ليبيا و”لعبة” عضّ الأصابع.. حفتر يصرخ وروسيا مُحرجة
ASTRAKHAN REGION, RUSSIA - AUGUST 5, 2017: A surface-to-air missile launched by a Pantsir S-1 anti-aircraft artillery system at the Key to the Skies contest as part of the 2017 International Army Games held by Russias Defence Ministry at Ashuluk Firing Range. Sergei Bobylev/TASS (Photo by Sergei BobylevTASS via Getty Images)

ظلت قاعدة "الوطية" الجوية في الغرب الليبي عصيّةٌ عن "التحرير" منذُ وقوعها تحت سيطرة الجنرال خليفة حفتر منذُ ستّ سنوات من الآن، وجاء تدمير منظومتين دفاعيّتين من صنع روسي، مصاحباً لإنسحابٍ مدفوع بتساؤلاتٍ حول طبيعة التفاهمات التي جرتْ إنْ حدثت من جهة؛ ومقدار القوّة التي تتمتّع بها حكومة فايز السرّاج وحجم الدعم التركي الثقيل لها، من جانبٍ آخر.

لم يعد سرّاً الآن، الحديث عن فضل الدور التركي الحاسم (الفرقاطات التركيّة) في ما بات يُعرف لدى طرفٍ ليبي (حكومة الوفاق برئاسة فايز السراج)، يحظى بداعمين مخلصين، بـ”عمليات تحرير” قاعدة الوطية (جنوب غرب طرابلس العاصمة الليبية). هذه القاعدة الهامة التي وصفها الناطق باسم عمليات “بركان الغضب” الموالية لحكومة طرابلس مصطفى المجمعي بـ”الاستراتيجيّة” و”غرفة عمليات مهمّة للغاية”.

لم يقتصر الضرر على طرف ليبي. ثمة “طوشة” إعلاميّة معتبرة: تضرر منظومة “بانتسير” الروسيّة، المقدّمة إلى الجنرال خليفة حفتر الذي يتمتّع بدعمٍ إماراتي وسعودي ومصري وروسي، وإلى حدّ ما فرنسي.
وقد كان لافتاً للإنتباه أنّ من يُسموّن بـ”المرتزقة الروس” (شركة فاغنر)، قد فرّوا من قاعدة “الوطية” قبل زهاء أسبوعين من انطلاق المعركة، وهو ما عزاهُ البعض إلى وجود محادثات روسيّة ـ تركيّة، جاءت في صيغة “تفاهمات”، ربما وفّرت ظروفاً معينة ساهمت في “تحرير” هذه القاعدة، فيما يرى جانب آخر قريب من حكومة الوفاق الليبي التي يرأسها السراج بأنّ ما حدثَ كبّد الحلفَ الذي أنشأهُ الجنرال الليبي خسائر فادحة، فضلاً عمّا صار يُعرف في الأدبيّات الصحفيّة خلال الأيام المنصرمة بـ “الفضيحة” التي تلقتها روسيا جرّاء ذلك، بدليل أنّ الأنظار باتت تتّجه صوب قاعدة “ترهونة”، أيّ آخر قاعدة تقع في يد الجنرال حفتر، وتشكل خطراً محدقاً على العاصمة طرابلس، وربما القلعة الأخيرة التي تتمتّرس خلفها قوّاته وطموحاته و”أحلامه” أيضاً، ممّا يعكس مزاجاً انتصارياً لا يشيّ بحدوث محادثات مكثّفة حاسمة في تحديد قواعد اللعبة على الأرض الليبيّة.

شكّل سقوط “الوطية” رسالة قويّة للحلفاء، الذين بدأوا حقاً بالشعور بنوعٍ من “اليأس” إزاء شخص الجنرال خليفة حفتر، منذ تعيين نفسهِ في 27 نيسان/ إبريل الماضي وبدون مقدّمات؛ حاكماً لليبيا

وقال مصطفى المجعي، قائد عمليات “بركان الغضب” التي تؤازر حكومة فايز السرّاج للجزيرة نت بأنّ “فقدان حفتر وحلفائه قاعدة “الوطية” يحرمهم السيطرة الجويّة التي وفّرت لهم سابقاً تفوقاً جوياً للطيران في مدن الغرب الليبي”، مضيفاً بأنّ “امتلاك قوّات حكومة الوفاق السيطرة على “الوطية” يمنح القاعدة مهمة الطيران الحربي للانطلاق بعيداً عن صواريخ ومدفعية حفتر، كما يحدث لقاعدة “معيتيقة” بطرابلس، إضافةً إلى إمكانية تسخير قاعدة “الوطية” لمراقبة الحدود البريّة والبحريّة”.

وفي السياق ذاته، أوضح المجعي بأنّ ما اعتبرهُ “الرسالة المُهمة” من “الانتصار في الوطية ” نرسلها للإمارات”، ومفادها “أنّ ليبيا أكبر من حفتر ومليشياته، وأكبر من أوهام أبو ظبي. ولن تكون بلادنا ممرّاً لمشروع الانقلاب على الدولة والعودة لحكم العسكر”.

رسالة و”فضيحة”.. و”انتصار”

فضلاً عن الأهمية الاستراتيجيّة لقاعدة “الوطية”، فإنّها تحمل طاقة استيعابيّة تصل إلى أكثر من سبعة آلاف جندي وتتربع مساحتها الإجماليّة على 50 كلم 2. وللقاعدة رمزيّة كبيرة في السابق، فقد كانت تضمّ مركز أسطول مقاتلات “الميراج” قبل سقوط نظام معمّر القذافي سنة 2011.

وبالتالي، شكّل سقوط “الوطية” رسالة قويّة للحلفاء، الذين بدأوا حقاً بالشعور بنوعٍ من “اليأس” إزاء شخص الجنرال خليفة حفتر، منذ تعيين نفسهِ في 27 نيسان/ إبريل الماضي وبدون مقدّمات؛ حاكماً لليبيا، في مشهدٍ درامي سبقت فيه طموحات الجنرال الترتيبات الضروريّة الواجب اتّخاذها عادةً قبل انتقال السلطة من طرفٍ إلى آخر تحت أيّ حجةٍ كانت. ثم قيامهِ بممارسة صلاحياتٍ رئاسيّة عندما قرّر بجملة متلفزة إلغاء اتفاق الصخيرات الذي يحظى بدعمٍ دولي، والتسبّب بنشوب خلافاتٍ مع جناحه الوحيد المعترف به دولياً رئيس برلمان طبرق في الشرق عقيلة صالح، والذي كان الحجة الأثيرة لكل أنصار الجنرال في حسم الجدل الدولي حول الشرعية المكتسبة خارج البلاد، وأدّت هذه الخطوات إلى رفض فرنسا هذا “التنصيب” وذاك “الإلغاء” وتلك “المهاترات” مع برلمان طبرق، فيما لاذ حلفاؤهُ العرب بالصمت، والتزام نوعٍ من الحذر حيال تصرّفات الجنرال حفتر وقابليّتهِ للقيام بأيّ شيء دون العودة إليهم طلباً للمشورة، على الأقل.
لكن ذلك لم يعد مهماً، قياساً بمنظومة “البانتسير” الروسيّة المتطوّرة التي طال التدمير اثنتين منها ونجت واحدة في ظرف أقل من 10 ساعاتٍ فقط! ويُقدّر ما زوّدت به الإمارات الجنرال خليفة حفتر من منظومات “البانتسير” الروسيّة المتطوّرة بعشرة نماذج، موزّعين على مناطق الصراع جنوب طرابلس وقاعدة “الجفرة” في الصحراء الجنوبيّة الليبيّة ومناطق أخرى من البلاد (يحدّد مراقبون للشأن الليبي قيمة ما دُمر من منظومتيّ “بانتسير” الدفاعيّة بـنحو 30 مليون دولار في ليلةٍ واحدة)، فضلاً عن المرتزقة من التشاد والسودان.
وتكمنُ أهمية منظومة “البانتسير” (نظام أرض جوّ قصير ومتوسط المدى) لدى الصانع الروسي في أنّها كانت حكراً على القوّات الروسيّة منذ 1990 (تاريخ الصنع)، إلى غاية دعم حكومة أبوظبي للمشروع سنة 2000 تاريخ رفع “السريّة” التجاريّة، وتزوّدها بخمسين منظومة لقاء ذلك.

