حرب السبع جبهات إسرائيلياً.. ماذا بعد والغلبة لمن؟

اختلفت صورة بنيامين نتنياهو عندما ظهر إثر "طوفان الأقصى" في٧ أكتوبر ٢٠٢٣، شاحب الوجه مكسور الخاطر، يُخفي نية الانتقام؛ عن صورته وهو مغتبط باغتيال السيد حسن نصرالله ومن بعدها يغمره الفرح بسقوط النظام السوري وأخيراً مزهواً باستهداف إيران واستدراج الأميركيين إلى الحرب التي يشتهيها منذ سنوات.

وما بين صورته الأولى وصوره اللاحقة، ثمة حرب عمرها نحو سنتين، خاضها نتنياهو على سبع جبهات:

أولاً؛ جبهة غزة:

تمكنت إسرائيل مستندة إلى تفوقها التكنولوجي وأسلحتها المتطورة الفتّاكة من تدمير معظم مدن وقرى ومخيمات قطاع غزة وقتل أكثر من إثنين وستين ألفاً غالبيتهم من المدنيين. كما استطاعت اغتيال قادة حمساويين في غزة أبرزهم يحيى السنوار ومحمد ضيف ومروان عيسى وقادة في الحركة خارج غزة أبرزهم إسماعيل هنية وصالح العاروري. دمّرت المستشفيات والمدارس والجامعات ودور العبادة والمرافق الحكومية ومصادر الطاقة والمجمعات السكنية وفرضت حصاراً محكماً ومنعت دخول الإمدادات الطبية والغذائية وتسببت بتجويع السكان الذي قضى المئات منهم جوعاً. برغم ذلك لم تتمكن إسرائيل من تحقيق هدفيها المعلنين منذ بداية الحرب: الإفراج عن الرهائن بالقوة وتدمير حركة حماس.. وما زالت حربها قائمة.

ثانياً؛ الضفة الغربية: 

تمكنت إسرائيل من تدمير مخيمات شمال الضفة في جنين وطولكرم وتهجير سكانها لكنها لم تخمد المقاومة فتكرّرت عمليات الذئاب المنفردة بين وقت وآخر وألزمت إسرائيل باستمرار الحذر الأمني في أنحاء الضفة الغربية. يلعب التنسيق الامني مع السلطة الفلسطينية دوراً هاماً في الوقاية من عمليات المقاومة وفي ملاحقة المقاومين.

ثالثاً؛ لبنان:

تصاعدت منذ أيلول/سبتمبر ٢٠٢٤ الهجمات الإسرائيلية وأبرزها مفاجأة تفجيرات أجهزة “البيجرز” واللاسلكي في ٧ و ٨ أيلول/سبتمبر واغتيال عدد من كبار قادة حزب الله وصولاً إلى اغتيال الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله والأمين العام من بعده السيد هاشم صفي الدين، فضلاً عن قادة “قوة الرضوان”.

وفي الأول من تشرين الأول/أكتوبر ٢٠٢٤ بدأت إسرائيل هجوماً برياً على لبنان. نشب قتال عنيف استمر لغاية ٢٧ تشرين الثاني/نوفمبر موعد إعلان وقف الأعمال العدائية الصادر عن فرنسا والولايات المتحدة. برغم الهجمات العنيفة التي شنتها وحدات النخبة الإسرائيلية مدعومة بقصف جوي عنيف لم تتمكن من التوغل في عمق منطقة جنوب نهر الليطاني، إلى أن تمكنت من السيطرة على العديد من النقاط والقرى في الحافة الجنوبية بعد سريان مفعول وقف النار.

لم تلتزم إسرائيل بوقف الأعمال العدائية في لبنان واستمرت لتاريخه بهجماتها وفي المقابل التزم حزب الله وما يزال مستمراً بالاتفاق بسبب حاجته لترميم بنيته القيادية ووحداته ونظراً لثقل الخسائر بين المدنيين والدمار الذي لحق بالمدن والقرى في الجنوب والبقاع على وجه الخصوص، فضلاً عن الضاحية الجنوبية وبيروت وباقي مناطق لبنان.

لم تتمكن إسرائيل عملياً من القضاء على قوة حزب الله وثمة تقديرات إسرائيلية بأن الحزب فقد ٦٥٪؜ من قدراته التسليحية، ما يعني أن الثلث المتبقي ما زال يشكل خطراً على إسرائيل. تبذل إسرائيل والولايات المتحدة جهوداً كبيرة للقضاء على هذه القدرات تحت شعار تسليمها للدولة اللبنانية. حقّقت هذه المحاولات بعض التقدم السياسي ولا سيما من خلال قرار الحكومة اللبنانية القاضي بنزع سلاح حزب الله. وحتى الآن، يبدو تحقيق هذا الهدف بعيد المنال بسبب عدم قدرة الدولة ولا أي فريق داخلي على نزع السلاح إلا إذا أقدمت إسرائيل مجدداً على شن حرب ضد لبنان من غير الواضح ما إذا كانت مستعدة لها أم أنها تحتاج لوقت طويل.

