الإنتخابات النصفية تُنعش بايدن.. هل تطوي صفحة ترامب؟

برغم أهمية الإقتصاد في حياة الأميركيين، لم يكن وحده العامل المؤثر في انتخابات نصف الولاية عام 2022. قلق الأميركي الأول هو الخوف على الديمقراطية نهجاً ورسالة ونظاماً في ضوء تفشي ظاهرة العنف السياسي والشكوك بعدم انتظام عمل الدولة الأميركية وآلياتها.

برهنت الإنتخابات النصفية الأميركية أنها استثنائية وجاءت نتيجتها لمصلحة الحزب الديمقراطي الحاكم نسبياً بعد إعادة تثبيت سيطرته على مجلس الشيوخ نتيجة انتخاب مرشحيه في نيفادا واريزونا، بينما جرت العادة ان يخسر الرؤساء في الانتخابات النصفية في ظل نسبة التضخم العالية (8.2%) وتدني شعبية الرئيس جو بايدن، إلا أن النتائج جاءت أفضل الممكن.

الديمقراطيون قادوا حملة انتخابية واقعية، متواضعة، متماسكة، وصامدة بعد ان وضع الرئيسان بايدن وباراك اوباما ثقلهما في دعم المرشح جون فيترمان في بنسلفانيا، عرين الديمقراطية الأميركية. رمزية نجاح الديمقراطيين في فيلادلفيا جعلت رهان الرئيس دونالد ترمب على “موجة حمراء” كاسحة مجرد أحلام وتمنيات.

جرت الإنتخابات النصفية في ظل استقطاب سياسي حاد وانقسام مجتمعي افقي وعامودي غير مألوف وكذلك في ظل أزمة إقتصادية خانقة وارتفاع قياسي في نسبة التضخم وغلاء الأسعار وبروز أزمة طاقوية في بلد يعتمد على السيارات ويعتبر أكبر منتج للنفط الأحفوري في العالم.

وبرغم التهديد بموجة ركود إقتصادي قادمة، استطاع الحزب الديمقراطي ان ينتعش ويفوز في مجلس الشيوخ. هذه النتيجة ستُمكن ادارة بايدن من إتخاذ قرارات في مجلس الشيوخ من دون اللجوء الى “الفيتو” او الصوت الاحتياطي لنائبة الرئيس كاميلا هاريس.

سقوط المرشح الجمهوري محمد أوز في بنسلفانيا ترك صداه في أكثر من ولاية. في نيفادا وأريزونا وسيكون له أثره في جورجيا في 6 كانون الثاني/يناير القادم (إنتخابات الإعادة في هذه الولاية). تبني الرئيس ترمب لمحمد أوز وغيره من المرشحين نفّر الناخبين الجمهوريين الذين وجدوا في ترشيح هؤلاء إحتقارا لمشاعرهم التي استغلها ترمب فراح يتصرف على هواه بفرضه مرشحين يفتقرون الى قاعدة شعبية.

فوز الجمهوريين النسبي في مجلس النواب تحول الى هزيمة لترمب، اذ حمله حزبه مسؤولية فشل مرشحيه في الكونغرس وحكام الولايات. برزت أصوات جمهورية عالية في معاقل الحزب في فلوريدا وتكساس وكاليفورنيا (الولايات الكبرى) تُندّد بخيارات ترمب وتطرح امكانية ابعاده عن رئاسة الحزب والاهم عدم تأييد ترشيحه إلى الإنتخابات الرئاسية في العام 2024.

بروز الجمهوري رون ديسانتس، وفوزه للمرة الثانية حاكماً لولاية فلوريدا، احدى الخزانات الانتخابية المهمة، هو مؤشر لبروز منافسين جديين لترمب يحظون بتأييد شرائح واسعة من جمهور المحافظين.

لن يستسلم ترامب بسهولة. يتحسب الرجل للمأزق الذي ينتظره ويحاول تفاديه باعلان ترشيحه مبكراً، برغم النصائح التي اسديت له من قبل المقربين منه. لكنه عنيد ويحاول قطع الطريق على منافسيه الذين يلوّحون بازاحته عن رئاسة الحزب الجمهوري بعد الاخطاء المميتة التي اقترفها خلال ولايته وبعدها وحمل الحزب نتائجها وأوزارها

يمثل ديسانتس (46 سنة)، اللاتيني الاصل، خريج جامعات بال وهارفرد، نمطاً جديداً من القيادات الجمهورية الشابة التي تتحلى بالعلم والنزاهة ومعرفة ادارة شؤون المؤسسات. ترمب لم يشعر بارتياح لنجاح ديسانتس ويخشى منافسته، لذا نصحه بعدم التفكير بالترشح للانتخابات الرئاسية بعد سنتين. ترمب يدرك اهمية الانطلاق من فلوريدا، ذات القاعدة الشعبية الواسعة. فأي مرشح ينطلق من فلوريدا تتقدم حظوظه بالفوز على غيره خصوصاً وان ديسانتس يمثل جيلاً جديداً ناضجاً في العقد الرابع مقابل ترمب الذي سيكون في عامه الـ 78 وبايدن الذي تجاوز الثمانين، هذا فضلاً عن تأييد 40 مليون أميركي يتحدرون من أصول اسبانية ولاتينية. لذا يمكن القول إن ترامب هو الخاسر الاكبر ولن يكون مستغرباً البدء بالبحث عن بديل اقل شعبوية وشخصانية لرئاسة الحزب الجمهوري ولخوض انتخابات الرئاسة في 2024.

