داعش يهدد “القاعدة” والرعاة الاقليميين لـ “الاخوان” .. ولكن!

انتقل داعش خلال أشهر قليلة من تهديد إسرائيل وتوعّدها "بعمليات كبيرة في قادم الأيام" إلى تهديد دول أخرى طالما شكلت علاقته بها نوعاً من اللغز العصيّ على الحلّ، على رأسها دولتي قطر وتركيا. وفيما كان البعد الطائفي طاغياً – كالعادة- في كلام أبي حمزة القرشي، فإن إغفاله أية إشارة ولو من بعيد إلى المملكة العربية السعودية من شأنه أن يطرح تساؤلات كثيرة حول أسبابه وخلفياته، وا مدى ارتباطه بمساعي التنظيم لإعادة التموضع وسط ما وصفه بأنه إرهاصات لتحولات كبرى ستحدث في دول المسلمين في الفترة المقبلة.

في ثالثٍ خطابٍ له منذ تعيينه بمنصب المتحدث الرسمي باسم “داعش” خلفاً لسلفه أبي حسن المهاجر، خرج أبو حمزة القرشي أمس بكلمة صوتية جديدة بعنوان “وسيعلم الكافرون لمن عقبى الدار” وذلك بعد مرور أربعة شهور على خطابه السابق “دمّر الله عليهم وللكافرين أمثالُها” الذي دشّن بحسب القرشي مرحلة جديدة هي “قتال اليهود واسترداد ما سلبوه من المسلمين، وفتح بيت المقدس” والعمل على “إفشال صفقة القرن”. غير أن هذه المرحلة لم تجد لها حتى الآن أي انعكاس على الأرض بل صبّ التنظيم جلّ اهتمامه على تنفيذ عمليات دموية ضمن “غزوة الاستنزاف” التي كان لكل من العراق وسوريا حصة الأسد فيها.

وفي تأكيد على ما ذكره موقع 180 في تقرير سابق (راجع تقرير بين التكفير والكيماوي… مَن المُستَهدف مِن تهديد “داعش” لإسرائيل؟ https://180post.com/archives/8215) من أن جغرافيا المنطقة بكاملها ستكون مطرحاً لعمليات جسّ نبضٍ دقيقة بغية استكشاف نقاط الضعف والثغرات التي يمكن أن يتسلل منها التنظيم من أجل التمهيد لعودته إلى مسرح الأحداث، فجّر القرشي في خطابه الأخير مفاجأة جديدة لا تقل عن مفاجأة تهديد إسرائيل، وذلك من خلال شنّه حملة شعواء ضد من اسماهم “طواغيت قطر وتركيا” باعتبارهما من الدول التي تموّه عداوتها للتنظيم و”تواري سوءة كفرها برشوة الاخوان المفسدين المرتدين” في إشارة إلى جماعة “الاخوان المسلمين”.

وعدّد القرشي الأسباب الكامنة وراء هذا الموقف المفاجئ من دولة قطر على وجه الخصوص، ومن أهمّها: “قاعدة العديد” باعتبارها مركز “الحملة الصليبية على المسلمين في خراسان والشام والعراق واليمن”، وكذلك دور قطر في تمويل ودعم صحوات العراق، ودورها الجديد بحسب قوله في إنشاء صحوات الشام وتوجيهها من خلال جماعة الاخوان المسلمين الذين يصر المتحدث على وسمهم بصفة “المرتدين”. وأخيراً دورها في دعم “الحكومة الرافضية” في العراق وتمويل “الحرس الثوري الايراني” ومليشياته مستشهداً بصفقة تسليم الزبداني التي ترافقت آنذاك مع دفع فدية كبيرة لإخلاء سبيل المخطوفين القطريين في العراق.

وقد يؤشر هذا الموقف من دولة قطر على نقاط في غاية الأهمية منها، أن الدوحة فقدت أي إمكانية للتأثير على تنظيم داعش وذلك بعدما دعمت في سنوات سابقة تيارات عدّة داخله بغية إمساك زمامه والتحكم به بما يوافق أجنداتها في المنطقة؛ وأن قيادة التنظيم الجديدة بزعامة أبي إبراهيم الهاشمي قد حسمت موقفها من المحور الاقليمي الذي تقوده كل من تركيا وقطر ويتخذ جماعة “الاخوان المسلمين” مطية لتحقيق أهدافه، واضعةً هذا المحور في خانة الاعداء الذين ينبغي تصفية الحسابات معهم نتيجة أدوارهم المخادعة.

ورغم كل ما قيل ويقال عن دور قطر في دعم تنظيم “الدولة الاسلامية” وتمويله في بعض المراحل عبر جمعيات وشخصيات لا تتبع الحكومة القطرية بشكل رسمي، فإنه من السذاجة الاعتقاد أن قطر كانت تقوم بهذه الأدوار من دون ضوء أخضر إقليمي ودولي. ويسود اعتقاد لدى بعض المراقبين أن الدعم الخليجي عموماً والقطري خصوصاً للتنظيمات الجهادية في السنوات الأولى من عمر الأزمة السورية كان يهدف إلى تطويق تنظيم داعش ومنعه من كسر الحصار الذي كان مفروضاً عليه في العراق منذ هزيمته على يد الصحوات عام 2009، وهو ما أدى من حيث المآل إلى نقل الدعم إلى “جبهة النصرة” لسنوات تالية باعتبارها الأقدر على الوقوف في وجه الانتشار السريع لتنظيم داعش ومنافسته إيديولوجياً وعسكرياً.

