الإمارات وحروب الموانىء العالمية من بيروت الى الصومال 

ثمة حروب ناعمة تجري بعيداً عن الأضواء، سترسم مستقبل دول، وتعيد تشكيل دول أخرى أو تلغيها. هي حروب المرافئ حول العالم.

أعاد التفجير الجهنمي لمرفأ بيروت، الى الواجهة حروب المرافىء في المنطقة. ما جرى بين إسرائيل والإمارات وما إستجلب من ردود فعل بين شاجب ورافض ومؤيد، ليس بعيداً عن سعي الامارات الى لعب دور كبير في مجال التجارة العالمية والسيطرة على مرافئ كثيرة عبر العالم، وهذا من المستحيل التوصل اليه بلا علاقات قوية مع اميركا وإسرائيل، وفق تفسير مسؤول عربي خبير بالعلاقات العربية الأميركية والعربية الإسرائيلية.

 أولاً، تفجير مرفأ بيروت:

 مع ازدياد الإشارة الى احتمال تورط إسرائيل، من بين فرضيات أخرى، في تفجير مرفأ بيروت (أشار إلى ذلك كل من الرئيس اللبناني ميشال عون، السيد حسن نصرالله، وزير داخلية لبنان السابق نهاد المشنوق وغيرهم)، يتبين ان تدمير مرفأ بيروت، كان هدفاً فعلياً لتطويق لبنان، ذلك ان الحدود الجنوبية مقفلة بسبب حالة العداء مع إسرائيل، والحدود مع سوريا أقفلت بسبب كورونا مع ارتفاع حدة مطالبات محلية ودولية بضبطها عبر قوات دولية، ولم يبق الا مرفأ بيروت، لكون مرفأ صيدا ضعيف ومرفأ طرابلس له حسابات جيوسياسية تعيق جعله بديلاً.

حين يُضرب مرفأ بيروت (على الأرجح بعمل تخريبي منظم)  بعد ضرب القطاع المصرفي، يضيق الخناق على اللبنانيين، فترتفع حركة الشارع ضد الجميع وفي مقدمهم حزب الله، وتصل حركة الاحتجاج الى محاولة اسقاط الجميع وفي مقدمهم رئيس الجمهورية والمجلس النيابي.

الواضح ان دولاً عديدة، باتت تميل نحو فرضية العمل الإسرائيلي، ربما فاجأ بحجمه الجميع.  كل التبريرات التي قيلت من الجانب الإسرائيلي لنفي ما حصل زادت الشكوك، وكل التبريرات الأميركية لم يقتنع بها حتى حلفاء واشنطن من العرب.

كان هدف الضربة مزدوجاً، أولاً، توجيه رسالة امنية كبيرة تساهم في القاء اللوم على حزب الله وسلاحه، وثانياً، شلّ مرفأ بيروت. لكن الدخول السريع لفرنسا ودول عربية وفي مقدمها المغرب ومصر (تفوق المساعدات المصرية للبنان بمرتين أية مساعدات أخرى)، أعاد الأمل باحتمال إعادة تشغيل المرفأ في فرصة قريبة. كما ان الحضور الفوري لإيران وطرحها تقديم مساعدات كبيرة للبنان في مجالات الكهرباء والمحروقات والزجاج وغيرها، جعل الاميركيين ينتبهون الى احتمال انفلات لبنان من أيديهم باتجاه الصين وايران وغيرهما.

ثانياً، المرافئ في العلاقات الإماراتية ـ الإسرائيلية:    

لم يكن الإعلان عن العلاقات الإماراتية ـ الإسرائيلية مفاجئاً لمتابعي الاتصالات بين الجانبين منذ سنوات. وقد كانت هناك خطوات تجارية ورياضية علانية قبل اعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن الاتفاق الثلاثي بين اميركا وإسرائيل وأبو ظبي. لكن كثيرين طرحوا السؤال، لماذا الامارات، ولماذا الآن، وذهب البعض الى حد ربط ذلك برغبة أبو ظبي في تقديم هدية سياسية ثمينة الى ترامب قبيل الانتخابات الأميركية، وقال آخرون ان هذه الخطوة تساعد بنيامين نتنياهو نفسه المتخبط بعشرات المشاكل في الداخل والذي قد يذهب أيضاً نحو إنتخابات رابعة، اما الامارات وحلفاؤها واصدقاؤها، فقد اكدوا ان هذه العلاقات ساهمت في منع نتنياهو من ضم الضفة الغربية!