في هذه الأثناء، يتعرض الحزب الجمهوري الى انقسامات حادة. قسم لا يزال يؤيد ترمب، معظم هؤلاء يعيشون في الارياف وليس في المدن الكبرى ويُردّدون شعاراته مثل “المؤامرة” و”تزوير انتخابات 2020″. قسم آخر على رأسه شخصيات مثل زعيم الاقلية في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل وعضو مجلس الشيوخ ليندسي غراهام الريغاني الهوية.

أميركا ما تزال أسيرة كابوس الهجوم على الكابيتول في 6 كانون الثاني/يناير 2021 وظاهرة العنف السياسي التي تجدّدت بالاعتداء على منزل رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي.. اذا أدانت التحقيقات ترمب، كما هو مأمول، سيُصار إلى منعه من الترشح لانتخابات 2024 وبالتالي انهاء حياته السياسية.

بدوره، لن يستسلم ترامب بسهولة. يتحسب الرجل للمأزق الذي ينتظره ويحاول تفاديه باعلان ترشيحه مبكراً، برغم النصائح التي اسديت له من قبل المقربين منه. لكنه عنيد ويحاول قطع الطريق على منافسيه الذين يلوّحون بازاحته عن رئاسة الحزب الجمهوري بعد الاخطاء المميتة التي اقترفها خلال ولايته وبعدها وحمل الحزب نتائجها وأوزارها.

بالمقابل، ساعدت الاجراءات التي اتخذها بايدن بتقديم مساعدات مالية للأميركيين الذن يعانون البطالة ومشاكل صحية مزمنة وتخفيض اسعار الدواء والغاء قسم من ديون التعليم وتخفيض فائدة القروض السكنية في الحد من خسائر الديمقراطيين. زدْ على ذلك فوائد الابقاء على “اوباما كير” النظام الصحي الذي كان له الفضل في الحد من تداعيات جائحة كوفيد 19.

إقرأ على موقع 180  الإتفاق النووي.. و"كبسة زر" وكالة الطاقة!

ربح الديمقراطيون أيضاً بتأييدهم حق المرأة في الاجهاض، بعد ان حملوا بشدة على قرار المحكمة العليا التي يسيطر عليها المحافظون بإلغاء حق الاجهاض والتراجع عنه بعد خمسين سنة من التصويت عليه في 1973. الموضوع اثار حفيظة النساء والملونين والشباب الذين حشدوا طاقاتهم ضد المرشحين المحافظين، واعتبروا القرار تراجعاً عن حق مكتسب تؤيده العديد من الولايات الفدرالية.

وكان لافتاً للإنتباه أن هذه الانتخابات أبرزت شريحة واسعة من الناخبين المستقلين خارج الاصطفاف الحزبي، ممن ينتقدون الاداء السياسي لكلا الحزبين والرئيسين الحالي والسابق. المستقلون يتطلعون الى قيادة سياسية حزبية جدية وعقلانية وكفؤة. الناخبون من الحزبين يشكون من صوابية الاليات المتبعة في الإدارة عموماً والعملية الانتخابية خصوصاً. البعض تحمس للانتخاب المبكر الذي ايده ومارسه الحزب الديمقراطي حين توجه اكثر من ثلاثين مليون ناخب وادلوا بأصواتهم قبل يوم الاقتراع، بينما عارضه الجمهوريون وترمب تحديدا. الشكوى عند الطرفين تتناول الفوضى في الادارة مما جعل البعض يتساءل هل أصبحت أميركا اقرب الى جمهوريات الموز لجهة عدم التقيد بالقوانين وانتشار العنف بالاعتداء على مراكز الاقتراع والادارات الرسمية؟

الحزب الديمقراطي يستعد بعد ضمان سيطرته على مجلس الشيوخ ان يُعزز حظوظه باعادة ترشيح بايدن لدورة ثانية في 2024 أو من يختاره بديلاً عنه. بدا الحزب أكثر تماسكاً وتمكن من مواجهة هزيمة كاملة بحشد طاقاته البشرية ونزول الرئيس السابق اوباما مدافعاً عن برنامجه للرعاية الصحية. لعب المحاربون القدامى والمستقلون دورهم بلجم إندفاعة ترامب، إلا أن الأخير سيستمر بتأجيج الشحن ضد بايدن وإتهامه بأنه يُدمّر البلاد.

الانتخابت النصفية تمثل بروفه للانتخابات الرئاسية في 2024! أميركا مثل بقية العالم تعيش اوقاتا صعبة نتيجة تداعيات الازمة الإقتصادية العالمية (لا سيما التضخم) وغلاء اسعار الغاز والنفط. من سيكون مرشح الحزب الديمقراطي بعد سنتين؟ بايدن او غيره المهم ان لا يكون ترمب مرشح الجمهوريين. هو، برأي شخصيات جمهورية، مجرد دخيل على الحزب. جاء من خارج الصفوف فارضاً نفسه عبر ثروته ونجاحاته العقارية.. وآن الأوان لأن يرحل.

Print Friendly, PDF & Email
مهى سمارة

كاتبة وصحافية لبنانية

Download WordPress Themes Free
Download Nulled WordPress Themes
Download Best WordPress Themes Free Download
Premium WordPress Themes Download
free download udemy paid course
إقرأ على موقع 180  تركيا تلعب على حبال الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي