سوريا.. مسرح للصراع الأمريكي-الصيني

عندما أعلن الأدميرال الأمريكي ألفريد ماهان في العام 1902، أن "البحر الأبيض المتوسط سيكون ملكًا لسيد واحد، وسيقع تحت هيمنة قوة مهيمنة ستدفع بمزاياها في جميع الاتجاهات، أو سيكون مسرحًا لصراع دائم"، لم يكن يطلق نبوءة، بل إشارة إلى أهمية البحر المتوسط كمسرح للتنافس والصراع على النفوذ.

تتخذ الصراعات في القرن الحادي والعشرين أبعاداً جيو-إقتصادية تدخل في صميمها حروب الممرات الإقتصادية، المرافئ، أنابيب الغاز وطرق تصديرها وغيرها..

إنطلاقاً من ذلك، لا يُمكن تحييد الصراع الدولي الحاصل بين الولايات المتحدة الأميريكية والصين عمّا يجري في منطقة تتزاحم فيها التوترات الجيوسياسية والحروب الإقتصادية.

بالنسبة للولايات المتحدة، تُمثّل منطقة الشرق الأوسط واحدة من أهمّ مناطق النفوذ الجيوسياسية والجيوإقتصادية، ومن حرصها على بقائها في البحر المتوسط عبر القواعد العسكرية (الأسطول السادس) بما يسمح لها بارسال تعزيزات بحرية محتملة إلى المحيطين الهندي والهادئ بأسرع وقت ممكن، فضلاً عن حماية مصالحها النفطية في المنطقة من جهة وحماية إسرائيل من جهة ثانية كأولوية لا تتقدم عليها أولوية ثانية.

بالنسبة للصين، تتحدد الأهمية الاستراتيجية للمنطقة وفق محورين أساسيّين: أوّلهما اختراق الأسواق القارية عبر ربط المرافئ بطريق الحرير البحري للقرن الحادي والعشرين (MSR21) التي أطلقتها في العام 2017 والتي تعتبر جزءاً من “الحزام والطريق” (2013) لتسهيل نقل البضائع ومرورها بأمان، وثانيهما تحديد المناطق النفطية لبعض البلدان في المنطقة ( قبرص، لبنان، سوريا، إسرائيل، تركيا ومصر..) وضمان طرق إمدادات النفط والغاز لتسهيل مرور السفن النفطية والتجارية إلى بحر الصين الجنوبي ومنها إلى المرافئ الصينية.

هل ستستمر الصين بالوقوف مكتوفة اليدين بعد انكشاف محاولات إبعادها عن المنطقة بدءاً من مرافىء حيفا مروراً بمرفأ بيروت وصولاً إلى مرفأ اللاذقية؟

ما علاقة التنافس الأمريكي الصيني بما يجري من أحداث زلزالية على أرض سوريا؟

لن يقتصر الأمر في سوريا على سقوط نظام وولادة نظام جديد. ثمة هزات جيوسياسية كبيرة نسبة لموقع سوريا الجيوستراتيجي كممر إقتصادي لمنطقة الشرق الأوسط والبوابة التجارية والنفطية نحو البحر المتوسط. يرتبط تفسير هذا الصراع بجزء كبير منه بالممر الإقتصادي لطريق الحرير الصيني وخصوصاً بعد استبعاد بكين عن مرفأ حيفا بضغط من الولايات المتحدة وبعدم قدرتها السياسية على الاستثمار في مرفأ بيروت لأسباب داخلية لبنانية وأخرى خارجية (الضغطان الأمريكي والفرنسي). في حين لم يبقَ لها إلا منفذ مرفأ اللاذقية المرتبط ارتباطاً وثيقاً بالطريق الدولي المسمّى طريق M4.

فما أهمية هذا الطريق للمشروع الصيني؟

يُعتبر هذا الطريق من أهم الطرق البرية في سوريا. يبدأ من معبر ربيعة ويمر في شمال سوريا بمحاذاة مدينة القامشلي وببلدة تل تمر وصولاً إلى بلدة عين عيسى، منبج والباب وصولاً إلى حلب مروراً بسراقب وأريحا وصولاً إلى مرفأ اللاذقية.

في هذا السياق، كانت الحكومة السورية قد سعت إلى تفعيل علاقاتها مع الحكومة الصينية، فقامت “هيئة التخطيط والتعاون الدولي” في سوريا (ممثلة بفادي سلطي الخليل) بالتوقيع على مذكرة تفاهم مع الصين تقضي بانضمام سوريا رسمياً إلى مبادرة “الحزام والطريق” في 6 كانون الثاني/يناير 2022. “إنّ طريق الحرير لا يكون طريق الحرير إذا لم يمرّ بسوريا”. هذا ما أكّدت عليه حينذاك مستشارة الرئيس السوري المخلوع بثينة شعبان.

بالتوازي، تحاول الحكومة الصينية اغتنام أي فرصة لربط الخطوط البرية – البحرية الثلاثية بين إيران والعراق وسوريا لتُصبح هذه الأخيرة موقعاً جيو-إقتصادياً لها يبدأ من طريق شنغهاي مروراً بإيران فالعراق فالطريق الدولي M4 الذي أشرنا إلى أهميته سابقاً وصولاً إلى مرفأ اللاذقية. وهنا تنبري أهمية تحقيق المصالح المشتركة والمنفعة المتبادلة بين البلدين وفق التوصيف الصيني.

من هو المتضرر الرئيسي من هذا المشروع الجيوسياسي إذا تحقق سواء في زمن النظام السوري السابق أو القادم؟

إنّها الولايات المتحدة الأمريكية. لماذا؟ لأن المشروع سيُشكّل ضربة قاضية لمشروع الشرق الأوسط الكبير. لذا، لن تسمح الولايات المتحدة للصين بالتسلل الإقتصادي إلى المنطقة من البوابة السورية، كما لن تسمح لها بالوصول إلى منافذ البحر المتوسط لتتسيّد على “ريملاند” شرق البحر المتوسط، الأمر الذي قد يُهدّد نفوذها ويُحدث اختلالاً في موازين القوى الإقليمية في المنطقة مثلما “تهدد أمن أسبارطا بعد تصاعد قوة أثينا” (الحرب البيلوبونيزية).

بالنسبة للولايات المتحدة (وتركيا وإسرائيل طبعاً)، هذا هو التوقيت المناسب لإزاحة نظام بشار الأسد وانهاء النفوذ الإيراني والروسي وقطع الطريق على أي نفوذ صيني محتمل مستقبلا من خلال السيطرة على المعبر الدولي M4، ومن خلاله التمدد في المشرق العربي برمته.

هنا، ينبري السؤال الآتي: هل ستستمر الصين بالوقوف مكتوفة اليدين بعد انكشاف محاولات إبعادها عن المنطقة بدءاً من مرافىء حيفا مروراً بمرفأ بيروت وصولاً إلى مرفأ اللاذقية؟

من يسيطر على منافذ منطقة الشرق الأوسط وبوابة البحر المتوسط سيتحكّم بالإقتصاد الإقليمي ويسيطر على جزء أساسي من البحر المتوسط لأعوام طويلة.

Print Friendly, PDF & Email
إقرأ على موقع 180  تفاقم الخوف على الديموقراطية في أمريكا
Premium WordPress Themes Download
Premium WordPress Themes Download
Free Download WordPress Themes
Download Premium WordPress Themes Free
free online course
إقرأ على موقع 180  إنقاذ لبنان.. بتجاوز لغم فدرالية المذهبيات السياسية