رابعاً؛ اليمن: 

بدأت حرب إسناد يمنية مفاجئة بفرض حصار بحري على السفن المرتبطة بإسرائيل في البحر الأحمر وباب المندب وخليج عدن نتج عنها اغلاق مرفأ إيلات وخسارة اقتصادية وسياسية لإسرائيل وحلفائها.

انشأت الولايات المتحدة تحالفاً بحرياً أسمته “حارس الازدهار” لفتح باب المندب أمام الملاحة، وقامت الولايات المتحدة وبريطانيا ومن بعدها إسرائيل بقصف مواقع يمنية ومنشآت نفطية واقتصادية في الحديدة ورأس عيسى من دون أن يوقف اليمنيون اعتراضهم للسفن المتوجهة لإسرائيل.

فور تسلمه صلاحياته الدستورية مطلع هذه السنة، أعطى الرئيس الأميركي دونالد ترامب أوامره بشن هجمات جوية أميركية غير مسبوقة لمدة أكثر من شهر ليخرج بعدها ترامب للقول إنه أنفق أكثر من مليار دولار على الحرب مع اليمن وتوسط لدى سلطنة عمان وأوقف الحرب بعدما منحه اليمنيون المرور الآمن للسفن الأميركية ولم تتأثر العمليات البحرية لليمنيين واستمروا في إطلاق الصواريخ والمسيرات على الداخل الإسرائيلي. ما تزال طائرات إسرائيل تهاجم أهدافاً يمنية على بعد أكثر من ألفي كلم مستخدمة التزود بالوقود جواً وهذا ما ينهك تل أبيب، فضلاً عن استخدام قواتها البحرية في هجماتها.

خامساً؛ العراق:

نفذت فصائل “المقاومة الإسلامية في العراق” عمليات عسكرية ضد القوات الأميركية المنتشرة كما أطلقت مسيرات باتجاه إسرائيل. وكان الإسناد العراقي محدوداً بسبب البعد الجغرافي. كما أن الحكومة العراقية اتجهت للتفاوض مع الولايات المتحدة لسحب قواتها من العراق. توقفت أعمال المقاومة العراقية من دون إعلان انتهائها.

سادساً؛ سوريا:

على مدى نحو عشر سنوات استمرت الطائرات الإسرائيلية بقصف أهداف في سوريا تدعي انها لإيران وحزب الله وشمل القصف القنصلية الإيرانية في دمشق في العام 2024، إلا أن الجبهة السورية لم تكن جبهة إسناد لأن الحرب الداخلية أنهكت الجيش السوري الكبير وشلّت حركته. نجحت تركيا بشراكتها مع الولايات المتحدة وإسرائيل ودول اقليمية في اسقاط النظام السوري بشكل مفاجئ، ومن ثم التخلص من الخطر السوري لفترة طويلة بعد تدمير جميع القواعد الجوية والبحرية والمراكز والمنشآت العسكرية، وباتت يد إسرائيل طليقة في التدخل في أي مكان في سوريا تشعر أنه قد يُشكّل خطراً عليها.

إقرأ على موقع 180  صور القمة الخليجية.. ظلال وتساؤلات

سابعاً؛ إيران:

تعتبر إسرائيل أن إيران هي العدو الأول والأخطر. وتعتبر أن المقاومة الفلسطينية (حماس والجهاد الإسلامي وفصائل أخرى) وحزب الله يأتمرون بأوامر إيران. منذ بداية الأحداث السورية في العام 2011، نظرت إسرائيل إلى التدخل الإيراني في سوريا باعتباره يُشكّل خطراً استراتيجياً، ولطالما قصفت الطائرات الإسرائيلية أهدافاً لإيران وحزب الله في سوريا. كانت ذروة التدخل قصف القنصلية الإيرانية في دمشق حيث قرّرت إيران الرد بعملية الوعد الصادق واحد في أول هجوم بالصواريخ والمسيرات ينطلق من دولة ويعبر أجواء دولتين ليصل إلى الدولة – الهدف.

ردّت إسرائيل بقصف مطار أصفهان من مُسيرات أطلقت من الداخل الإيراني.

ظهرت إمكانيات إسرائيل الاستخبارية عندما اغتالت إسماعيل هنية في مقر إقامته في طهران.

وفي الأول من أكتوبر/تشرين الأول، نفذت إيران ضربة صاروخية ضد أهداف عسكرية داخل إسرائيل عرفت بالوعد الصادق اثنين مستخدمة للمرة الأولى صواريخ فرط صوتية.

ردّت إسرائيل مجدداً بتنفيذ هجوم جوي وقصفت أهدافاً على مقربة من طهران بينها وسائل دفاع جوي إيرانية.

