محمود سريع القلم: روسيا الشريك الإستراتيجي لإيران وليس الصين
Demonstrators hold placards outside the Iranian Embassy in London, Sunday, Sept. 25, 2022. They were protesting against the death of Iranian Mahsa Amini, a 22-year-old woman who died in Iran while in police custody, who was arrested by Iran's morality police for allegedly violating its strictly-enforced dress code. (AP Photo/Alastair Grant)

Avatar18013/04/2023
يؤكد الأستاذ في العلوم السياسية والعلاقات الدولية البروفسور محمود سريع القلم أنّ الاقتصاد الإيراني لطالما عانى من مشاكل هيكلية تستّرت عليها الحكومات بالأموال التي جنتها من بيع النفط، موضحًا في مقابلة مع مجلة "أنديشه بويا" أنه في ظل عدم وجود هذا المال، فإن الازمات تشتد وتصبح قضايا اجتماعية وسياسية. وقد ترجم موقع "جاده إيران" المقابلة المطولة مع سريع القلم من الفارسية إلى العربية، وفي ما يلي أبرز ما تضمنته:

“في ظل الوضع المضطرب الحالي في المنطقة، وفي ظل هذه الحالة غير المستقرة للعلاقات الدولية، أعتقد بأنّ إيران توصلت إلى استنتاج مفاده بأنه لا ينبغي أن تفقد نفوذ أو ورقة الطاقة النووية بهذه السهولة.

يجب أن نضع في الحسبان أنه في تشرين الأول/أكتوبر 2023، سينتهي الحظر المفروض على بيع الأسلحة لإيران وبيع الأسلحة من قبل إيران، وسينتهي قريبًا العديد من المواعيد النهائية في الاتفاق النووي للعام 2015. إذا كانت إيران تريد التوقيع على اتفاق نووي جديد، فيجب عليها تقديم برنامجها النووي إلى الوكالة الدولية للطاقة الذرية في فيينا بمزيد من الإشراف. قد يمنح الغرب بعض التسهيلات المالية لإيران، لكن المشكلة ستكون أنّ استغلال الاتفاق النووي يتطلّب أيضًا موافقة إيران على مجموعة العمل المالي FATF. هذا فقط بشرط أن يقبل الأميركيون، يمكن لإيران أن تدخل في معاملات مالية دولية.

الإيرانيون يريدون إتفاقً جديداً.. ولكن

يمكن لإيران أن تقيم علاقات مع بعض الدول، لكنّ تدويل الاقتصاد الإيراني يخضع لموافقة وزارة الخزانة الأميركية. لا يكفي توقيع اتفاق نووي جديد لكي تكون إيران قادرة على الاستفادة منه اقتصاديًا وماليًا ومصرفيًا. يجب أن تحدث أشياء أخرى كثيرة. يبدو أنّ هناك حسابات في إيران بعقلية أنه حتى وإن وقّعنا على الاتفاق النووي؛ ما الفائدة التي سيحققها لنا؟ كما يجب علينا التوقيع على FATF للدخول إلى الشبكة المصرفية العالمية. على ما يبدو، فإنّ توقيع FATF له معارضون جادّون في البلاد، ومعارضة ذلك أكثر جدية من الاتفاق النووي نفسه. ومع ذلك، في العام ونصف العام الذي كانت فيه الحكومة الجديدة في السلطة، قُدِّمت مطالب، مثل رفع العقوبات المفروضة على العديد من المؤسسات والأفراد الإيرانيين، ويجب على الولايات المتحدة اتخاذ خطوات تتجاوز الاتفاق النووي لرفع العقوبات.

لذلك، توصّل الغربيون إلى استنتاج مفاده بأنّ إيران غير مهتمة بإحياء الاتفاق النووي الأول، وبأنها ترغب بتوقيع اتفاق نووي ثاني، والذي يبدو أنّ ظروفه غير ممكنة، على الأقل بالنسبة للأميركيين.

هناك أيضًا نظرية مفادها بأنّ طرح مطالب جديدة من جانب إيران هو ذريعة لمنع توقيع الاتفاق النووي الثاني، بحيث لا يتم توقيع الاتفاق النووي الجديد على الإطلاق. وتقول إيران إنها تريد التفاوض، وستخصص الوقت اللازم للمفاوضات مهما تطلّب ذلك، لكن لدي مطالب جديدة، على افتراض أن الأميركيين لا يستطيعون تلبية هذه المطالب وسنشتري الوقت.

بهذه العقلية رأى الغربيون خطة إيران في المفاوضات النووية. هناك أيضًا حسابات في إيران بأنّها تستطيع تأمين مبلغ 40 إلى 50 مليار دولار لإدارة البلاد من دون الاتفاق النووي، ومن خلال العلاقات المحدودة الحالية مع دول مثل العراق، الإمارات، الصين، الهند وبعض دول آسيا الوسطى.

يقول الإيرانيون إذا وقّعنا الاتفاق النووي، فسوف نفقد ورقة النووي ويجب أن يكون البرنامج النووي تحت مراقبة الأقمار الصناعية والرقمية مباشرة من الغرب طوال العقد المقبل. مع هذا الافتراض، توصل الأميركيون والأوروبيون إلى استنتاج مفاده بأنّ إيران ليست جادة في المفاوضات، وقاموا بتفعيل الخطة ” B” في قضية برنامج إيران النووي.

ووفقًا لهذه الخطة، أقنع الأميركيون رئيس وزراء العراق الجديد (محمد شياع السوداني) بمنع تحويل العملة الصعبة من العراق إلى إيران، وقاموا بالضغط كثيرًا على تركيا لمنع تعاملاتها الاقتصادية مع إيران. وقد فرض الأميركيون عقوبات على أحد أقارب رجب طيب أردوغان بسبب دوره في بيع النفط الإيراني من خلال الالتفاف على العقوبات.

الصين والسعودية.. وإيران!

لا تتعاون قطر والإمارات بجدية مع الولايات المتحدة في موضوع العقوبات، وتقولان إن أرضنا هدف سهل لإيران ولا نريد التورّط معها، لكن من المحتمل أن يفرضا قيودًا ويتّبعا سياسة تأخير وإطالة. لكن يبدو أن الصينيين قبلوا أيضًا ضغوط الأميركيين لتقييد العلاقات مع إيران، وكانت هذه إحدى نتائج التفاهم الكبير بين الصين والولايات المتحدة في قمة إندونيسيا. لماذا؟ لأنه للصينيين مصالح كبيرة في المنطقة العربية وإسرائيل، وقد وافقوا على النأي بأنفسهم عن إيران تحت ضغط الأميركيين. لا يتعدّى الاقتصاد الإيراني سوقاً من 20 إلى 30 مليار دولار للصينيين في أفضل الظروف. وتتمثل الميزة النسبية لإيران في النفط والغاز والبتروكيماويات، وهو ما تمتلكه دول الخليج الأخرى أيضًا.

بالإضافة إلى ذلك، فإنّ الصينيين تربطهم علاقة بترول وغاز مع روسيا، ويشترون الطاقة الأحفورية منها بحسم كبير. الخطة B هي أن تكون إيران تحت ضغط أكبر. خاصة من الناحية الاقتصادية. الأرقام مهمة جدًا في التحليل. الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة 25 تريليون دولار، هذا الناتج بالنسبة للصين هو 18 تريليون دولار ولروسيا 1.7 تريليون دولار.

تبلغ القيمة السوقية لشركة “أرامكو” السعودية وحدها تريليونَي دولار. الصينيون لديهم تعاون اقتصادي مكثّف مع السعودية، وفي نفس الوقت، فإنّ وجودهم فيها يمنحهم الفرصة للتعرّف على العمل العسكري للأميركيين. التواجد في المنطقة الأميركية في الشرق الأوسط هو أكثر قيمة بكثير بالنسبة إلى الصينيين من العمل مع إيران.

أعتقد بأنّ الصينيين قبلوا هذا بسهولة، لكن ليس من السهل على بعض الناس في إيران فهمه. إن الصينيين بارعون جدًا في سياسة إرباك الطرف الأخر. أتصوّر أنّ مبدأ الاتفاق الأخير بين إيران والسعودية يرجع إلى حاجة إيران القوية لتقليص الدور المالي والسياسي والتنظيمي المباشر وغير المباشر للرياض في مسائل الأمن الداخلي والحرب الإعلامية والسيبرانية للمعارضة الإيرانية.

اليمن مقابل إستقرار إيران!

