“كرايزس غروب”: تسوية اليمن مؤجلة.. ونظام إيران لن يتفكك

وفق تقرير مجموعة الأزمات الدولية، صارت وجهة الحراك الإيراني الداخلي مرتبطة إلى حد كبير بكيفية تعامل الغرب مع الملف النووي الإيراني، وفي الوقت نفسه، فإن اليمن مرشح في العام 2023 لمزيد من جولات الحرب والعنف والموت.

“القمع الوحشي الذي مورس ضد الاحتجاجات، وتزويد موسكو بالأسلحة، جعلا الجمهورية الإسلامية الإيرانية أكثر عزلة من أي وقت مضى، في الوقت الذي تتفاعل فيه أزمة برنامجها النووي.

لقد شكَّلت الاحتجاجات ضد النظام التهديد الأكثر حدة واستدامة للجمهورية الإسلامية منذ “الحركة الخضراء” عام 2009 (…). ويصوّر النظام حالة التعبير الشعبية المؤكِدة عن المشاعر المعادية للحكومة، لا سيما بين الشباب وفي المناطق النائية المهملة منذ أمد بعيد، على أنها مؤامرة خارجية، لكن قلة هم من يصدقون ذلك.

ويكمن التحدي بالنسبة للمتظاهرين الشباب في كسب أفراد الطبقة الوسطى الإيرانية التي يتعاطف الكثير من أفرادها معهم لكنهم يخشون عنف النظام أو التغيير الجذري. وقد ينضم المزيد منهم إذا وصلت الاحتجاجات إلى مرحلة حرجة، لكن من دون انضمامهم، يبدو من غير المرجح أن يحدث ذلك – على الأقل ما لم يحدث شيء آخر يرجح الكفة أو يظهر قادة من بين المحتجين. حتى الآن، ليس ثمة ما يشير إلى أن النظام سيتفكك. لكن لن يتمكن القمع أيضاً من تهدئة الغضب المجتمعي العميق. فقد انكسر شيء ما. ولا يستطيع النظام إعادة عقارب الساعة إلى الوراء.

في هذه الأثناء، توقفت المحادثات لإعادة إحياء الاتفاق النووي لعام 2015 منذ مطلع أيلول/سبتمبر، وباتت الآن في حالة جمود عميق. لقد تقدمت القدرات النووية لطهران بمراحل كبيرة على مدى السنوات القليلة الماضية. كما توسعت قدرتها على تخصيب اليورانيوم، وتقلص الزمن اللازم لإنتاج ما يكفي من المواد المنشطرة لصنع سلاح نووي إلى الصفر. وتم الحد من مراقبة الوكالة الدولية للطاقة الذرية بشكل كبير. وباتت اللحظة التي كانت الولايات المتحدة وحلفاؤها يأملون منذ وقت طويل بتحاشيها – عندما يتوجب عليهم الاختيار بين احتمال حصول إيران على  قنبلة نووية أو استعمال القوة لمنع حدوث ذلك – باتت تلوح في الأفق.

محادثات إحياء الاتفاق النووي في حالة جمود عميق.. ومن الصعب توقع انتصار المتظاهرين إذا وصلت الأزمة النووية لمأزق

حتى لو تمكنوا من تدبر الأمر بشكل ما لبضعة أشهر، فإن تشرين الأول/أكتوبر 2023، عندما ترفع قيود الأمم المتحدة المفروضة على الصواريخ البالستية الإيرانية، على بعد ومضة قصيرة. وبالنظر إلى أنهم يعدّون هذه القيود حاسمة لاحتواء قدرة إيران على نشر الصواريخ والطائرات المسيرة، لا سيما مساعدة روسيا في أوكرانيا، فإن خيار القادة الغربيين الوحيد لمنع انتهاء صلاحيتها يتمثل في العودة إلى فرض عقوبات الأمم المتحدة. ومن المرجح أن يدفع ذلك إيران إلى الانسحاب من معاهدة حظر الانتشار النووي – ما يعد سبباً محتملاً لقيام الولايات المتحدة وإسرائيل بشن الحرب. إن أي ضربة تستهدف البرنامج النووي الإيراني من شأنها أن تخاطر بإثارة تصعيد من الأفعال والأفعال المضادة في سائر أنحاء المنطقة. ومع غضب إيران من السعودية لدعمها للقنوات الفضائية التي تحمّلها طهران مسؤولية إذكاء نار الاحتجاجات، وتصاعد مواجهة متعددة الأوجه بين إيران وإسرائيل بوجود حكومة إسرائيلية جديدة مكونة من اليمين المتطرف، فإن المخاطر كثيرة.

في ضوء كل هذا، فإن إبقاء الباب مفتوحاً أمام الدبلوماسية أمر منطقي. العواصم الغربية، المستاءة جداً من القمع الذي تمارسه طهران ضد المعارضة، والغاضبة من إمدادها لروسيا بالأسلحة (…)، من المفهوم أنها قلقة من أن الانخراط مع طهران من شأنه أن يوفر شريان حياة للنظام. لكن حتى الآن، اختارت ألا تقطع الاتصالات نهائياً؛ جزئياً لأن بعضها بحاجة إلى التفاوض على إطلاق سراح رهائن لكن غالباً لأنها تأخذ التهديد النووي بالاعتبار. وبالنظر إلى العلاقات المسمومة اليوم، فإن آفاق إجراء محادثات لنزع فتيل الأزمة النووية تبدو قاتمة. لكن على الأقل فإن التوصل إلى تفاهم حول الخطوط  الحمر من شأنه أن يساعد في المحافظة على إبقاء التوترات تحت السيطرة إلى أن يُتاح مجال أكبر لخفض التصعيد والانخراط الدبلوماسي الجوهري. من الصعب توقع انتصار المتظاهرين إذا وصلت الأزمة النووية إلى مأزق؛ ويصبح ثمة احتمال أكبر في أن يغير النظام المحاصر الموضوع في الداخل ويفرض قبضة أشد إحكاماً.

اليمن.. وضع مقلق

انتهى أمد هدنة نيسان/أبريل بين جماعة الحوثيين والحكومة المعترف بها دوليا في تشرين الأول/أكتوبر، والمدعومة بشكل رئيسي من السعودية والإمارات. لم يُستأنف القتال بشكل كبير، إلَّا أن كلا الطرفين يستعدان للعودة إلى الحرب.

مثلت الهدنة التي تم التوصل إليها بوساطة من الأمم المتحدة نقطة مضيئة غير متوقعة في صراع وحشي مستمر منذ سنوات. في تشرين الثاني/نوفمبر2021، بدا أن الحوثيين، الذين يسيطرون على جزء كبير من شمال غرب اليمن، على وشك الانتصار. لو سيطروا على مدينة مأرب ومنشآت النفط والغاز القريبة منها، لكان ذلك جعلهم ينتصرون في حرب السيطرة على الشمال، ووفر لشبه الدولة التي يحكمونها أموالاً هم بأمس الحاجة إليها، ولكان شكّل نهاية لحكومة الرئيس حينذاك، عبد ربه  منصور هادي. تم تفادي هجومهم عندما أخرجت القوات المتحالفة مع  الإمارات الحوثيين من منطقة إستراتيجية في مأرب ومحافظة شبوة المجاورة في كانون الثاني/يناير 2022. ردّ الحوثيون بضربات عابرة للحدود بالصواريخ والطائرات المسيرة على الإمارات والسعودية. ثم أحدثت الحرب الأوكرانية نقصاً عالمياً في الغذاء والوقود فرض ضغوطاً جديدة على جميع الأطراف.

إقرأ على موقع 180  تعمّدتْ بالدم.. إلى روح المطران كبوجي

أتاح المأزق الناجم عن ذلك مجالاً للوساطة. ففي مطلع نيسان/أبريل، أعلنت الأمم المتحدة هدنة لمدة شهرين بين حكومة هادي والحوثيين. الرياض، التي تخلت عن أوهامها بشأن مآلات الحرب، دعمت الاتفاق. وبعد عدة أيام، استقال هادي. وحل محله مجلس قيادة رئاسي اختار أعضاءه السعوديون والإماراتيون، وهو أكثر تمثيلاً لائتلاف الفصائل اليمنية التي تحارب الحوثيين، وتحارب بعضها بعضاً في الوقت نفسه.

لقد تضاءلت الآمال الأولية بأن ينجم عن ذلك تسوية أوسع. فبعد تمديدين انهارت مفاوضات قادتها الأمم المتحدة للتوصل إلى هدنة موسعة في مطلع تشرين الأول/أكتوبر 2022 (…).

مخاطر تجدد الحرب في اليمن مرتفعة بشكل مقلق رغم الهدنة التي تم التوصل إليها بوساطة الأمم المتحدة ومثلت نقطة مضيئة غير متوقعة في صراع وحشي مستمر منذ سنوات

القتال متوقف غالباً حتى من دون هدنة، والمحادثات مستمرة من خلال قنوات ثُنائية سعودية – حوثية. إلا أن التوترات تتصاعد (…)، وكلا الجانبين يحشدان القوات والعتاد العسكري في خطوط الجبهة الرئيسية.

إن مخاطر تجدد الحرب مرتفعة بشكل مقلق. فالبعض داخل المعسكر الحوثي يميل نحو شن هجوم آخر، لكن في حين أن الحوثيين قد يكونون أقوى حالياً من خصومهم، فإنهم يفتقرون إلى الأموال وقواتهم قد ضعفت. بدلاً من ذلك، قد يتوصلون إلى اتفاق مع السعوديين على دفع الرواتب، وتمديد الهدنة، واستعمال المال والوقت لإعادة حشد قواتهم. يأمل بعض القادة الحوثيين بالتوصل إلى اتفاق أوسع مع الرياض ينطوي على خروج السعودية من الصراع ويعزز مكانة الحوثيين بصفتهم القوة المهيمنة في اليمن. إلا أن مثل ذلك الترتيب، وبتجاهله مصالح الكثير من الفصائل المعادية للحوثيين الغاضبة أصلاً من إقصائها عن المحادثات الثنائية، من المرجح أن  يغرق اليمن في مرحلة جديدة من الحرب. وحتى مع  خروج السعوديين، لا يبدو مرجحاً أن يتمكن الحوثيون بسهولة من السيطرة على كل اليمن، كما فعلت حركة طالبان في أفغانستان.

الخيار الأفضل هو التوصل إلى هدنة موسعة تمهد الطريق إلى مفاوضات يمنية–يمنية. وينبغي أن تحقق تسوية حقيقية متطلبات جميع الفصائل اليمنية الرئيسية، وقد تتطلب وساطة من الأمم المتحدة. لكن مع شعور الحوثيين بأنهم يحصلون على المزيد من خلال التعنت، فإن مثل هذه التسوية قد تكون السيناريو الأقل ترجيحاً”.

– يمكن الوصول إلى الأجزاء الأخرى من تقرير مجموعة الأزمات الدولية (كرايزس غروب) بالإنكليزية هنا.

Print Friendly, PDF & Email
Download Premium WordPress Themes Free
Free Download WordPress Themes
Premium WordPress Themes Download
Download Nulled WordPress Themes
udemy paid course free download
إقرأ على موقع 180   "اتفاقات أبراهام" و"حوافز" ترامب.. بخطر