ماذا يعني رفع اسم أحمد الشّرع من قوائم الإرهاب؟

بعد سنواتٍ من التّصنيفات والمعارك والتّحوّلات العميقة التي أصابت المشهد السّوريّ، جاء قرار مجلس الأمن رقم 2799، الصّادر في السادس من تشرين الثّاني/نوفمبر 2025، ليشكّل نقطة انعطافٍ حقيقيّةٍ في خريطة النّفوذ الإقليميّ.

نصّ القرار 2799 على رفع اسم أحمد الشرع، رئيس المرحلة الانتقاليّة في سوريا (المعروف سابقاً بأبو محمد الجولاني)، ووزير داخليّته أنس خطّاب، من قوائم الإرهاب المرتبطة بداعش والقاعدة. وعلى الرّغم من أنّ الخطوة تبدو في ظاهرها إجراءً قانونيّاً، إلّا أنّها تحمل في عمقها اعترافاً دوليّاً بوجود واقعٍ سوريٍّ جديدٍ نشأ بعد سقوط نظام بشّار الأسد في كانون الأوّل/ديسمبر 2024، واقع لا يمكن تجاوزه أو التّعامل معه بعقليّة ما قبل التّغيّير.

ومن اللافت للانتباه أنّ القرار اعتُمِدَ بأغلبيّةٍ واسعةٍ شملت الولايات المتّحدة وروسيا، مع امتناع الصّين عن التّصويت. ففي حين بدا أنّ واشنطن تريد فتح صفحةٍ سياسيّةٍ جديدةٍ في سوريا، تعيد من خلالها تشكيل محور نفوذٍ متوافقٍ مع استراتيجيّتها في الشّرق الأوسط، كانت موسكو تتحرّك ببراغماتيّةٍ واضحةٍ، محاولةً الحفاظ على ما تبقّى من حضورها في بلدٍ فقدت فيه قواعدها ومفاتيح التّأثير المباشر بعد انهيار النّظام السابق. أما بكّين، فقد جاء امتناعها محمّلاً بمخاوف أمنيّةٍ تتعلّق بالمقاتلين الأويغور المرتبطين بحزب تركستان الإسلاميّ، واحتمالات دمجهم في المؤسّسات العسكرية السّورية الجديدة.

وقد شكّلت هذه الخطوة رسالةً جيوسياسيّةً من الولايات المتّحدة بالذّات، التي كانت قد صنّفت “هيئة تحرير الشّام” كمنظمةٍ إرهابيّة في العام 2018، مفادها أنّ واشنطن مستعدةٌ للتّعامل مع القيادة السّورية الجديدة بوصفها شريكاً محتملاً في مكافحة الإرهاب وإعادة تثبيت الاستقرار. ومن شأن هذا التّحوّل أنْ يُكرّس موازين قوّى جديدة في المنطقة، تنتقل معها دمشق من محورٍ إيرانيٍّ-روسيٍّ كان يستحوذ على القرار السّوري منذ عقود من الزمن، إلى محورٍ أميركيٍّ-تركيٍّ-غربيٍّ يطمح إلى إعادة بناء سوريا بوصفها حاجزاً إستراتيجيّاً أمام تمدّد إيران. وقد رافقت هذه التّطورات زيارةٌ للشّرع إلى البيت الأبيض، ما يرمز إلى انتقاله من موقع قائد فصيلٍ مسلّحٍ إلى موقع شريكٍ دوليٍّ معترف به.

في الوقت نفسه، يحمل القرار تأثيراً مباشراً على الديناميكيّات الإقليميّة. ففتح قنوات تعاونٍ بين دمشق الجديدة ودول الخليج، خصوصاً في ملفات مكافحة المخدّرات وتمويل الجماعات المسلّحة، قد يسهم في تقليص تأثير المحور الإيرانيّ داخل سوريا ولبنان، إلا أنّ هذا التحوّل، على الرّغم من أهمّيّته، لا يلغي التّحديات التي تواجه الدّاخل السّوري، وبخاصةً ما يتعلّق بوضع الأقليّات، مثل العلويين والأكراد والدروز. فغياب صيغةٍ واضحةٍ للعدالة الانتقاليّة قد يعيد إنتاج صراعات الهويّة ويهدّد الاستقرار المتشكّل حديثاً.

ولم يكن رفع الاسم من قوائم الإرهاب قراراً مطلقاً أو مفتوحاً بلا شروط، إذ ربطه مجلس الأمن بالتزام القيادة السّورية الجديدة بمواصلة مكافحة تنظيمَيّ “داعش” و”القاعدة”، والحدّ من التّهريب عبر الحدود، وضمان احترام حقوق الإنسان، والتّعاون مع الأمم المتّحدة في إدارة المرحلة الانتقاليّة. وبذلك، جاء الاعتراف الدّوليّ مشروطاً بالأداء، لا بالواقع العسكريّ وحده. فالنّجاح في بناء مؤسسات دولةٍ قادرةٍ على ضبط الأمن وإدارة المصالحات الدّاخلية سيكون معياراً حاسماً في تثبيت الشّرعية الجديدة، بينما سيؤدّي الفشل إلى عودة العقوبات وربّما إعادة إنتاج الفوضى.

وبذلك، لا يقتصر قرار مجلس الأمن على إعادة صياغة الوضع القانونيّ لأسماء شخصيّاتٍ سياسيّةٍ وعسكريةٍ، بل يعيد رسم موقع سوريا في الخارطة الإقليميّة والدّوليّة. فإذا تمكّنت القيادة الانتقاليّة من إدارة المرحلة بمسؤوليّةٍ وحكمةٍ، قد تستعيد سوريا دورها كفاعلٍ إقليميٍّ مؤثّرٍ، ضمن توازنٍ جديدٍ يتقدّم فيه المحور الأميركيّ-الغربيّ-التّركيّ على حساب الإيرانيّ-الرّوسيّ. أما إذا عجزت عن الوفاء بالتزاماتها، فإنّ المنطقة قد تدخل في دورةٍ جديدةٍ من الصراع والعنف يصعب التّكهّن بمآلاتها. وبين هذين الاحتمالين، تبقى سوريا عند منعرجٍ تاريخيٍّ مفتوحٍ على أكثر من اتّجاه، تتوقّف نتائجه على ما ستحقّقه الأشهر والسنوات المقبلة من استقرارٍ أو انزلاقٍ نحو مواجهةٍ جديدةٍ.

Print Friendly, PDF & Email
إقرأ على موقع 180   إسرائيل لـ"حقنة" ضد "عناد نصرالله".. غير متوفرة!
سعيد عيسى

دكتوراه في الأنتروبولوجيا الاقتصادية؛ كاتب وباحث في شؤون العمال والحماية الاجتماعية؛ خبير في الحوار الاجتماعي والحوكمة والتدريب.

Premium WordPress Themes Download
Free Download WordPress Themes
Download WordPress Themes
Download Nulled WordPress Themes
free online course
إقرأ على موقع 180  بوتين بمواجهة بايدن: أنا القيصر، أنا هنا