وفي مقابل خطاب التهديد الموجه إلى قطر، كان لافتاً للانتباه الصمت المطبق الذي التزم به المتحدث الرسمي باسم “داعش” حيال المملكة العربية السعودية، حيث لم يتطرق إليها من قريب أو بعيد في كلمته التي استغرقت ما يقارب أربعين دقيقة. ومع صعوبة إيجاد تفسير منطقي لهذا التجاهل يكون متلائماً مع إيديولوجيا التنظيم ومنسجماً مع توجهاته العقائدية، يذهب أحد التفسيرات المحتملة إلى أن العداء المشترك لجماعة الاخوان المسلمون وأجندات تركيا وقطر في المنطقة قد يكون شكّل بداية إدراك لدى قيادة التنظيم الجديدة بأن ثمة مصالح متقاطعة مع الأجندة السعودية يجب أخذها بعين الاعتبار قبل الوقوع في الخطأ القاتل الذي وقعت به قيادته السابقة من حيث استعداء جميع الأطراف عليها وعدم قدرتها على تحييد أي طرف لتخفيف الضغط عليها.

وثمة تفسير آخر لا يخلو من الوجاهة مفاده أن “داعش” يسعى إلى ابتزاز بعض الأطراف والدول من أجل دفعها إلى إعادة دعمه وتمويله على خلفية وجود قواسم مشتركة بين استراتيجيات الطرفين قد يكون أهمها العداء للمقاتلين الكرد في شمال العراق وشرق سوريا، مع التلويح بأن الخيار الثاني سيكون وضع هذه الدول على قائمة عملياته في حال أخفقت مساعي ترميم العلاقات السابقة.

إقرأ على موقع 180  مسرحيتنا العربية الدامية.. خلاعة ثقافية

في مقابل خطاب التهديد الموجه إلى قطر، كان لافتاً للانتباه الصمت المطبق الذي التزم به المتحدث الرسمي باسم “داعش” حيال المملكة العربية السعودية

وما يعزز من الاحتمالات السابقة، هو طبيعةُ التطورات التي تشهدها دول غرب أفريقيا والتي تكاد تماثل ما شهدته سوريا من حيث العداوة والخصام بين “داعش” و”القاعدة”، إذ من غير المستبعد أن تكون معادلات الدعم والردع للتنظيمات الجهادية قد انتقلت إلى تلك الدول وفق نفس السيناريوهات التي خبرها التنظيم في سوريا وعملت على شق صفوفه ومحاصرته من قبل البيئة الجهادية التي ينتمي إليها.

وقد اتّهم القرشي في خطابه الأخير جماعة القاعدة في غرب أفريقيا بأنها تقدم نفسها للنيابة عن “الصليبيين” في قتال “أجناد الخلافة” لقاء قبول الطواغيت هناك التفاوض معها وترك “الصليبيين” لقتالها (أي “القاعدة”)، مشيراً إلى وجود انشقاقات كبيرة في صفوف “القاعدة” لصالح تنظيمه حسب قوله.

وتحدثت تقارير إعلامية خلال الأسابيع الماضية عن حصول اشتباكات ومعارك قاسية بين القاعدة من جهة وتنظيم “داعش” من جهة ثانية في المنطقة الوسطى من مالي واحتمال تمددها إلى دول أخرى في ذلك الاقليم.

كما كشف ديوان الاعلام المركزي لداعش في العدد الأخير من صحيفة “النبأ” التي تصدر عنه أن قيادة التنظيم لم تكن تتوقع “دخول تنظيم القاعدة في مشروع صحوات الشام” وأن هذا الإغفال تسبب في إخفاق الخطة الوقائية التي كانت وضعتها من أجل منع تكرار سيناريو صحوات العراق في سوريا. وقد يعني هذا بشكل أو بآخر أن تنظيم “داعش” بات يتعامل مع القاعدة كما يتعامل مع أي فصيل آخر مرتد أو علماني باعتباره مجرد أداة من أدوات الدول “الصليبية” وهو ما يوجب الحذر منها ومواجهتها في أي وقت أو مكان.

وعليه قد يكون الخطاب المستجد للتنظيم من حيث التركيز على قطر وتجاهل السعودية، إنما جاء في نسبة كبيرة منه استجابة للتحديات التي تواجهه في دول غرب أفريقيا، حيث تبشر التطورات بأن ينعكس الانقسام الخليجي والأجندات المتضاربة بين محور السعودية من جهة ومحور تركيا من جهة ثانية على تفاصيل ما يجري في تلك الدول واحتمال أن يلعب كل معسكر أدواراً مشابهة لأدواره في الأزمة السورية من حيث اختراق الجماعات الجهادية ودفعها للاقتتال في ما بينها بما سيخدم في النهاية أجندات الدول الواقفة وراءها وحدها.

Print Friendly, PDF & Email
عبدالله سليمان علي

كاتب وصحافي سوري، وباحث في شؤون الجماعات الإسلامية

Download Premium WordPress Themes Free
Premium WordPress Themes Download
Free Download WordPress Themes
Download WordPress Themes
udemy paid course free download
إقرأ على موقع 180  ماذا تريد إيران.. وماذا نحن نريد؟