المواجهة الكبرى حصلت في ١٣ يونيو/حزيران ٢٠٢٥ عندما قامت إسرائيل بهجوم منسق من الجو ضد أهداف عسكرية ومفاعلات نووية في ناطنز وأصفهان وفوردو رافقه هجوم بالمسيرات استهدف عدداً من كبار قادة الجيش والحرس الثوري والاستخبارات والعلماء النوويين في طهران وأنحاء مختلفة من إيران. بدأت الحرب في توقيت مفاجئ وعملية خداع وتضليل مارسها الرئيس الأميركي الذي أعلن عن استئناف المفاوضات مع إيران في مسقط في ١٥ يونيو/حزيران، وأوعز إلى إسرائيل بالهجوم قبل يومين مفاجئاً بذلك القيادة الإيرانية.

برغم قساوة الضربة وفداحة الخسائر، تمكنت إيران من الرد بإطلاق صواريخ باليستية على أهداف في داخل إسرائيل وأصابتها بأضرار بالغة للمرة الأولى في تاريخ النزاع مع إسرائيل.

ساعدت الولايات المتحدة إسرائيل وشاركت في قصف مفاعل فوردو وتسببت بدمار كبير لكن مصير المفاعل من الداخل ومصير كميات اليورانيوم المخصبة بنسبة ٦٠٪؜ (نحو ٤٠٠ كلغ) وكمية أخرى بنسبة ٢٠٪؜ ( نحو ١٠٠٠ كلغ) بقي مجهولاً وبالتالي ما زال النزاع قائماً. بعد ١٢ يوماً من المواجهات حصل وقف لإطلاق النار وما زال احتمال استئناف الأعمال الحربية وارداً بين الجانبين.

حصيلة الجبهات

من أصل سبع جبهات أوقفت إسرائيل ملف جبهة سوريا تماماً وجبهة العراق جزئياً وما زالت الجبهات الخمس الباقية تشكل خطراً داهماً على الأمن الإسرائيلي: حرب مستمرة في غزة واضطرابات في الضفة وهاجس من حزب الله في لبنان وهاجس الصواريخ البالستية والقدرات النووية في إيران واستعصاء اخضاع اليمن.

خاض نتنياهو حروبه متأثراً بإعلان ترامب تأييده لفكرة التوسع الإسرائيلي والتي عبر عنها في ١٦ آب/أغسطس ٢٠٢٤ خلال حملته الانتخابية قائلاً: “عندما أنظر إلى خريطة الشرق الأوسط، أجد إسرائيل بقعة صغيرة جداً. في الحقيقة، قلت هل من طريقة للحصول على المزيد من المساحات؟ إنها صغيرة جداً”.. وفي هذا دعوة صريحة للتوسع الإسرائيلي.

فما كان من نتنياهو إلا أن انطلق في التوسع على جميع الجبهات وصعّد في تهديد الدول العربية والإسلامية وشعوبها عندما قال في حديث لتلفزيون i24: “أشعر أنني في مهمة تاريخية وروحانية، فأنا مرتبط جداً برؤية إسرائيل الكبرى التي تشمل فلسطين والأردن وسوريا ولبنان وجزءاً من مصر والعراق والسعودية”.

أفرطت إسرائيل في التوسع في فضاء جغرافي شاسع كسبت فيه معارك تكتيكية وحققت نصراً عسكرياً ومعنوياً كبيراً. لكن في الجغرافيا، التي لا تكذب ويستحيل تزويرها، تبدو إسرائيل عاجزة عن احتلال هذه المساحات أو السيطرة عليها وتثبيت مكاسبها.

مهما تعاظمت القوة الإسرائيلية يبقى لها حدود يستحيل تجاوزها بسبب العوامل الجغرافية والديموغرافية، إذ لا تزال خمس جبهات من أصل سبع مفتوحة وهي ما تزال غير مقبولة عربياً برغم اتفاقات السلام والتطبيع.

لقد سبق أن هاجم نابليون وهتلر روسيا وتقدما في داخلها وحققا انتصارات كبيرة لكن الجغرافيا الطبيعية والسياسية هزمتهما. كما أن اليابان التي كانت تحتل قسماً كبيراً من روسيا والصين والفيليبين سرعان ما ضمرت بعد الحرب العالمية الثانية وتراجعت إلى الجزر.

في المواجهات الكبرى تكون الغلبة للجغرافيا ولن يكون مصير إسرائيل مختلفاً عن مصير التوسعات المذكورة والمتناقضة مع الجغرافيا.

هل يعني ذلك أن المنحى التنازلي لإسرائيل آخذ بالانحدار؟

الجبهة الداخلية مضطربة وصورة إسرائيل في العالم تلطخت وبانت على حقيقتها العنصرية العدوانية ولنا أن نتوقع أن تكون صورة نتنياهو الأخيرة شبيهة بملامح صورته الأولى في يوم “طوفان الأقصى”.

Print Friendly, PDF & Email
إلياس فرحات

عميد ركن متقاعد

Download Premium WordPress Themes Free
Premium WordPress Themes Download
Download Premium WordPress Themes Free
Free Download WordPress Themes
udemy paid course free download
إقرأ على موقع 180  مصر وهمُ الأمن القومي تجاه أخطر "إنزال" عثماني..