هل يكون مصير ثالث رئيس حكومة مكلف في العراق كمصير سلفيه محمد علاوي وعدنان الزرفي؟
ثمة معطيات تشي أن ترشيح كلا من علاوي والزرفي، إنما كان يصب في إتجاه واحد: تكليف مصطفى الكاظمي الذي كان واثقاً منذ اللحظة الأولى لإستقالة عادل عبد المهدي أن رئاسة الوزارة ستؤول إليه حتماً وليس لأحد غيره، ولو أن الأمر إستجوب حرق هذا أو ذاك من المرشحين. كان يردد في الوقت نفسه أن إسمه موجود على طاولة ذوي الحل والربط في داخل العراق والخارج، لكن لا بد من ممر إلزامي ألا وهو توافق مكونات البيت الشيعي على تسميته وإلا لن يغامر برصيده وموقعه الأمني ـ السياسي.
يقود ذلك إلى إستنتاج سريع، أقله من وجهة بعض المنحازين إلى الكاظمي، بأن الرجل سينجح في مهمته، وبالتالي نحن على عتبة إنهاء الأزمة الحكومية ـ السياسية المفتوحة، منذ استقالة عادل عبد المهدي قبل حوالي خمسة أشهر.. الأهم من ذلك أن الإيرانيين، ومن خلال أحد الموفدين، وهو مساعد قائد فيلق القدس، نجحوا، إلى حد كبير، في معالجة تشظي البيت الشيعي.
الكاظمي لديه عشر قوائم وزارية يطلع عليها ضيوفه وكلها غير صحيحة، أما القائمة الرقم 11، فهي الصحيحة ولم يطّلع عليها أحد من غير الدائرة القريبة جدا منه ولا تتجاوز أصابع اليد الواحدة
ثمة توازن في عراق التجاذب الأميركي ـ الإيراني. لا دونالد ترامب المقبل على إستحقاق انتخابي غير مضمون، لا سيما بعد جائحة (كوفيد ـ 19)، ولا إيران التي تعاني أزمات كثيرة منها كورونا، تريد التصادم. مصطفى الكاظمي هو الشخصية المفضلة في هذه المرحلة لتجسيد سياسة فك الإشتباك أو “ربط النزاع”. مرحلة تحتاج إلى رجل براغماتي من الطراز الأول، من خارج عباءة الأحزاب السياسية الشيعية التقليدية، يعرف كيف يلعب على التوازنات، وقنواته مفتوحة في كل الإتجاهات. اقتنعت إيران بذلك. ورحّبت واشنطن التي تحبذه على ما عداه، وكان هذا ما أرادته المرجعية الدينية ودعت إليه، أي التوصل إلى “شخصية غير جدلية”.
القوائم الـ 11!
ما أن مرّ أسبوع على تكليفه، حتى أعلن الكاظمي عن انتهاء تشكليته الحكومية المؤلفة من وزراء إختارهم وفقاً لمعياري النزاهة والكفاءة. وتفيد المعلومات ان الكاظمي لديه عشر قوائم وزارية يطلع عليها ضيوفه وكلها غير صحيحة، أما القائمة الرقم 11، فهي الصحيحة ولم يطّلع عليها أحد من غير الدائرة القريبة جدا منه ولا تتجاوز أصابع اليد الواحدة، علما أن الحديث كان منذ الأيام الأولى للتكليف أن الأسماء باتت جاهزة. تيار الحكمة بزعامة عمار الحكيم يؤكد أن الأسبوع المقبل سيشهد تقديم طلب عقد جلسة منح الثقة، وأن العملية سوف تنتهي خلال عشرة أيام على أكثر تقدير. الكتل الشيعية منحتْ المكلّف الضوء الأخضر للإسراع في تشكيل الحكومة قبل شهر رمضان، أي خلال أسبوع على أبعد تقدير. ثمة اجتماع عقد مؤخّراً في منزل رئيس تحالف الفتح هادي العامري، حضره رئيس ائتلاف دولة القانون نوري المالكي، ورئيس تيار الحكمة عمار الحكيم، ورئيس ائتلاف النصر حيدر العبادي، والقيادي في التيار الصدري نصار الربيعي، وبعض قيادات “البيت الشيعي”، وقد اتفق المجتمعون على تخويل الكاظمي استخدام كامل حريته في اختيار وزراء حكومته، مع مراعاة شروط التوازن الخاصة بالمكونات.
