُبلغ الى الامم المتحدة، بينما وضعت الشركات شرط ابرام اتفاق بين لبنان واسرائيل بتوقيعين للبدء بالتنقيب مجدداً؟
-الا يعلم “محور الممانعة” انه في الانتخابات النيابية الاخيرة كان الصيت للسعودية بالتدخل في الانتخابات بينما الفعل للشركات التي دفعت مبالغ كبيرة من جزين والشوف وعالية الى بعبدا والمتن وكسروان وجبيل وصولا الى الكورة والبترون وزغرتا والبقاع الغربي وغيرهم، لماذا تدخلت الشركات في الانتخابات النيابية، وضد من ومع من؟
-الا يعلم “محور الممانعة” ان الشركات هي التي بدأت حصار المحروقات على لبنان، لماذا ولمصلحة من؟
-هل صحيح أن الولايات المتحدة إقترحت أن تشتري شركة QatarEnergy حصة شركة Novatek الروسية بنسبة 20% في البلوكين 4 و9 ولماذا ولمصلحة من؟
ما يجدر التوقف عنده ان الاسرائيلي اعلن منذ نحو اسبوعين انه سيبدأ بتطوير مصنع تسييل غاز لفياتان على ان يكون جاهزا قبل عامين، واول المتضررين على هذا الصعيد دولة مصر التي تستفيد من عمليات التسييل في العريش، من هنا يمكن القول إن الترسيم انجز وانتهى، لان محادثات تطوير لفياتان للتسييل والتصدير الى اوروبا عبر السفن العملاقة مجمدة منذ ثمانية اشهر وتوقفت نهائيا منذ خطاب الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله قبل نحو ستة اشهر، والذي اعلن فيه دخول حزب الله على خط ملف الترسيم الحدودي البحري.
إذا تم إبرام إتفاق الترسيم بالصيغة المتداولة، فانه يُشكل انتصاراً اسرائيلياً بامتياز. أولاً بتحريره تطوير قطاع الغاز في اسرائيل، وثانياً بخسارة لبنان الى غير رجعة حقوقا سيادية ومثبتة تصل الى جنوب الخط 29 (جنوب حقل كاريش) ولن يستطيع استعادتها وان استعادها بعد طول عقود وسنين ستكون مسلوبة الثروات.