ولعلّ المعادلة تتلخّص في الآتي: اليمن مقابل الأمن الداخلي (لإيران). بطبيعة الحال، فإنّ الوضع الحالي سوف يحتاج إلى التحقق من قبل الأطراف، لكنّ قصة إيران وروسيا مختلفة. في السنوات الأخيرة، خاصة بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي، تغيّرت علاقات إيران مع روسيا من حالة تفهم إلى استراتيجية. حتى إلى ما قبل أن يبتعد الصينيون عن إيران، كانت إيران تنظر إلى الصين كشريك تجاري فقط، ليس شريكًا سياسيًا وأمنيًا. لكنّ إيران لديها رؤية استراتيجية في العلاقات مع روسيا، فالعلاقات بين إيران وروسيا ذات طبيعة تسليحية، وقد ساعدت إيران روسيا في الحصول على 500 طائرة من دون طيّار، ولا تزال تفعل ذلك. ومع كل هذا، فإنّ الطبقة العسكرية هي الطبقة الخارجية للعلاقات الإيرانية – الروسية. الطبقة الأساسية هي العلاقات السياسية بين الدولتين. ربما تشعر إيران بأنها بحاجة إلى موسكو لتثبيت هيكلها السياسي المستقبلي. إيران تفكّر بأن يكون لها شريك موثوق به في المستقبل سياسياً، الأمر الذي سيكون مفيداً للأمن القومي للبلاد ومجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. ربما يكون جوهر الأمر هو الاعتماد على روسيا في الفترات الانتقالية في مستقبل إيران.

إقرأ على موقع 180  طهران تستقبل غروسي.. هل تكشف رواية تفجير نطنز؟

إيران لن تكون قوة مهيمنة إقليمياً

من الواضح أنّ الغرب لا يريد لإيران أن تصبح قوة نووية، لكن ليس لديه مشكلة بأن تصبح إيران قوية وغنية. في المقابل، لا يريد جيران إيران أن تصبح إيران نووية ولا قوية ولا غنية. قد يمنع الغرب إيران حتى من أن تصبح نووية بهجوم عسكري، لكن جيران إيران سيمنعونها من أن تصبح قوية من خلال القوة الناعمة المالية، الإعلام، المقاطعة وسيناريوهات التجميد الاقتصادي والتنموي للبلاد.

إذا تعلّمنا من التاريخ، لن تتمكّن إيران من أن تصبح قوة سياسية وعسكرية مهيمنة ومستقرّة في الشرق الأوسط، ولكن هناك العديد من الفرص في الثقافة والاقتصاد. لن يقبل العرب وتركيا وحتى دول آسيا الوسطى/ القوقاز إيران كقوة مهيمنة ما لم تصل إلى ناتج محلّي إجمالي يبلغ خمسة تريليونات دولار.

إذا لزم الأمر، ستشترك دول المنطقة مع أي قوة لمنع هيمنة إيران. ليس بالصدفة أنّ ما يتم تعليمه في الفصل الدراسي الأول والسنة الأولى من اختصاص العلاقات الدولية، أنّ الخطوة الأولى لبلد ما لتصبح قوية وتضمن الأمن القومي، هو السلام والتفاهم والتوافق مع جيرانها.

السعودية وإسرائيل أكثر نشاطًا تجاه إيران من الولايات المتحدة وأوروبا. يمكن القول إن التحكّم الأميركي في ما يتعلّق بإيران سيستمرّ لمدة عامين على الأقل في ظل وجود إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن في السلطة. أُسس هذه الطريقة هي: العزلة السياسية، منع الاستثمار الأجنبي والنشاط الافتراضي الواسع لإظهار التناقضات الداخلية، مثل عدم الكفاءة وزيادة معدّل التضخم والقيود المدنية وقيود الكفاءة، وإخضاع الجمهور للانفراجات المالية بموافقة وزارة الخزانة.

أميركا منهمكة في إنتخاباتها

إنّ أهم قضية بالنسبة للولايات المتحدة في للشرق الأوسط هي أنه لا ينبغي أن تكون هناك أزمة تزيد من سعر النفط والغاز. في غضون عام تقريبًا، ستبدأ الانتخابات الأولية لرئاسة الولايات المتحدة. لذلك، يريد الأميركيون الحفاظ على هدوء الشرق الأوسط في عام 2023، وفي نفس الوقت حصر إيران في المنطقة.

تهدف استراتيجية التوكيل (لإسرائيل) إلى إبقاء إيران محدودة، لتكون قادرة على بيع حد أدنى من النفط، ولتجنّب حدوث أزمة في المنطقة. ضع في اعتبارك أنّ منطقة الشرق الأوسط بأكملها اليوم ليست مهمة حتى بنسبة 5٪ من وجهة نظر الولايات المتحدة للعالم. نصف الصراع هو مع الصين وشرق آسيا. جزء منه يتعلّق بروسيا وأوروبا الشرقية. ما يحظى بالأولوية في التخطيط الكلّي للولايات المتحدة هو إدارة اقتصادها، إذا كان بإمكانها زيادة معدل النمو الاقتصادي من 2 إلى 3% في العام المقبل، بحيث يكون للديمقراطيين بطاقة فائزة في الانتخابات المقبلة.

