قرار إسرائيل في “كريات غات”.. لا في “الكرياه”!

تنطبق مقولة "من يصلح للتدمير لا يصلح للتعمير"، على رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، بنسبة مليون في المئة، خصوصاً أن الأخير لا تنطبق عليه صفة مدمر وحسب، إنما قائد أفظع وأطول إبادة إنسانية في التاريخ.

عرب.. في كريات غات

فَهِمَ الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، هذا المعطى جيداً، لذلك شمّر وإدارته عن سواعدهم وازاحوا “بيبي” وزمرته المسيانية جانباً. سابقاً كان مركز القيادة والسيطرة في “الكرياه” في قلب تل أبيب، ويضم مكتب رئيس الوزراء ووزير الدفاع ورئيس الأركان، ومنه يدار الجيش الإسرائيلي في حالات السلم والطوارئ.. وفيه أيضاً “الحفرة”، وهي منطقة سرية تقع تحت الأرض، قديماً كان يطلق عليها اسم “البئر”، وقد بُنيت من جدران خرسانية مكشوفة بممرات ضيقة، ولاحقاً أطلق عليها اسم “قلعة صهيون”، وتجاوزت مساحتها 10 آلاف متر مربع. حالياً صار مركز القيادة في كريات غات في القدس. حيث أُقيم مقرّ القيادة الأميركية لتطبيق خطة السلام التي وضعها الرئيس الاميركي، ويتكوّن هذا المقرّ من هنغار واسع يضمّ منشأة أمنية محصّنة، يتواجد فيها مئات الموظفين والجنود الأميركيين، مهمتهم مراقبة تنفيذ خطة ترامب. ويعمل إلى جانبهم ممثلون عن دول أوروبية وعربية، للتأكد من أن الخطة تتقدم نحو هدفها النهائي؛ العودة إلى مسار حلّ الدولتين.

ويرى دورون هدار في “يديعوت أحرنوت”، أن التقارير التي تشير إلى أن عملاً ميدانياً مكثّفاً يُجرى في كريات غات تتزايد، بينما يُلاحَظ تراجع في حجم النشاط في مقرّ القيادة في تل أبيب وفي مجمّع الحكومة في القدس، ويعتبر أن تفوُّق المقرّ في كريات غات على المقرّات الإسرائيلية الأُخرى “يثير قلقاً من ناحية قدرة إسرائيل على السيطرة على العملية وصوغ مصالحها الوطنية”.

“المحتال”

من جهته، يقول نحمايا شتراسلر في مقالة له في “هآرتس”، إن” الرئيس الأميركي قرر انتزاع السيادة من نتنياهو، مباشرةً بعد محاولة الاغتيال الفاشلة لقيادات حركة “حماس” في قطر، لقد أدرك أن نتنياهو يريد مواصلة الحرب إلى ما لا نهاية، ففرض عليه اتفاق وقف إطلاق النار. وعندما تبين له أن “بيبي” لا يريد المضي في المرحلة الثانية من الاتفاق، أرسل جسراً جوياً من كبار مسؤولي إدارته للإشراف على “المحتال” عن قُرب”.

ويضيف الكاتب، بأن “ترامب لم يتردد في إهانة نتنياهو علناً. فأجبره على إعادة طائرات الهجوم وهي فوق أجواء طهران، وفرض عليه الاعتذار علناً من أمير قطر تميم بن حمد آل ثاني. وفي مقابلة مع مجلة “تايم”، قال إنه لولا تدخّله “لَواصل بيبي الحرب أعواماً”. أمّا عن حلم نتنياهو بضم أراضٍ في الضفة الغربية، فقال بفظاظة: “هذا لن يحدث، لقد أعطيت كلمتي للدول العربية… وإن حدث ذلك، فستفقد إسرائيل كل دعمها من الولايات المتحدة”. ويختم شتراسلر مقالته بأن” قائمة إخفاقات بنيامين نتنياهو، تتسع يوماً بعد يوم. لقد بدأت هذه القائمة بمسؤوليته العليا عن “مجزرة” السابع من تشرين الأول/أكتوبر، وتفاقمت بسبب فشله في حسم المعركة ضد “حماس” خلال الحرب التي طالت أكثر من اللازم، وتستمر الآن في تحوُّلنا إلى دولة تابعة للولايات المتحدة. فالقرارات تُتخذ في واشنطن، ولم يبقَ هنا سوى التنفيذ”.

ركلة واحدة!

وفي نفس السياق، يقول يسرائيل زيف في مقالة له في موقع “قناة N12″، “إن خطاب العفو المهين لترامب في الكنيست، نزَع عنه (نتنياهو) سلطته ومبادرته وسيطرته على الوضع في غزة تماماً. لقد انتهى عامان من الحرب والتكاليف الهائلة بفشل كامل، بدلاً من النصر الحاسم. كان المشهد محرجاً وشديد الإذلال في جلسة الكنيست، حيث جعل ترامب نتنياهو أضحوكةً لدى طلب العفو. إن رؤية نتنياهو وحكومته يصفقان كرعايا لملكٍ أوقف بركلة واحدة من قدمه حملة النصر الديماغوجية، كانت أمراً مخجلاً للغاية”.

