يدل رد فعل إيران، رسمياً وعسكرياً وسياسياً وشعبياً، علی أهمية الجنرال رضي الموسوي ومنصبه ودوره ليس في مواجهة العناصر الإرهابية في كل من سوريا والعراق، وإنما علی صعيد التعبئة والتخطيط في مواجهة الإحتلال الإسرائيلي ومخططاته في المنطقة. وتتحدث مصادر إيرانية واسعة الإطلاع عن علاقات الموسوي العميقة مع الحكومة السورية ودوائرها العسكرية والأمنية وأيضاً مع قادة حزب الله في لبنان، إضافة إلى علاقته مع قادة “الحشد الشعبي” في العراق، خصوصاً في مرحلة مواجهة تنظيم “داعش” الإرهابي.
وتشير المصادر الإيرانية إلى عملية أمنية معقدة بدليل وجود شبكة كانت تتولى رصد حركة رضي الموسوي في سوريا، فالرجل، قبيل إستشهاده، كان في مقر السفارة الإيرانية بدمشق قبل أن يتوجه إلی مقر سكنه في مزرعة بالقرب من مقام السيدة زينب، وهناك تعرض المنزل إلى ثلاثة صواريخ مصدرها مرتفعات الجولان السوري المحتل. هذه المصادر تتحدث عن قصف إسرائيلي طال المنطقة ذاتها خلال الأسابيع الماضية، “ولربما كانت تستهدف الموسوي الذي لم يكن متواجداً في المكان المستهدف، الأمر الذي يدل على أن الكيان الإسرائيلي كان بحاجة لـ”هدف كبير” و”صيد ثمين” يستطيع من خلاله تعويض أهدافه وربما توسيع رقعة الحرب ودفع الجانب الإيراني أو أصدقائه وحلفائه للقيام برد متهور غير محسوب ضد إسرائيل”.
وتلمح المصادر الإيرانية المعنية إلى أنها غداة حدث السابع من تشرين الأول/أكتوبر على أرض غزة كانت تتوقع إقدام إسرائيل على تنفيذ “عمل ما” يُرجح أن يكون كبيراً في المنطقة، سواء في لبنان أم في سوريا أم في الداخل الإيراني بهدف الإنتقام من الهزيمة الكبرى التي أصابت الكيان الإسرائيلي في “طوفان الأقصى”.
على مدى أكثر من 80 يوماً، كانت إيران تعتمد قاعدة “الصبر الإستراتيجي” الذي تُجيده خصوصاً في مثل هذه الحالات، وهي جاهرت بعد اغتيال القيادي رضي الموسوي بأنها سوف ترد بشكل “ذكي”، بمعنی أن ردها “لن يكون كلاسيكياً ولا متهوراً ولا سريعاً ولا عاطفياً”، برغم خطورة الإستهداف
أكثر من ثمانين يوماً لم يتمكن خلالها الإحتلال الإسرائيلي من تحقيق أي من أهدافه التي رسمها للحرب علی قطاع غزة. لم يتمكن من “سحق حماس” ولا الإفراج عن الأسرى الإسرائيليين من دون عملية تبادل. كل الوعود التي أعطاها للجانب الأمريكي ولأصدقائه في المنطقة وخارجها ذهبت هباءً. كل المهل التي طلبها من الجانب الأمريكي لتحرير رهائنه بلغت الحائط المسدود. كل محاولات إستدراج الإدارة الأمريكية للتدخل بشكل مباشر في الحرب ضد حزب الله في لبنان وأنصار الله في اليمن والحشد الشعبي في العراق لم تفضِ إلى أي نتيجة، خصوصاً مع بدء العد العكسي للإنتخابات الرئاسية الأمريكية المقررة في خريف العام 2024.
