“المشاركة العامة المتدنية في الانتخابات التشريعية الإيرانية التي بلغت 42% للمرة الأولى منذ الثورة الإيرانية في العام 1979، تقوّض مع مرور الزمن شرعية النظام، المرتبطة إلى حد بعيد بقدرته على المحافظة، على الأقل ظاهرياً، على تمثيل للشعب في المؤسسات السياسية المنتخبة. لكن على الرغم من ذلك، أيضاً نسبة تصويت منخفضة تقدر بنحو 40% يمكن أن تدل على أن أجزاء واسعة جداً من الجمهور الإيراني، في الأساس من خارج طهران، تفضل المشاركة في الانتخابات على مقاطعتها، سواء تأييداً للنظام والتقدير بأنه لا يوجد حالياً بديل مهم للنظام السياسي الموجود، أو خوفاً من أن مقاطعة الانتخابات يمكن أن تؤدي إلى سياسة أكثر تطرفاً من ناحية السلطات. هذا التخوف أدى، على الرغم من دعوات مثقفين إصلاحيين بارزين إيرانيين إلى مقاطعة الانتخابات، إلى أن أغلبية السياسيين الذين ينتمون إلى المعسكر الإصلاحي، دعت الجمهور إلى المشاركة في الانتخابات، في الأساس من أجل كبح، ولو بنسبة معينة، قوة المحافظين الراديكاليين في المجلس الجديد.
تدل نتائج رسمية غير نهائية على فوز جارف لليمين المحافظ في الانتخابات. لقد نجح المحافظون في زيادة تمثيلهم في المجلس بصورة دراماتيكية، بعد أن تحول البراغماتيون من مؤيدي الرئيس حسن روحاني في الانتخابات الماضية (2016)، من أقلية صغيرة نسبياً (بضع عشرات متفرقة) إلى كتلة مهمة مؤلفة من 100 ممثل. من المتوقع أن يحظى المحافظون، على ما يبدو، بأغلبية مطلقة، نحو 200 من أصل 290 مقعداً، بينما حصل الإصلاحيون على أقل من 20 مقعداً. وسجل المحافظون إنجازات مهمة في عدد من المحافظات الانتخابية التي كانت تُعتبر بصورة عامة معاقل تأييد تقليدي للمعسكر الإصلاحي، بينها طهران، يزد، وتبريز.
شخصيتان دينيتان راديكاليتان: محمد يزدي، الأمين العام لاتحاد المحاضرين في الكليات الدينية في مدينة قم، ومحمد التقي مصباح اليزدي، أحد الرموز البارزين لليمين الراديكالي في إيران، انتُخبا مجدداً أعضاء في مجلس الخبراء بعد غياب 4 سنوات
المحافظون سجلوا إنجازاً أيضاً في انتخابات “مجلس الخبراء” التي جرت في وقت واحد مع انتخابات المجلس. شخصيتان دينيتان راديكاليتان: محمد يزدي، الأمين العام لاتحاد المحاضرين في الكليات الدينية في مدينة قم، ومحمد التقي مصباح اليزدي، أحد الرموز البارزين لليمين الراديكالي في إيران، انتُخبا مجدداً أعضاء في مجلس الخبراء بعد غياب 4 سنوات. في الانتخابات الأخيرة للمجلس التي تجري مرة كل 8 سنوات، والتي جرت في سنة 2016، ظل الاثنان في الخارج، على الرغم من أن المجلس بقي تحت سيطرة كاملة للمحافظين.