الأزمات ممر إلزامي للتغيير

يُظهر تاريخ إيران أنّ التغيير فيها يأتي دائمًا عقب أزمة. على ما يبدو، فإنّ بلادنا لا تتغير بالمنطق والحقيقة والتنبؤ ودراسة الاتجاهات والعمل العلمي والتشاور مع العالم ومراقبته. تاريخنا تكراري. نحن نبني نظامًا يراكم تدريجيًا العديد من الأزمات، ولا يقيّم نفسه، ويقع في المتاعب.

إذا انتبهت، فإنّ روسيا ترتكب أخطاء أكثر من الصين. كلاهما سلطويان، لكن الصينيين يرتكبون أخطاء أقل. لماذا؟ لأنّ لديهم التقييم الذاتي والاستشارة. طالما أنّ الناس لا يتنفّسون هواءً جديدًا ويسمعون كلمات جديدة، فستكون هناك عقلية أحادية الاتجاه. يتحدث الرئيس الصيني عبر الهاتف مع العشرات من الرؤساء ورؤساء الوزراء ورؤساء الدول الأخرى من الصباح إلى المساء عندما يعمل في مكتبه. سمعت ذات مرة رئيس الوزراء الياباني الراحل شينزو آبي يقول إن الصينيين يتشاورون معنا حول مختلف القضايا، حتى في ما يتعلّق بالعلاقات مع الولايات المتحدة. إنّ الافتقار إلى التشاور هو سمة ثقافية وهيكلية لمجتمعنا (…). عندما نصل إلى مجتمع يقرأ فيه كل مواطن إيراني كتابًا واحدًا على الأقل في الشهر، نكون قد اتخذنا خطوة عملاقة نحو التنمية المستدامة. إذا أردنا الخروج من الحالة التاريخية التكرارية، يجب أن ينمو المجتمع أيضًا. يعتمد نمو المجتمع على النمو الثقافي في نفس الوقت مع نموه الاقتصادي. القراءة المنتظمة تحرر الإنسان من الإثارة والضلال والغضب والظلم والحسد والكذب والنفاق وعدم الأمانة والجبن والنزوات والغطرسة والجشع والتمركز على الذات، وأحقية الذات ونفاد الصبر والفوضى والمكر وعشرات الآفات التنموية.

القراءة تجعل المرء أكثر دقة وتحليلاً. كلما زاد قراءته كلّما قل حديثه. بالطبع، قد توجد هذه الأمراض في أي بلد: لكنّ الهياكل تجعل الناس في المشهد الاجتماعي يتعلّمون التصرّف بشكل احترافي، والتحكّم بأوجه القصور الشخصية وإدارتها. إن كيفية التفكير والقياس والحكم بحقيقة وموضوعية يمثل تحديًا كبيرًا أمامنا.

إذا كنت درست الصين قبل 40 عامًا، فستتساءل، ما العامل الذي غيّر الصين؟ لماذا فعلت الصين شيئًا خلال 30 عامًا استغرق من الغربيين 300 عام؟ غير أنّ الصين تلخصت في ثلاثة أو أربعة أشخاص. في الأساس، كان شو إن لاي ودينغ شياو بينغ هما اللذان رسما تحوّل الصين، إلى جانب مماهاتهما من قبل شعب الصين الذي يعمل بجد ومنضبط. لقد توصلا إلى الاعتقاد بأنّ الوقت قد مضى بالنسبة للصينيين لزراعة بعض الأرز والفاصوليا خلف منزلهم والعيش. لقد توصلا إلى الاعتقاد بأنه طالما أن الصين ليست صناعية ولا يمكنها المنافسة على المسرح العالمي، فلن يحدث شيء، وستعيش الصين الفقيرة إلى جانب اليابان وكوريا الجنوبية القوية والغنية حسرة، والحياة لمجرّد البقاء”.

(*) المصدر: “جاده إيران

Print Friendly, PDF & Email
Avatar

Download Best WordPress Themes Free Download
Download WordPress Themes Free
Download Nulled WordPress Themes
Download WordPress Themes Free
udemy course download free
إقرأ على موقع 180  لبنان من وهم التعافي إلى ذل الإعاشة