حدث 7 أكتوبر.. تضييق فرنسي على الحريات يبلغ أبعاداً غير مسبوقة

Avatar18017/11/2023
يخصص الكاتب والباحث الفرنسي لوران بونفوا هذا النص لإستعراض طريقة تعامل الحكومة الفرنسية مع التحركات الداعمة لفلسطين في فرنسا، غداة 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023. يوماً بعد يوم، تضيق مساحة التعبير لداعمي حقوق الشعب الفلسطيني في أوروبا بصفة عامة، وفي فرنسا على وجه الخصوص، وهذا ما يشرحه بونفوا في النص الذي ترجمته من الفرنسية إلى العربية الزميلة شيماء العبيدي (أسرة أوريان 21).

“في اليوم الموالي للسابع من أكتوبر/تشرين الأول، كانت وتيرة التشويه والوصم للتحركات الداعمة لفلسطين في فرنسا لافتة للانتباه. لعبت هذه الحملة دور الساحق لكل مبادرة تدعم فلسطين، بهدف تشويه اليسار الذي يتجسد في صورة جان لوك ميلانشون – قائد حزب “فرنسا الأبية” – والتشكيك في مصداقيته. كلّ هذا بدعم مباشر من الحكومة وأحزابها السياسية والعديد من وسائل الإعلام. تظاهرت ردود الفعل المستنكرة بعدم فهم التفاصيل المضمنة في تصريحات هذا الأخير عندما نادى بالعودة إلى السياق التاريخي، لترويج فكرة أنه يدعم الإرهاب، شأنه في ذلك شأن نواب آخرين من حزبه.

ينعكس موقف السلطات في التعليمات التي تصدرها، مثل قرار حظر التظاهرات الذي وجهه وزير الداخلية جيرالد درمانين إلى مديري الأمن، ومنشور وزير العدل إريك دوبون موريتي، والذي يعتبر أن في تقديم هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول على أنه شكل من أشكال المقاومة المشروعة تبرير للإرهاب.

تمت معارضة الحظر الكامل للتظاهر من قبل مجلس الدولة في القرار الذي أصدره يوم 18 أكتوبر/تشرين الأول 2023، ولكن تطبيق الأمر تجسد في أشكال مختلفة بعد ذلك من قبل مديري الأمن بحسب المناطق. فقد تم على سبيل المثال منع التظاهر في باريس في 28 أكتوبر/تشرين الأول، في حين تم السماح به في مرسيليا. fرغم كل ذلك، أدى اعتبار الحكومة للمظاهرات على أنها تعبير عن دعم لحماس إلى التقليل من أهمية التحرك وتهميشه، مما أعطاه تلقائيًا مغزى سياسيًا راديكاليًّا.

مسخرة قضية بنزيما

تُجسّد حالة أخرى نفوذ السلطة العامة في فرنسا وقوتها، حيث كانت الناشطة الفلسطينية اليسارية مريم أبو دقة قد تلقت دعوة منذ فترة طويلة إلى فرنسا، وحصلت على تأشيرة للمشاركة في مختلف المؤتمرات في الوسط الجمعياتي وإلى جانب مجموعة من المسؤولين السياسيين. بعد عدة أسابيع من بداية جولتها، أمر وزير الداخلية في 16 أكتوبر/تشرين الأول بتوجيهها إلى الإقامة الجبرية في مرسيليا بهدف ترحيلها ومنعها من التحدث في الأماكن العامة. ومرة أخرى، توصلت العدالة في النهاية إلى معارضة قرار الترحيل بعد أربعة أيام، ولكن الوزارة استأنفت القرار، ليتم طردها في آخر المطاف. في الوقت نفسه، تم اعتقال نحو عشرة نشطاء من الاتحاد العام للعمال الفرنسي (CGT)، بما فيهم بعض قادة فرعه في الشمال، في فجر يوم أحد، وتم إلقاء القبض عليهم ووضعهم قيد الاحتجاز بتهمة الدعوة إلى الإرهاب، بعد توزيعهم لمنشور.

