نتنياهو يتلاعب بالسياسات الأميركية.. وهاريس تخشى من فيتنام جديدة

أقحم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو نفسه في المشهد السياسي الأميركي المتقلب، منذ محاولة اغتيال المرشح الجمهوري دونالد ترامب، وانسحاب الرئيس جو بايدن من السباق لتحل محله نائبته كامالا هاريس في ترؤس اللائحة الديموقراطية إلى انتخابات تشرين الثاني/نوفمبر المقبل.   

هذه الدورة من الخضّات الأمنية والسياسية التي تعيشها الولايات المتحدة وصفتها مجلة “الإيكونوميست” البريطانية بـ”الأسابيع اللينينية” للتدليل على تسارع الأحداث وتبدل سياقات السباق الانتخابي، في تكرار لانتخابات 1968 وما سبقها من اغتيالات وإضطرابات، أدت إلى خسارة الديموقراطيين ووصول الجمهوري ريتشارد نيكسون إلى البيت الأبيض.

وسط الغليان السياسي الأميركي، زار نتنياهو الولايات المتحدة جاعلاً من نفسه لاعباً أساسياً في ترجيح كفة هذا الفريق أو ذاك، أو بالأحرى وضع صوته في تصرف من يُزوّد إسرائيل بالسلاح الذي تحتاج وبالسرعة اللازمة، كي يحسم الحرب في غزة وعلى الجبهات الأخرى.

انسحاب بايدن من السباق وحلول هاريس محله، لم يكن ضمن حسابات نتنياهو عندما قرّر قبول الدعوة إلى القاء خطاب أمام الكونغرس للمرة الرابعة، متفوقاً على ونستون تشرشل. تغيير اللائحة الديموقراطية فرض على نتنياهو تعديلاً في خطابه بحيث لم يعد موقناً من النتائج ومن فوز مضمون لترامب كان يلوح في الأفق لو استمر بايدن في ترشحه، مخالفاً رغبة “الكبار” في الحزب الديموقراطي وممولي الحملة الديموقراطية.

جاء نتنياهو إلى الكونغرس ليُدرج حرب إسرائيل “على سبع جبهات” في سياق حرب دولية لا بد أن يترتب عليها نتائج دولية. من هنا إعادة التركيز على أن إيران هي خلف هذه الحرب، وأن إسرائيل تخوض الحرب نيابة عن أميركا والعالم “المتحضر” ضد “الهمجية”.

تُجمل صحيفة “الوول ستريت جورنال” الموقف على النحو الآتي: لقد سمع نتنياهو من الديموقراطيين والجمهوريين، أن الوقت قد حان لوقف القتال. فهل يتراجع هذه المرة؟

يستعيد نتنياهو بذلك، ما فعله آرييل شارون عندما زار الولايات المتحدة عام 1982 ليقنع وزير الخارجية الأميركي ألكسندر هيغ عامذاك بأن الاجتياح الإسرائيلي الذي كان على وشك التنفيذ لطرد منظمة التحرير الفلسطينية من بيروت، إنما يندرج في إطار تعزيز موقع الغرب في الحرب الباردة وتوجيه ضربة للاتحاد السوفياتي.

وبينما كان نتنياهو يتحدث في الكونغرس، انبرت وزارة الخارجية الإسرائيلية لتهاجم “اتفاق بكين” بين 14 فصيلاً لتشكيل حكومة وحدة وطنية في اليوم التالي للحرب في غزة. هذا التزامن لتذكير أميركا بأن الصين تتمدد في الشرق الأوسط، منذ نجاح وساطتها للتطبيع بين السعودية وإيران في آذار/مارس 2022.

وإذا كان هذا موقف نتنياهو الذي جاء أميركا يطلب سلاحاً وليس للحديث عن وقف النار، فإن المزعج في الرحلة كان الكلام الذي قالته هاريس عقب لقائها رئيس الوزراء الإسرائيلي، عن ضرورة وقف الحرب وليس وقف القتال فحسب، وعن التذكير بأن حل الدولتين هو الذي يضمن أمن إسرائيل، وبأن الفلسطينيين لهم الحق في التمتع بـ”الحرية”، وبأنها “لن تصمت على مآسي غزة”. لماذا قرّرت هاريس التمايز عن بايدن ولو في النبرة؟

تعلم نائبة الرئيس يقيناً أن سبيلها إلى استعادة التقدميين في الحزب الديموقراطي وأصوات العرب الأميركيين والشباب الذين نفروا من تأييد بايدن الأعمى لنتنياهو، يمر في غزة. من دون الأصوات التقدمية والعرب الأميركيين في ميشيغن وبنسلفانيا وويسكونسن، لن تصل هاريس إلى الرئاسة. في الأشهر الأخيرة، أظهرت استطلاعات الرأي أن ترامب يُوسّع الفارق في مواجهة بايدن في هذه الولايات، بسبب عدم ممارسته ما يكفي من الضغوط على نتنياهو ليقبل بوقف النار.

هذه الاعتبارات، فرضت على هاريس، وهي تشاهد الاحتجاجات أمام الكونغرس وأمام الفندق الذي نزل فيه الوفد الإسرائيلي، أن تغيب عن خطاب نتنياهو في الجلسة المشتركة لمجلسي الكونغرس والتذرع بحدث انتخابي للتغيب عن سماع “أسوأ خطاب” يُلقى في قاعة الكابيتول هيل، على ما قالت رئيسة مجلس النواب الأميركية السابقة نانسي بيلوسي.