تقول المصادر أن الكاظمي سيأتي بمرشحين جدد للوزارات وليس من بينهم أشخاص كانوا أعضاء في حكومة عادل عبد المهدي، كما يروّج لذلك البعض، وهذا الأمر سيساعد المكلف على تقديم كابينته الحكومية قبل انتهاء المواعيد الدستورية التي تعطيه فترة 30 يوماً لتشكيل حكومته.
حكومة إنتخابات.. وحوار
“إنني رئيس وزراء أزمة ولا أملك لا أنا ولا غيري عصا سحرية لما نواجهه من تحديات تحتاج إلى تضافر جهود الجميع”. هذا ما يقوله الكاظمي نفسه، وبالتالي، لن يقوم الكاظمي إلا بما يندرج في خانة “المرحلة”. وظيفته الأولى التمهيد للانتخابات النيابية المبكرة، وفي الوقت نفسه، إستئناف الحوار الاستراتيجي مع الولايات المتحدة، فالأولوية، كما ألمح الكاظمي، هي “لخفض حدة النزاع الدولي على الأرض العراقيّة”.
وبحسب موقع “المونيتور” فإن إيران “قد غيرت تكتيكاتها في الأشهر الأخيرة من خلال التركيز على إنشاء مجموعات مسلحة جديدة خارج مظلة وحدة الحشد الشعبي في من أجل القيام بعمليات عسكرية ضد المصالح والقواعد الأمريكية في العراق. ويشير الهجوم الصاروخي على القاعدة العسكرية التاجية شمال بغداد في 12 مارس/آذار، والذي أسفر عن مقتل ثلاثة من أعضاء التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة ، إلى أن هذا هو الحال، حيث أعلنت الجماعة غير المعروفة سابقًا المسماة عصبة الثائرين (رابطة الثوار) مسؤوليتها”، وأورد الموقع رأيا للبروفيسور ريكاردو ريديلي أنه من الواضح أن إنشاء أو “تغيير العلامات التجارية للمليشيات والجماعات الجديدة يعكس الحاجة إلى تجنب الانتقام الأميركي”.
كما يواجه رئيس الوزراء المكلف تحدي إعادة انبعاث “داعش”، بحيث يقول الخبراء إن الأزمات الاقتصادية والصحية الاقتصادية في العراق من المرجح أن تخلق فرصة لزيادة هجمات “داعش”. وقال أحد المحللين لـصحيفة “ذا ناشيونال”: “لدى داعش خبرة في الاستفادة من نقاط الضعف في أمن العراق والظروف الحالية في شمال العراق مع عمليات الإغلاق تعني أن الأمن الريفي يمكن استغلاله من قبل الخلايا الصغيرة”.
وبحسب تقرير صادر عن وكالة “فيتش”، يمثل انخفاض أسعار النفط ضربة زلزالية على مالية العراق، وتشكل مجموعة الظروف الحالية تحديًا أكبر من انهيار أسعار النفط في أواخر عام 2014، ويتوقع التقرير أن يتسع عجز الميزانية إلى 19٪ من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2020، قبل أن يتقلص إلى 9٪ من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2021. كما أن الزيادة في العجز، مقترنة بانخفاض يقارب 30٪ في الناتج المحلي الإجمالي الاسمي، ستؤدي إلى دفع الدين الحكومي 80 إلى ٪ في 2020-2021 ، في حال كان يقارب ال 47٪ في 2019. وتوقع التقرير أن يلجأ العراق إلى تمويل من البنك المركزي لسد العجز في عام 2020 (حوالي 36 تريليون دينار عراقي).