بعدها ببضعة أيام، قررت إدارة التربية في باريس وبشكل مفاجئ إلغاء عرض فيلم الرسوم المتحركة النرويجي “وردي” من مهرجان “Collège au cinéma”، الذي يروي قصة لاجئة فلسطينية في لبنان. ولتبرير هذا القرار، أشارت المؤسسة إلى “السياق الدولي المتوتر”، في تناس تام لإجماع النقاد على أهمية هذا الفيلم الموجه إلى الأطفال عند صدوره في سنة 2018، دون أن يثير أي شكل من أشكال الجدال. تُظهر هذه الحادثة وبطريقة كاريكاتورية الضغط المستمر الذي تفرضه الحكومة الفرنسية على الشخصيات والخطابات التي تجسد التضامن مع فلسطين، أو تسلط الضوء على مسارات فلسطينية عادية.

تساهم الدعوات لحظر الاحتجاج والخطابات أحادية الجانب لدعم إسرائيل من قبل القادة الأوروبيين والأمريكيين بشكل مباشر في ترسيخ فكرة الغرب المتعجرف والذي لم يعد يهتم ببقية العالم. لم يعد حتى يتحمل عناء جعل الناس يعتقدون أنه يمثل قيمًا عالمية

بلا أدنى شك، يبقى أبشع مثال على ذلك هو هجمة السلطات على لاعب كرة القدم الشهير كريم بنزيما، حيث طالبت السناتور اليمينية فاليري بوايي بإسقاط الجنسية الفرنسية عنه بسبب تغريدة له دعم فيها المدنيين في غزة. وكان جيرالد دارمانين نفسه قد وجّه وفي وقت سابق اتهامات لهذا اللاعب المقيم بالمملكة العربية السعودية بالانتماء إلى الإخوان المسلمين، قائلاً على شاشة التلفزيون إنه كان “مهتمًا (به) بشكل خاص لبضعة أسابيع” (16 أكتوبر/تشرين الأول). تصريحاته تفضح جهل العديد من وسائل الإعلام والسياسيين بتاريخ الحركات الإسلامية.

شلل إعلامي

هكذا، تسببت حالة الهلع جرّاء العنف الذي شهدته إسرائيل (والذي يتم توصيفه غالبا بالـــــ“العنف الأولي”، أي بمعزل عن تاريخ الاحتلال الإسرائيلي ومقاومته) والسياسات القمعية التي يشجعها القادة الأوروبيون، في تقلّص جنوني لمساحة الحرية المتاحة للتعبير عن التضامن مع الشعب الفلسطيني. حتى أن الخوض في هذا التقلص قد صار من المحرمات، ومن المستحيل شرحه علنًا في وسائل الإعلام المهيمنة، وبالتالي يتم الإلقاء به في الهامش.

خارج محيط السلطة السياسية وغير بعيد عنها، يمكن اعتبار وسائل الإعلام بتفرعاتها جزءًا من المساحة المتقلصة التي تآكلت لتساهم في حجب الخطاب المؤيد لحقوق الفلسطينيين. وفي هذا السياق الخانق، فضّل لفيف من المختصين في الشأن الفلسطيني أو الأكاديميين، رغم خبرة أغلبهم في الإذاعة أو التلفزيون، رفض التعبير عن أنفسهم. وشهد آخرون إلغاء دعوتهم فجأة من قبل وسائل الإعلام التي كانت قد دعتهم: لقد أصبحوا فجأة ضيوفا شديدي الخطورة بالنسبة لغرف التحرير التي يمشي المحررون فيها بحذر كبير على الزجاج.

إقرأ على موقع 180  "أيام لبنانية حاسمة".. حكومة دياب إلى الإنتخابات دُرْ!