عودة السيطرة الكاملة على المجلس إلى أيدي المحافظين تشكل استمراراً لتوجه التشدد الذي يميز المنظومة السياسية في إيران في العامين الأخيرين، في الأساس على خلفية التحديات الخارجية التي تواجهها الجمهورية الإسلامية، وفي مقدمها سياسة الضغط الأقصى للرئيس دونالد ترامب. هذه التحديات تولد ضغطاً كبيراً على السلطات كي تظهر وحدة الصفوف في الداخل في مواجهة الخارج، ولزيادة القمع الداخلي. السنة الأخيرة اتسمت بتعاظم قوة المعسكر المحافظ بقيادة المرشد الأعلى الذي قام بسلسلة تعيينات مهمة لتعزيز سيطرة المحافظين على الدولة، أبرزها تعيين رجل دين راديكالي هو إبراهيم رئيسي رئيساً للسلطة القضائية (آذار/مارس 2019) في خطوة رآها البعض نوعاً من تعيين وريث مستقبلي محتمل للمرشد. هذه التعيينات أضعفت المعسكر الإصلاحي وممثليه، وعلى رأسهم الرئيس حسن روحاني، الذي اضطر إلى الوقوف مع السياسة المتصلبة التي ينتهجها المرشد الأعلى.
من المتوقع أن تزيد نتائج الانتخابات في مصاعب روحاني الذي تآكلت مكانته تلقائياً في العامين الأخيرين، من أجل الدفع قدماً بسياسته في السنة الأخيرة لولايته، بعد 4 سنوات اعتمد خلالها على ائتلاف مريح نسبياً في المجلس.
ليس للمجلس تأثير كبير في وضع الاستراتيجية الإيرانية، في الأساس في مجالات السياسة الخارجية، وفي القرارت التي تتعلق بقضايا مركزية، بينها مستقبل الاتفاق النووي واحتمالات استئناف المفاوضات مع الولايات المتحدة، وسياسة إيران الإقليمية، التي في الأساس يحتفظ بها المرشد الأعلى. مع ذلك، فإن فوز المحافظين يمكن أن يقوي الخط الصقري في الزعامة الإيرانية ويُضعف أكثر مكانة الأوساط البراغماتية بقيادة الرئيس الإيراني الذي يُعتبر إلى حد بعيد مسؤولاً عن فشل العملية الديبلوماسية التي قادها في السنوات الأخيرة مع الغرب والولايات المتحدة. استعادة المحافظين للسلطة مهمة، بشكل خاص قبيل الانتخابات الرئاسية في صيف 2021. في الماضي، شكلت انتخابات المجلس مؤشراً بالنسبة إلى نتائج الانتخابات الرئاسية، على سبيل المثال، فاز المحافظون في انتخابات 2004 قبل عام من فوز محمود أحمدي نجاد في الانتخابات الرئاسية.
إلغاء ترشيح المرشحين الإصلاحيين وفوز المحافظين في الانتخابات يشير إلى إصرار المؤسسة الدينية على الاحتفاظ بسيطرتها على كل مؤسسات الحكم. هذا الإصرار ازداد في العامين الأخيرين إزاء الضغط الخارجي المتزايد وموجات الاحتجاج الشعبي. يبدو أيضاً أن تقدير النظام بأن عهد المرشد الأعلى الحالي يقترب من نهايته يزيد في الجهود لإعداد الأرضية لوراثة خامنئي، وضمان أن تبقى مراكز القوة المتعددة، وبينها أيضاً التي ينتخبها الجمهور، في يد مناصريه من خلال إقصاء أي طرف يدعو إلى تحدي اقتصار المنظومة السياسية على المحافظين. أيضاً ولو بثمن مس إضافي بثقة الجمهور وبمبدأ تمثيل الشعب. هذه السيطرة يعتبرها النظام ضرورية للمحافظة على استقراره، حتى لو أنها لا تساعده في تقديم حلول لمطالب الجمهور وضائقته المستمرة التي تغذي حركة الاحتجاج. مع ذلك تجدُّد الاحتجاج مرتبط إلى حد بعيد بمجموعة عوامل من الصعب توقعها مسبقاً، مثلاً تفاقم متزايد للأزمة الاقتصادية، ونجاعة خطوات المنع والقمع التي تتخذها السلطات”.