لم يُرفع علم إقليم كردستان على مدخل المجمع الرئاسي التركي، ولا ظهر في خلفية الصورة الرسمية التي أخذها مسرور البرزاني مع إردوغان على ما درجت عليه العادة في السابق. يعرف هذا الأخير أن ضيفه العراقي لا يملك الكثير من السلطة أو المقدرة على الفِعل والتأثير، وهو على الأرجح حلّ ضيفاً على إردوغان بسبب علاقته الوثيقة بوزير خارجية تركيا الجديد ورئيس جهاز استخباراتها السابق حقان فيدان.
لا يملك البرزاني الكثير ليقدمه لإردوغان، لا في مجال محاربة “حزب العمال الكردستاني” المتحصن في “جبال قنديل” العالية والوعرة بين العراق وتركيا، ولا في مجال إعادة العمل بتصدير المشتقات النفطية من إقليم كردستان إلى تركيا. من يملك السلطة فعلياً في إربيل هو ابن عمه نشيرفان البرزاني، الذي يشغل حالياً منصب رئيس إقليم كردستان وله الكلمة الفصل في “الحزب الديموقراطي الكردستاني” الأقوى في الإقليم.
وفي وقت يعاني الاقتصاد التركي من استنزاف مستدام، تحتاج أنقرة إلى كل نقطة نفط تستطيع الحصول عليها، أو من تلك التي تمر في أراضيها لاستيفاء الرسوم والأموال منها. إلا أن تصدير المشتقات النفطية من إقليم كردستان إلى تركيا توقف منذ بداية العام الحالي. هذا التوقف مرده صدور حكم قضائي عن إحدى محاكم التحكيم الدولية في العاصمة الفرنسية أجبر أنقرة على دفع تعويضات مالية لبغداد بقيمة 1.5 مليار دولار أميركي نتيجة قبولها بدخول صادرات نفطية إليها من إقليم كردستان من دون موافقة الحكومة المركزية العراقية بين العامين 2014 و2018، ما دفع أنقرة إلى الإعلان الرسمي عن عدم القبول بدخول أي مشتقات أخرى قبل تسوية الأوضاع القانونية مع بغداد، كما استئناف الحكم الصادر بحقها.
يعرف مسرور البرزاني أن النفط الذي يمتلك إقليمه منه الكثير لن يسَوّق في أي مكان إن لم يتوصل إلى تسوية جديدة مع بغداد تعيد تقسيم عائدات المشتقات النفطية بنسب لا تستفيد إربيل منها بشكل كبير كما درجت العادة. كما يعرف أن أي تسوية بين بغداد وأنقرة لن تكون إلا على حساب إقليمه
لم تكتفِ الحكومة المركزية العراقية بهذه الدعوى التي ربحتها، بل رفعت ثانية تُقاضي فيها تركيا بدفع تعويضات ضخمة لاستقبالها 450 الف برميل نفط يومياً بطريقة غير قانونية منذ عام 2018 وحتى بداية العام الحالي.
هذه الأزمة التي أدت إلى توقف تصدير نفط إقليم كردستان إلى تركيا، أضرت بهذه الأخيرة كما أضرت بالإقليم الكردي الذي كان يحصل على نسبة مرتفعة من عائدات تصدير المشتقات النفطية. وبحسب موقع “زيرو هيدج” المالي الأميركي، خسرت إربيل حوالى 1.5 مليار دولار أميركي منذ بداية العام الحالي نتيجة توقف صاداراتها النفطية إلى جارتها. وكالعادة، دفع إقليم كردستان ثمن وقوعه على مفترق صراع سياسي واقتصادي دائم بين أنقرة وبغداد. هذا الصراع الذي غالباً ما تدفع ثمنه إربيل أكان في أيام اشتداد الصراع بين الدولتين أم حتى في أيام الانفراجات الإقليمية.
أتى البيان الختامي للقاء بين إردوغان والبرزاني فاتراً جداً، وتضمن بعض العبارات العامة، مؤكداً المؤكد بأن الاجتماع لم يكن ناجحاً. كذلك الأمر، اكتفى مكتب البرزاني بإصدار بيان رسمي مقتضب جداً زاد في الإضاءة على عدم خروج الاجتماع بأي شيء مهم، حيث قال إن اللقاء تخلله “اتفاق على أهمية تعزيز العلاقات الثنائية وتوسيع آفاق التنسيق والتعاون بما يحقق الأمن والاستقرار في المنطقة ولا سيّما في المجال الاقتصادي والتبادل التجاري”.
هذه العمومية الأدبية لا تشي إلا بأن مضمون الاجتماع لم يكن مهماً، وأنه لن يؤدي إلى أي تغيير حقيقي في علاقة الثلاثي أنقرة-إربيل-بغداد، أكان في موضوع الأزمة النفطية أم في أي موضوع آخر..
يعرف البرزاني الذي عاد خائباً إلى إربيل أن نفط إقليمه لن يصل إلى تركيا ما دامت العلاقة بين أنقرة وبغداد غير مستقرة. كما يعرف أن تركيا هي بوابته الوحيدة على العالم الغربي، وعليه الحفاظ على علاقة طيبة معها إن أراد تطوير الصادرات والعلاقات التجارية والسياحة بينه وبين تركيا. هو يعرف كذلك أن النفط الذي يمتلك إقليمه منه الكثير لن يسَوّق في أي مكان إن لم يتوصل إلى تسوية جديدة مع بغداد تعيد تقسيم عائدات المشتقات النفطية بنسب لا تستفيد إربيل منها بشكل كبير كما درجت العادة. كما يعرف أن أي تسوية بين بغداد وأنقرة لن تكون إلا على حساب إقليمه، الإقليم الذي لتركيا بضعة آلاف من العسكر الرابضين فيه، فيما جباله الشاهقة لا تخضع لسيادة إربيل بل لسيادة “حزب العمال الكردستاني”، وأميركا المتراجعة قبضتها في المشرق العربي ما عادت تكترث كثيراً لحقوق الشعب الكردي فيه.