يُدرك الجيش الإسرائيلي خطورة إستدراجه إلى حرب استنزاف طويلة المدى لا تنسجم مع طبيعة المعارك التي اعتاد خوضها منذ خمسين عاماً حتى يومنا هذا، حتی أن المصادر الأمريكية لا تُخفي قلق القادة العسكريين الأمريكيين الذين استقدموا من قاعدة الأسطول الخامس المتمركزة في البحرين لمساعدة حكومة الحرب العسكرية الإسرائيلية، من مآلات حرب غزة. زدْ علی ذلك، ما سبّبه دخول الحوثيين علی خط مراقبة السفن المتجهة للموانیء الإسرائيلية والأكلاف الباهظة التي تتحملها الملاحة المتجهة إلى أوروبا من خلال باب المندب مروراً بقناة السويس وانتهاء بالموانیء الأوروبية.
حتى الآن، معظم المؤشرات الواردة من واشنطن تفضي إلى أن الادارة الأمريكية ليست في وارد توسيع رقعة الحرب؛ وفي المقابل، تقول إيران إنها لا تريد ضبط ساعتها وفق توقيت تل أبيب ولا تريد العمل وفق الخيارات الإسرائيلية.
على مدى أكثر من 80 يوماً، كانت إيران تعتمد قاعدة “الصبر الإستراتيجي” الذي تُجيده خصوصاً في مثل هذه الحالات، وهي جاهرت بعد اغتيال القيادي رضي الموسوي بأنها سوف ترد بشكل “ذكي”، بمعنی أن ردها “لن يكون كلاسيكياً ولا متهوراً ولا سريعاً ولا عاطفياً”، برغم خطورة الإستهداف والتعاطف الكبير الذي لقيه رضي الموسوي من قبل الرئاسات الثلاث ومختلف الأوساط الرسمية والعسكرية والشعبية الإيرانية.
إن توقيت إغتيال رضي الموسوي يجب أن يُوضع في سياق مجريات الحرب علی غزة. وعلينا أن نتذكر أن القيادة الإسرائيلية تملك قائمة إغتيالات لقادة “حماس” وجنودها يقفون علی مقربة من المكان الذي يختفی فيه القيادي يحيی السنوار؛ كما تملك قائمة بقادة حركتي “حماس” و”الجهاد الإسلامي” في بيروت وفي أماكن أخری، ولكنه لم تتمكن من الوصول إلی أي من أهدافها حتى الآن..
وتقول المصادر الإيرانية إن استهداف الكيان الإسرائيلي لشخصية عسكرية إيرانية بحجم رضي الموسوي لا يخرج عن حدود الإستدراج وبالتالي التلاعب بالعواطف الإيرانية؛ وما غاب عن بال تل أبيب ان طهران ليست من الصنف التي يسهل التلاعب بعواطفها سواء بهذه الطريقة أو غيرها من الطرق، فالعقل الإيراني هو عقل بارد وصبور ولا يزيح قيد أنملة عن قراءة القيادة الإيرانية للمشهدين الدولي والإقليمي، كما أن هذه القراءة كانت تفترض أن حكومة الحرب الإسرائيلية “ربما تُقدم على عمل أمني كبير للتعويض من جهة، وإحداث هزة عسكرية أو أمنية في المنطقة من جهة ثانية، لعلها تستدرج الأمريكيين من خلالها للدخول في حرب ضد إيران أو أي من حلفائها في “محور المقاومة”، وهذه القراءة ما زالت قائمة لجهة الخشية من عمل أمني كبير هنا أو هناك من أجل توسيع رقعة الحرب”.
تختم المصادر الإيرانية بالقول إن طهران وحلفائها في حالة مراجعة ومراقبة وتقييم لكل معطيات السياسة والميدان.. وثمة هدف لا يمكن التراجع عنه ألا وهو إذلال الكيان من خلال فرض وقف إطلاق نار في غزة وخلق معادلات جديدة تنسجم مع الشرق الأوسط الجديد الذي تنادي به القيادة الإيرانية.