لا يبدو أننا وصلنا إلى هذه المرحلة، لكننا نقترب منها. وسنقترب أكثر كثيراً منها، إذا ما باتت إسرائيل في حالة حرب دائمة ليس فقط مع ثوار غزة والضفة الغربية على أرض فلسطين، بل أيضاً مع حركات المقاومة في لبنان وسوريا والعراق واليمن. إذ أن الدولة العبرية التي لطالما سجلّت الانتصارات في الحروب النظامية ضد الجيوش والأنظمة العربية، قد تفشل كلياً تقريباً في الانتصار على الحركات الشعبية العربية المسلحة (كما يحدث الآن في غزة، وكما حدث في 1982 وحقبة التسعينيات و2006 في لبنان، و2014 و2021 في غزة، و2023-2024 في اليمن والعراق). وحين يُصبح هذا الفشل الاستراتيجي جلياً، قد يبدأ العقل اليهودي العالمي في التفكير على نحو مختلف.
على أي حال، بواكير هذا التفكير برزت في الولايات المتحدة، حين بادرت كاتبة أميركية يهودية شجاعة إلى طرح المسألة مباشرة على يهود أميركا: عليكم الاختيار بين الصهيونية وبين الليبرالية.
علينا الانتظار لما قد يكون عليه موقف وخيارات كلارسفيلد ورهطه من اليمين العنصري اليهودي، حين يتكشّف تباعاً العجز الاستراتيجي التاريخي للصهيونية في معاركها الراهنة مع حركات المقاومة الشعبية في إقليم المشرق اللصيق للغاية بفرنسا المتوسطية
والآن، يتكرر الأمر نفسه في فرنسا الغارقة الآن في لجج انتخابات مصيرية. فيهود فرنسا الذين يُشكّلون أكبر جالية يهودية في أوروبا الغربية (نحو 450 ألف نسمة)، عليهم الاختيار الآن بين حزب “فرنسا الأبية” برئاسة جان لوك ميلانشون المُندّد باللاسامية ولكن الرافض للعرقبادة الصهيونية في فلسطين (أي مع الليبرالية ضد الصهيونية) وبين حزب التجمع القومي اليميني المتطرف الذي تأسس على قاعدة اللاسامية ويدّعي الآن أنه داعم لإسرائيل (أي مع الصهيونية ضد الليبرالية).
أكثر من عبّر عن هذا المأزق كان سيرج كلارسفيلد، اليهودي الفرنسي الذي اشتهر بأنه “صائد النازيين”. فقد أعلن كلارسفيلد هذا الأسبوع أنه حزم أمره: فإذا ما كان عليه الاختيار بين اليمين واليسار فسيختار اليمين لأنه يدعم اليهود ودولة إسرائيل. لكن هذا الموقف فجّر موجة سخرية في كل أنحاء فرنسا حيث تذكّر الكثيرون ما كتبه الرجل في العام 2022 (أي قبل سنتين فقط) في صحيفة “ليبراسيون” تحت عنوان: “لا للوبان (مارين لوبان زعيمة التجمع القومي)، إبنة العنصرية ومعاداة السامية”.
بكلمات أوضح: قرّر سيرج كلارسفيلد السباحة مع العنصرية اليمنية الفرنسية (تماماً كما فعلت الحركة الصهيونية حين تحالفت مع النازيين والفاشيين خلال ثلاثينيات القرن العشرين)، طالما أن هذه اللاسامية تعلن دعمها لإسرائيل.
لكن هذا يحدث الآن. وعلينا الانتظار لما قد يكون عليه موقف وخيارات كلارسفيلد ورهطه من اليمين العنصري اليهودي، حين يتكشّف تباعاً العجز الاستراتيجي التاريخي للصهيونية في معاركها الراهنة مع حركات المقاومة الشعبية في إقليم المشرق اللصيق للغاية بفرنسا المتوسطية.