بعيداً عن هذه التفسيرات المتناقضة، فان مسؤولاً عربياً له خبرة طويلة بالعلاقات العربية ـ الأميركية وخبرة أقل بالعلاقات العربية ـ الإسرائيلية، يقول:”لن نفهم خطوة الامارات هذه الا اذا نظرنا الى المشاريع الإماراتية الضخمة في السيطرة على مرافئ عالمية وادارتها، ذلك ان هذا الامر الدولي الكبير بحاجة الى دعم كبير، وخطوط عبور، وهذا لا يمكن توفيره بلا اميركا وإسرائيل”.

الحركة الملاحية والعسكرية والتجارية الواسعة لأبو ظبي اقنعت قادتها بضرورة نسج علاقات قوية مع اميركا وإسرائيل وربما لا، لكن حتماً لا يمكن لهذا الطموح الاماراتي الكبير ان ينجح بلا ضوء اخضر أميركي، وهذا الضوء الأخضر مشروط دائماً برضا إسرائيل ومصالحها

الواقع ان الناظر الى هذه الزاوية سيكتشف أموراً كبيرة حيث ان الامارات تدير مجموعة كبيرة جداً من الموانئ عبر العالم من آسيا وأوروبا الى اميركا اللاتينية والولايات المتحدة وصولاً الى افريقيا والتي يقترب عددها من ٨٠ مرفأ لها اهداف تجارية وجيوسياسية وعسكرية، واليكم بعض اللائحة على سبيل المثال:

  • تقيم الامارات قاعدة عسكرية في جمهورية “ارض الصومال” غير المعترف بها دوليا، ولكن أهميتها انها تطل على خليج عدن.
  • منطقة بربرة التي بدأت الامارات بإنشاء قاعدة عليها منذ ثلاثة أعوام، تبعد ٣٠٠ كيلومتر عن جنوب اليمن.
  • السعي الاماراتي لإدارة موانىء اليمن وخصوصا ميناء عدن، لم يبدأ مع الحرب التي شاركت فيها الامارات الى جانب السعودية ودول أخرى ضد انصار الله الحوثيين، فالرئيس اليمني الراحل علي عبدالله صالح هو من كان قد منح موانئ دبي في العام ٢٠٠٨ حق إدارة ميناء عدن وموانئ أخرى في عقد يمتد لمدة ١٠٠ عام. لكن مؤسسة خليج عدن قررت الغاء اتفاقية تأجير المرفأ لشركة موانئ دبي بعد خلع الرئيس الراحل علي عبدالله صالح. في السنوات الماضية، تجددت مشاريع الامارات في الموانئ اليمنية والخليجية المطلة على البحر الأحمر وخليج عدن، ويمكن ان نذكر على سبيل المثال ان إدارة جزيرة سُقطرى اليمنية المطلة على الخليج تتيح لها مراقبة كل الملاحة البحرية نحو افريقيا. كما ان خصوم الامارات في اليمن يقولون انها تبني قواعد عسكرية وبحرية للسيطرة على منطقة باب المندب.
  • وقّعت الإمارات مع اريتريا اتفاقية استئجار ميناء عصب المواجه للبحر الأحمر وكذلك على مطار المدينة.
  • كانت الإمارات ارتبطت باتفاقية مع دولة جيبوتي لادارة الميناء والمنطقة الحرة فيها، لكن حصل خلاف لاحقاً تخلله تهم بالرشى ما أدى الى فسخ العقد، قبل ان تلزم محكمة لندن للتحكيم الدولي في العام ٢٠١٦ حكومة جيبوتي بدفع نفقات الدعوى التي خسرتها.
  • وقّعت الامارات مع مصر في عهد الرئيس المصري السابق حسني مبارك اتفاقية لاستثمار ميناء عين السخنة.
  • للإمارات أيضاً اتفاقيات مع الجزائر تشمل العاصمة، وجن جن (الذي يعتبر من اكبر مرافئ افريقيا) وجيجل وغيرها.
  • وفيما تدور رحى المعارك في ليبيا، فان الامارات سعت لكسب بعض الموانئ الليبية بعد ان ادارت ميناء برقة في الشرق بالتعاون مع اللواء خليفة حفتر.
إقرأ على موقع 180  سوريا أسيرة إرث اللامركزية الثقيل.. من أين يبدأ التعافي؟  

