لم يعد تشكيل الحكومة في لبنان رهن بإرادة رئيس الجمهورية وفق ما كانت تقرره المادة 53 من الدستور اللبناني قبل تعديلها:”رئيس الجمهورية يعيّن الوزراء ويسمي منهم رئيساً”. ولكن بعد التعديلات الدستورية بموجب القانون الدستوري رقم 18 تاريخ 21/9/1990 فإن تشكيل الحكومة أصبح رهن توافق ثلاثة أطراف هي رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة ومجلس النواب.
حدد الدستور اللبناني مرحلتين لتكوين الحكومة، ولكلّ مرحلة منهما اصولها الخاصة، فالمرحلة الأولى متصلة باختيار الرئيس المكلف بتشكيل الحكومة؛ والمرحلة الثانية تتعلق بتشكيل الحكومة.
بالنسبة للمرحلة الأولى، فلقد رعتها الفقرة 2 من المادة 53 التي تنصّ على أن:”يسمي رئيس الجمهورية رئيس الحكومة المكلف بالتشاور مع رئيس مجلس النواب استناداً إلى استشارات نيابية ملزمة يطلعه رسمياً على نتائجها”. وهذه الفقرة مستقلة عن مرسوم تعيين رئيس الحكومة الذي هو نتيجة طبيعية لهذه الفقرة، بحيث أنه وبعد نجاح الرئيس المكلف في مهمته، يصار إلى تعيينه رئيساً للحكومة، وهذا التعيين ترعاه الفقرة 3 من المادة 53 التي نصّت على أن :”يصدر مرسوم تسمية رئيس مجلس الوزراء منفرداً”.
عندما يبدأ الفريق الاستشاري التابع لرئيس الجمهورية مشاوراته الجانبية بعيداً عن النواب، فإن هذا التصرف يعني عملياً أن هذا الفريق حلّ محلّ مجلس النواب، وهذا ما يدفع للتساؤل عن مبرر استبعاد النواب عن أداء صلاحيتهم الدستورية
بحسب الفقرة الثانية المذكورة، فإن تسمية الرئيس المكلّف لا تكون بالإرادة المنفردة لرئيس الجمهورية بل وفق إرادة 128 نائباً، ويعلنها رئيس الجمهورية بعد التشاور مع رئيس مجلس النواب.
إذاً، المعني الأول بتسمية الرئيس المكلّف بتشكيل الحكومة هم النواب، الذين يبلّغون رئيس الجمهورية عن مرشحيهم، فيتولى الرئيس استخلاص المرشح المناسب من بين المرشحين الذين سمّاهم النواب، على أن يلي ذلك تشاور رئيس الجمهورية مع رئيس مجلس النواب.
ولكن عندما يبدأ الفريق الاستشاري التابع لرئيس الجمهورية مشاوراته الجانبية بعيداً عن النواب، فإن هذا التصرف يعني عملياً أن هذا الفريق حلّ محلّ مجلس النواب، وهذا ما يدفع للتساؤل عن مبرر استبعاد النواب عن أداء صلاحيتهم الدستورية، وهل النواب قاصرون عن حسن الاختيار فيصار إلى استبادلهم بالمستشارين، أم أن النواب طيّعون سيوافقون على ما يقرره فخامة الرئيس ويسمّون الرئيس المكلّف تشكيل الحكومة الذي وقع اختيار فخامة الرئيس على تسميته؟ ثمّ أين دور رئيس مجلس النواب بالتشاور مع رئيس الجمهورية إذا كانت مشاورات الأخير المسبقة مع المرشحين عكست الموافقة على مرشحٍ معيّن؟
وفي المرحلة الثانية، فإن تشكيل الحكومة معلّق وفق الدستور على توافق ثلاثة أطراف، وهم رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة ومجلس النواب، وهذا ما نصّت عليه الفقرة 2 من المادة 64 :”يُجري (أي رئيس الحكومة) الاستشارات النيابية لتشكيل الحكومة ويوقع مع رئيس الجمهورية مرسوم تشكيلها”.
إن هذه المادة واضحة لناحية التمييز بين خطوة تشكيل الحكومة، وخطوة توقيع مرسوم التشكيل، فتشكيل الحكومة هي صلاحية دستورية لرئيس الحكومة المكلّف يشاركه فيها النواب حيث يتوجّب عليه إجراء استشارات نيابية لمعرفة توجّه النواب ومواقفهم من تشكيل الحكومة. أما في خطوة إصدار مرسوم التشكيل، فهذه الخطوة هي من صلاحية رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة المكلّف، وهذا ما كررته الفقرة 4 من المادة 53: “يصدر بالاتفاق مع رئيس مجلس الوزراء مرسوم تشكيل الحكومة”.
ولهذا عندما يتمّ التفاوض على التشكيلة الحكومية قبل تسمية الرئيس المكلف، فهذا يعني أننا عطّلنا المادة 64 المذكورة، ولا تسعف حجة أن هذه المفاوضات توفّر علينا التأخر في تشكيل هذه الحكومة، لأن هذه الحجة لا تجيز مصادرة صلاحية الرئيس المكلف وصلاحية النواب الدستورية وتسمية الوزراء بدلاً عنهم، إذ أياً كانت تبعات ممارسة النواب صلاحياتهم، تبقى أقلّ خطراً من تنازل السلطة التشريعية عن صلاحياتها وتحوّلها إلى منفّذ طائع لرغبات القوى السياسية النافذة. وللتذكير، فان رئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري رفض تكليفه بتشكيل الحكومة لان بعض النواب تركوا لرئيس الجمهورية (اميل لحود) ان يختار نيابة عنهم الرئيس المكلف تشكيل الحكومة، فكيف والحال أن يتنازل كل مجلس النواب عن صلاحياته ويصبح متفرجا على عملية التكليف.
(*) أستاذ مادة القانون الدستوري في الجامعة اللبنانية