ويشير الكاتب، بأنه كان بإمكان نتنياهو تجنب هذه المذلة حين كانت إسرائيل لا تزال ذات صلة، قبل الموقف الأميركي، “كان في إمكانها أن تبادر وتملي الشروط كجهة منتصرة، فلو أنها تصرفت بعقلانية قبل عام، أو حتى في آذار/مارس الماضي، وطبّقت خطة “اليوم التالي”، عندها كان يمكن أن يبدو كل شيء مختلفاً وأفضل كثيراً، إذ كانت أدوات الضغط في يدها، و”حماس” في موقع الضعف تضطر إلى مغادرة غزة، بما في ذلك احتمال العودة إلى القتال، فضلاً عن أن العالم بأسره كان سيقف وراءها ويدعم مطالبها، إذ كان النصر الحقيقي في متناولها من دون إملاءات، أو إذلال، مثلما هي الحال عليه اليوم”.

سلطة راعية

في المقابل، يُخفّف الباحثان في “معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي” كوبي ميخائيل وعوفر غوتمان من وطأة الحالة التي بلغتها إسرائيل، بقولهما: “في هذه المرحلة الزمنية، ليس واضحاً إلى أيّ مدى يلتزم الرئيس ترامب ويملك الحسم لدفع تنفيذ المخطط الذي عرضه بكل مراحله. لذلك، ينبغي أن تكون فرضية العمل الإسرائيلية أنّه من دون انخراط شخصي وعزيمة مستمرة من الرئيس ترامب، لن يُنفَذ المخطط. وعلى إسرائيل أن تسعى لتنسيق وثيق وقريب قدر الإمكان معه ومع فريقه المقرّب، لتفادي حالات ربما يفرض فيها على إسرائيل خطوات إشكالية أو يتعامل معها كالتابع الخاضع لسلطة راعية”.

إقرأ على موقع 180  "هآرتس": تكلفة الصفقة الإسرائيلية السعودية "باهظة جداً" أميركياً

ويدعو الباحثان إلى “أن تبادر إسرائيل من الآن إلى العمل على تهيئة الأوضاع لتنفيذ البندين 16 و17 من المخطّط، اللذين يتناولان إمكان تشكيل حكومة تكنوقراط فلسطينية وقوة استقرار دولية (ISF) تُنشأ في المناطق التي لا وجود فيها لـ”حماس”، تحت إشراف مجلس السلام برئاسة الرئيس ترامب وبإدارة طوني بلير”.

أحلام اليمين المتطرف

بدوره، الصحفي إيلي بكار، ينظر إلى الموضوع من زاوية مختلفة، في مقالة له في “يديعوت أحرنوت”، ويقول: “لقد توقفت الحرب في غزة تحت ضغط أميركي قوي، ومعها انهارت نهائياً أحلام الطرد الجماعي للفلسطينيين من غزة إلى دول أُخرى، فضلاً عن أن خطة ترامب تعترف، بصراحة، بدور السلطة الفلسطينية في استعادة السيطرة على قطاع غزة، بشرط أن تقوم بإصلاحات، وبذلك سقطت أيضاً سياسة الفصل بين غزة والضفة الغربية. وتنص الخطة، بوضوح، على أنه يتعيّن على إسرائيل والفلسطينيين الدخول في حوار بشأن الأفق السياسي الذي يهدف إلى الاعتراف بالطموح الفلسطيني إلى إقامة دولة. علاوةً على ذلك، ردّ ترامب بحزم وقوة على مشروع قانون فرض السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية، وقال إنه لن يكون هناك أي ضم”.

ويضيف الكاتب، “إن الوضع الراهن يقلب خطط اليمين المتطرف كلها، رأساً على عقب، التي أفضل مَن يعبّر عنها الوزير (بتسلئيل) سموتريتش، وأساسها طرد الفلسطينيين من قطاع غزة، وربما من الضفة الغربية في المستقبل، وضم الأراضي [الفلسطينية المحتلة] إلى إسرائيل وزرعها بالمستوطنات”. (المصدر: مؤسسة الدراسات الفلسطينية ومواقع عربية تترجم من العبري إلى العربي).

Print Friendly, PDF & Email
مهدي عقيل

أستاذ جامعي، كاتب لبناني

Download Premium WordPress Themes Free
Free Download WordPress Themes
Free Download WordPress Themes
Download WordPress Themes Free
free online course
إقرأ على موقع 180  أيُّ نظام مصرفي للبنان في هذه المرحلة الإنتقالية؟