هذا غيض من فيض الموانئ والمرافئ التي تديرها شركة موانىء دبي في معظم دول العالم  وخصوصا في السنغال، موزمبيق، الارجنتين، كندا، البيرو، الدومينيكان، فنزويلا، سورينام، الصين، فيتنام ، باكستان، روسيا، كوريا الجنوبية، المانيا، بلجيكا، فرنسا، رومانيا، هولندا، بريطانيا، وصولا الى استراليا.

يشار الى ان الامارات تملك اثنين من أكبر ٥٠ ميناء في العالم، وتحتل بالتالي المركز العاشر عالمياً، ولها ١٢ منفذاً بحرياً تجارياً عدا عن الموانئ النفطية، و٣١٠ مراسي بحرية، تصل حمولتها الى ٨٠ مليون طن من البضائع.

ثالثاً، منافسة مع الصين لمصلحة أميركا أم العكس؟

تعرف الامارات ان عصر النفط آيل للأفول وان البدائل التي وفّرتها دبي كمركز مالي واقتصادي عالمي تبقى هشّة في مواجهة مستقبل عالمي غامض، ولعل الامارات تُدرك ايضا ان شهر العسل الحالي مع السعودية قد لا يطول لأسباب كثيرة، وتدرك أيضا ان الاعتماد على “مضيق هرمز” فقط له مخاطر كبيرة لتجارتها المقبلة بسبب الحضور الإيراني المهدد،  لذلك لا بد من حصانة دولية اكبر.

وهنا ثمة رأيان يتناقضان تماماً، يقول أولهما ان الامارات تريد ان تكون بوابة المشروع الصيني الضخم “الحزام والطريق” صوب الشرق الأوسط والبحر الأحمر وافريقيا، ورأي آخر عبّر عنه الكاتب الروسي  أندريه إيفانوف بقوله أن الإمارات “تتحرك لتعطيل المشروع الصيني ولن تنتظر ظهور منافس جديد لموانئها”، وتتمثل إحدى خطوات أبو ظبي في هذا الصدد في إقامة علاقات مع الهند، ذلك ان كلا الطرفين يتقاسمان المصالح ذاتها، وفي حال أصبح ميناء غوادر جاهزا للعمل، فإن حركة الشحن الرئيسية ستمر عبر منطقة كشمير المتنازع عليها، والتي من المحتمل أن تكون حينها تحت حماية القوات الصينية.

ربما هذه الحركة الملاحية والعسكرية والتجارية الواسعة لأبو ظبي اقنعت قادتها بضرورة نسج علاقات قوية مع اميركا وإسرائيل وربما لا، لكن حتماً لا يمكن لهذا الطموح الاماراتي الكبير ان ينجح بلا ضوء اخضر أميركي، وهذا الضوء الأخضر مشروط دائماً برضا إسرائيل ومصالحها التي تسعى الى توسيعها تجارياً واقتصادياً مع الدول العربية.. بغض النظر عن مصير فلسطين.

(*) ينشر بالتزامن مع موقع خمس نجوم   

Print Friendly, PDF & Email
سامي كليب

صحافي وكاتب لبناني

Free Download WordPress Themes
Download Nulled WordPress Themes
Free Download WordPress Themes
Free Download WordPress Themes
udemy course download free
إقرأ على موقع 180  معهد هرتسليا: لا شيكات أميركية مفتوحة لإسرائيل!