يصبح الارتياح الجزائري ـ التونسي لهذه الهزيمة، ناتجاً بالدرجة الأولى عن ضبابيّة المشهد الليبي في ما لو تمكّن الجنرال خليفة حفتر من الاستحواذ على مقاليد الحكم مستقبلاً، وإيلائه الخيارات الحربيّة صدارة الاحتمالات الممكنة.. عدا عن تسرّعه في حصد الثمار المتخيّلة، دون العودة إلى حلفائه

تونس والجزائر.. الارتياح الحذر

إقرأ على موقع 180  المقاومة الجديدة ومآلات التغيير في الواقع الفلسطيني

قد تشعر الجزائر بنوعٍ من الأسف حيال منظومة “بانتسير” الدفاعيّة التي استوردتها من روسيا لا سيما النظام الجديد ذاتيُّ الدفع بأكثر من مرتين ونصف من النسخة السابقة للمنظومة من حيث القوة الناريّة وسرعة إطلاق النار. إذ يستطيع الرادار فيها كشف حتى الأهداف الصغيرة جداً على مسافة تصل إلى قطر75 كلم مربع. ومدى إطلاق الصواريخ يصل إلى 40 كلم مربع، مصحوباً بنظام حمائي عالي المستوى، ويُناور بشكل جيد وقادر على الصمود أكثر.
وممّا يُفاقم في هذا الأسف حيال المنظومة الروسيّة هو زمن التدمير الذي لا يزيد عن عشر ساعاتٍ فقط، وبعد وصول الجيش الموالي لحكومة فايز السرّاج بمدّة قصيرة!
أما من الناحية السياسيّة، فقد تبدو الأمور بالنسبة للجزائر وتونس على حدّ سواء مريحة نسبياً، خاصةً أنّ الجنرال خليفة حفتر لطالما أبدى سوء نيّته حيال البلدين، وحتى لو لم يكن كذلك إلا على محمل الظنّ الرقيع؛ فالجميع بما فيهم الحلفاء، لا يتكهنون بنوعٍ تصاريحه أو تصرّفاته، وقد كان تعيينهُ “المدوّي” لنفسه “حاكما لليبياً” وبـ”تفويضٍ من الشعب” في خطابٍ ظهر فيه وافر الثقة بنفسه، ممّا أثار حوله الكثير من السخريّة، قاصماً لأيّ شكلٍ من أشكال الثقة المطمئنة التي من الممكن أن يكنّها الحلفاء لهُ فيما لو وفّر لنفسه مناخات هادئة تساهم في صنع ذلك.
وربما تصبح بذلك سيطرة القوّات الموالية لحكومة الوفاق الليبيّة على قاعدة “الوطية” التي تبعد 140 كلم عن العاصمة الليبيّة من ناحية الجنوب الغربي، مريحة للجانبين التونسي والجزائري، قياساً بصعوبة الثقة في البديل المناوئ، والذي أثبت أكثر من مرّة صعوبة مراسهِ، ومقدرته على الوقوف على مسافة واحدة من كافة الاحتمالات المتوقعة وغير المتوقعة.
لذلك، يصبح الارتياح الجزائري ـ التونسي لهذه الهزيمة، ناتجاً بالدرجة الأولى عن ضبابيّة المشهد الليبي في ما لو تمكّن الجنرال خليفة حفتر من الاستحواذ على مقاليد الحكم مستقبلاً، وإيلائه الخيارات الحربيّة صدارة الاحتمالات الممكنة.. عدا عن تسرّعه في حصد الثمار المتخيّلة، دون العودة إلى حلفائه، ممّا يعني أنّه يفتقد إلى ثقافة التعامل مع الحليف، فضلاً عن افتقاره إلى المساومة السياسيّة مع العدو.
بالمقابل، يبدو فايز السرّاج أكثر التماساً للمسالمة مع الجيران على الأقل، وأقربُ إلى الصيغة الدوليّة لناحية الاقتراح السياسي، وأوضح انفتاحاً على أيّ نوعٍ من الحوارات، طالما أنّ في ذلك عدم مساس بحليفه التركي. لذلك يستقرّ الفقه السياسي لدى الجزائر وتونس في اللحظة الراهنة بكل تداعياتها، على أنّ الحفاظ على علاقات دافئة مع روسيا والإمارات ومصر من جهة، وتركيا وفرنسا وقطر من الجهة الأخرى، بما يشكلونهُ من رمانة ميزانٍ تضبطُ الكفتين المتحاربتين عند عقرب المنتصف، يعني الحفاظ على هدوء جبهتيّهما الشرقيّة والجنوبيّة الشرقيّة بالضرورة، مع الأخذ بكل أسباب الحذر الواجب توخيّها من طرفيّ النزاع في ذلك البلد الذي أدمته الصراعات وأنهكتهُ حروب الوكالة.

Print Friendly, PDF & Email
ضيف حمزة ضيف

كاتب وصحافي جزائري

Download Nulled WordPress Themes
Download WordPress Themes
Download WordPress Themes Free
Download Nulled WordPress Themes
online free course
إقرأ على موقع 180  "المشروع الإسلاميّ" VS "المشروع القوميّ".. تعميق الحوار والمساحات المشتركة؟