لدى ظهور المخرج الفلسطيني فراس الخوري في قناة إذاعية عامة، رأى أنه ربما بات من الضروري اليوم النظر في فرضية دولة ثنائية القومية، أي وبشكل غير مباشر التشكيك في الطابعين الديني والعرقي للدولة الإسرائيلية. موقف ترك قلقاً واضحاً بين الصحفيين قبل أن يؤدي إلى قطع الاتصال عن الضيف، ثم الاعتذار في اليوم الموالي عن ترك مثل هذه الملاحظات تمر على الأثير. لا يترجم رد الفعل هذا تأكيدًا للمواقف المؤيدة لإسرائيل بين الصحفيين، بقدر ما يوضّح نوعاً من الجهل في سياق تتغير فيه حدود الخطاب، مما يشلّ أولئك الذين من المفترض بهم إثارة النقاش. وهو ما يؤدي إلى فرض الحذر الشديد في الخطابات التحليلية. سيكون فرض التكلم ضد هذه الخطوط الحمراء الجديدة صعبًا بشكل متزايد في المستقبل. ومن المرجح عندئذ أن شجب أدلة الاحتلال والظلم والجريمة والعنصرية سيظل محصوراً لفترة طويلة في دوائر مهمشة.

الحريات الأكاديمية

في الوسط الجامعي الفرنسي، وفي مكان يُفترض أن يتسع لجميع الآراء على تناقضها اعتباراً لوجود عنصر بشري مؤلف من مثقفين وخبراء وأكاديميين، وإثر أحداث السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، تم رصد جملة من “التبليغات” المتكررة بين الزملاء نفسهم لهياكل الإدارة العليا. يكون ذلك أحياناً بناءً على طلب الإدارات الجامعية ذاتها. تم اتهام بعضهم بتمجيد الإرهاب من خلال التعبير عن التعاطف مع الفلسطينيين أو نشر نص أو صورة عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

اليوم باتت الحريات الأكاديمية مهددة بالفعل، ليس فقط من خلال مجموعة من الإجراءات القانونية، ولكن أيضًا من خلال الصعوبات التي تمنع الوصول إلى الميدان، وكذلك بسبب الاعتقالات (…).

انقلاب الموازين

وبالإضافة إلى الآثار المباشرة على أولئك الذين يتجندون للدفاع عن حقوق الفلسطينيين، فإن هذا التراجع الأوروبي والألماني والفرنسي على وجه الخصوص، في منسوب حرية التعبير، له آثار سلبية. فمن خلال إلزام التحليلات وربطها بسجل عاطفي، يتأثر الفهم بلا شك. فمن يستطيع اليوم أن يعتقد بشكل عقلاني أن محاربة حماس تتطلب نفس الأساليب التي استخدمها التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)؟ ومع ذلك، هكذا كان مقترح الرئيس إيمانويل ماكرون خلال زيارته لتل أبيب.

علاوة على ذلك، خارج المجتمعات الأوروبية، ولكن أيضًا داخل قطاعات معينة منها، فإن هذه القيود لها آثار ضارة. تساهم الدعوات لحظر الاحتجاج والخطابات أحادية الجانب لدعم إسرائيل من قبل القادة الأوروبيين والأمريكيين – بما في ذلك بعد القصف الإسرائيلي لغزة الذي أودى بحياة الآلاف من المدنيين – بشكل مباشر في ترسيخ فكرة الغرب المتعجرف والذي لم يعد يهتم ببقية العالم. لم يعد حتى يتحمل عناء جعل الناس يعتقدون أنه يمثل قيمًا عالمية. لذلك، هل سيتفاجأ القادة وغالبية وسائل الإعلام الأوروبية حقًا بعدم تمكنهم من التواصل مع جيرانهم في الجنوب مستقبلا، ورؤية دعواتهم لدعم أوكرانيا أو أي قضية أخرى مشيطنة أو محتقرة؟

(*) راجع النص كاملاً على موقع “أوريان 21“.

Print Friendly, PDF & Email
Avatar

Download WordPress Themes
Download WordPress Themes Free
Download Nulled WordPress Themes
Download WordPress Themes Free
download udemy paid course for free
إقرأ على موقع 180  تحرير الأسيرين الإسرائيليين في صحافة تل أبيب: فوق الأرض، غير ما تحتها!