ما يهم هاريس أيضاً، هو الحصول على وقف للنار قبل انعقاد المؤتمر الوطني للحزب الجمهوري في شيكاغو في أواسط آب/أغسطس المقبل، كي لا يتكرر مشهد مؤتمر شيكاغو عام 1968 الذي التأم على وقع اشتباكات بين الشرطة والمتظاهرين الذين كانون يحتجون على استمرار حرب فيتنام.

يُقال أن الرئيس ليندون جونسون سعى إلى تحقيق إنفراجة في حرب فيتنام كي يترشح لولاية ثانية. وعندما عجز عن ذلك آثر عدم خوض السباق واختار نائبه هيوبرت همفري ليحل محله بعد اغتيال السناتور روبرت كينيدي الذي كان في طريقه للفوز بالترشيح. وجاء اختيار همفري لأنه كان من المؤيدين للحرب، بينما كان نيكسون يُنادي بوقف الحرب.. وبالطبع لم يوقف نيكسون الحرب إلا في العام 1973.

تحاول هاريس الاستفادة من عِبر التاريخ، والضغط على نتنياهو لوقف الحرب، من دون ضمان امكانية النجاح، نظراً إلى رهن نتنياهو بقائه السياسي باستمرار القتال وربما توسيعه في مرحلة ما ليشمل جبهات أخرى، وهو ما بيّنته الوقائع المتدحرجة إثر حادثة سقوط الصاروخ على مجدل شمس في الجولان السوري المحتل.

إقرأ على موقع 180  "ديبلوماسية الزلازل".. تحت سقف الحصار؟

وما افتقده نتنياهو لدى كامالا هاريس، سعى إلى العثور عليه في اللقاء مع ترامب، الذي سرعان ما انتقد تصريحاته “غير المحترمة” حيال أقوى حليف للولايات المتحدة في الشرق الأوسط. وهذا اللقاء الأول بينهما منذ 4 أعوام تخللها اتهام الرئيس السابق لنتنياهو بأنه “ناكر للجميل”، بسبب مسارعته إلى تهنئة بايدن على الفوز في انتخابات 2020 بينما كان ترامب يسعى إلى قلب النتائج.

وعلى رغم ذلك، كان لافتاً للانتباه تشديد ترامب أمام نتنياهو على ضرورة انهاء الحرب بسرعة وقال إنه سيعمل على احلال السلام في الشرق الأوسط في حال فوزه في الانتخابات. ربما لم يكن هذا ما يريد رئيس الوزراء الإسرائيلي سماعه، وإنما الحصول على ثناء من المرشح الجمهوري لموقفه المتمسك بمواصلة القتال واطلاق التهديدات ضد إيران.

ما يهم هاريس أيضاً، هو الحصول على وقف للنار قبل انعقاد المؤتمر الوطني للحزب الجمهوري في شيكاغو في أواسط آب/أغسطس المقبل، كي لا يتكرر مشهد مؤتمر شيكاغو عام 1968 الذي التأم على وقع اشتباكات بين الشرطة والمتظاهرين الذين كانون يحتجون على استمرار حرب فيتنام

تُجمل صحيفة “الوول ستريت جورنال” الموقف على النحو الآتي: لقد سمع نتنياهو من الديموقراطيين والجمهوريين، أن الوقت قد حان لوقف القتال. فهل يتراجع هذه المرة؟

يشيع المسؤولون الأميركيون أن المفاوضات لوقف النار وتبادل الأسرى أضحت في الأمتار العشرة الأخيرة وأن الفجوات بين الجانبين يمكن جسرها. ويقول الوسطاء العرب إن عدداً من القضايا ما تزال موضع خلاف، بما في ذلك عدد الأسرى الإسرائيليين الأحياء الذين سيفرج عنهم، والحدود بين قطاع غزة ومصر، وما إذا كانت إسرائيل تملك حق “الفيتو” على من هم الأسرى الفلسطينيون الذين سيطلقون بموجب الاتفاق، وهل سيكون في امكان إسرائيل استئناف الحرب بعد المرحلة الأولى من الصفقة التي تضم ثلاث مراحل.

ومصدر التفاؤل الأميركي يعود إلى عطلة الكنيست اعتباراً من مطلع الأسبوع لمدة ثلاثة أشهر، وتالياً هذا ما يضمن لنتنياهو عدم سقوط حكومته حتى لو استقال منها الوزيران المتشددان إيتامار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، اللذان يُهدّدان بإسقاط الإئتلاف الحكومي إذا وافق نتنياهو على وقف النار.

لكن هذا ليس كل شيء. فلا يزال نتنياهو يراهن على الوقت، ومن المقرر أن يرسل رئيس “الموساد” ديفيد برنياع اليوم (الأحد) إلى روما للقاء مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية وليم بيرنز ورئيس الوزراء القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني ورئيس جهاز المخابرات المصرية العامة عباس كامل، للبحث في استراتيجية التفاوض وليس على تفاصيل التفاوض.. وهذا دليل آخر، على أن نتنياهو لم يتخذ قراراً بوقف الحرب بعد.

Print Friendly, PDF & Email
سميح صعب

كاتب وصحافي، لبنان

Download Best WordPress Themes Free Download
Download Nulled WordPress Themes
Download Best WordPress Themes Free Download
Free Download WordPress Themes
free download udemy paid course
إقرأ على موقع 180  2023.. يرث حروباً وأزمات غيّرت وجه العالم