لبنان: سقوط التدقيق الجنائي على وقع التكليف والترسيم!
(L-R) IMF member of the board of governors Riad Toufic Salame, World Bank Group President Jim Yong Kim, National Bank of Poland director Marek Belka and Bank of Japan Governor Masaaki Shirakawa hit a cask of sake during a 'kagami biraki' ceremony (or opening the mirror) at the opening of a welcoming reception for the International Monetary Fund (IMF) and the World Bank Annual Meetings in Tokyo on October 12, 2012. Heads of the IMF and World Bank are meeting in Japan from October 9 to 14. AFP PHOTO / POOL / FRANCK ROBICHON (Photo credit should read FRANCK ROBICHON/AFP/GettyImages)

عناوين عديدة تُميّز هذا الأسبوع اللبناني الطالع، أولها إنطلاق مسار مفاوضات الترسيم البحري بين لبنان وإسرائيل، برعاية دولية ـ أميركية؛ مشاورات تكليف رئيس جديد للحكومة اللبنانية؛ التدقيق الجنائي بحسابات مصرف لبنان المركزي؛ وقضية وقف الدعم الحكومي عن مواد أساسية كالمحروقات والدواء والمواد الغذائية.

تشي المعطيات بثبات موعد إنطلاق مفاوضات الترسيم البحري بين لبنان وإسرائيل، الأربعاء المقبل. هذا التوقيت أميركي بإمتياز، وذلك عشية الإنتخابات الأميركية، والدليل أن الجواب الإسرائيلي المتأخر على إتفاق ـ إطار ناجز منذ الأسبوع الأول من تموز/يوليو الماضي إختار الأميركيون الإعلان عنه في الأول من تشرين الأول/أكتوبر الحالي. لا ينفي ذلك حساسية التوقيت لبنانياً ربطاً بالإنهيار الإقتصادي والمالي ومناخ العقوبات الأميركية المتصاعدة ضد لبنان، لكن الضوء الأخضر لم يكن ليتوافر إلا بقرار أميركي. هذا يعني أن إحتمالات بروز عقبات يمكن أن تفضي إلى عرقلة إنطلاقة هذا المسار، تكاد تكون ضئيلة جداً، من دون إغفال حقيقة أن الشكليات في المرحلة الأولى توازي بأهميتها المضمون، خصوصاً أن الإسرائيليين والأميركيين يعوّلون على “الصورة” الأولى!

وما أن تنطوي هذه الصفحة يوم الأربعاء المقبل، حتى تتجه الأنظار إلى ما سيكون عليه اليوم التالي: 15 تشرين الأول/أكتوبر. هل يبقى موعد الإستشارات النيابية الملزمة في القصر الجمهوري، لإختيار رئيس جديد للحكومة قائماً أم يبادر رئيس الجمهورية ميشال عون إلى تأجيله؟

ثمة دينامية سياسية يفترض أن ينتجها حراك الرئيس سعد الحريري على أكثر من خط، بدءاً من بيته الداخلي ومن ثم باقي الأطياف السياسية ولا سيما منها ثنائي حركة أمل وحزب الله، ورئيس الجمهورية ورئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل ورئيس الحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط.

إذا كان الحريري يتحرك تحت سقف “المبادرة الفرنسية”، هل سيكتفي بحكومة إختصاصيين، وكيف سيبرر “سياسويته” على رأسها، ثم هل يمكن أن يتنازل له “الثنائي” عما لم يتنازل عنه لـ”الإختصاصي” مصطفى أديب؟ وهل سيفرض الحريري الوزراء المسيحيين وحقائبهم على جبران باسيل أم سيكون الأخير شريكاً في التأليف؟ يسري الأمر نفسه على جنبلاط، وإن كان الأخير يتجه إلى إعتماد خيار التسهيل من دون تكبير التعويل على الحريري، وبالتالي، لن يخذله لا في التسمية ولا في الثقة، بعكس القوات اللبنانية.

هذه المعطيات قد تجعل تأجيل المشاورات النيابية (لأيام أو لأسبوع) خياراً مطروحاً بجدية، لكن هذه المرة يريد رئيس الجمهورية أن يأتيه الطلب من مجلس النواب، سواء عبر رئيسه أو هيئة مكتبه، حتى لا يتحمل هو مسؤولية التأجيل، خاصة في ضوء الإلحاح الدولي عليه بالدعوة للإستشارات

على الأرجح، لن تكون مهلة الثلاثة أيام (من الإثنين حتى الأربعاء المقبل) كافية لإنجاز الحريري “فروضه” السياسية، خاصة وأنه يفتقد إلى فريق إستشاري سياسي مبادر وقادر على نيل ثقته، كما يفتقد لمنظومة حماية سياسية تحصّن مبادرته، لا سيما من خلال تولي مهمة التشبيك مع باقي القوى السياسية. زدْ على ذلك، أين يقف الفرنسيون من خطوة الحريري وهل يمكن أن يشكلوا قوة دفع لأجل إنجاحها وإزالة ما يعترضها من ألغام أم سيستمرون بالإنكفاء؟

هذه المعطيات والأسئلة قد تجعل تأجيل المشاورات النيابية (أياماً أو أسبوعاً) خياراً مطروحاً بجدية، لكن هذه المرة يريد رئيس الجمهورية أن يأتيه الطلب من مجلس النواب، سواء عبر رئيسه أو هيئة مكتبه، حتى لا يتحمل هو مسؤولية التأجيل، خاصة في ضوء الإلحاح الدولي عليه بالدعوة للإستشارات.

ماذا عن رفع الدعم؟

كل الإجتماعات الحكومية في الأيام الأخيرة، كانت تصب في خانة تغطية هذه الخطوة، برغم بعض التصريحات السياسية التي تندرج في خانة “المزايدة السياسية”. حقيقة الأمر ان جميع القوى السياسية موافقة على رفع الدعم، من أجل تخفيف الضغط على ما تبقى من إحتياطي من العملات الأجنبية لدى مصرف لبنان. وزارة الطاقة وضعت سيناريوهات عديدة لـ”تحرير المحروقات”، ولكن لا أحد يجرؤ على تبنيها، سواء الوزير نفسه أو رئيس حكومة تصريف الأعمال أو حاكم المصرف المركزي. ثمة لعبة مكشوفة عنوانها رمي الكرة من ملعب إلى آخر. وما يسري على المحروقات، يسري على مواد أخرى، ولا سيما الدواء الذي بدأت شركات الأدوية تحتكره، وبالتالي، صارت أدوية كثيرة مفقودة في الصيدليات. أما قضية دعم طلاب لبنان، بحوالي المليون ليرة لبنانية سنوياً، فيبدو أنها ستسقط حتى من التداول الإعلامي، ذلك أن الكل لا يريد أن يتحمل كلفتها البالغة حوالي الألف مليار ليرة لبنانية (مليون طالب وتلميذ في لبنان)، فالمصرف المركزي يريد فتح حساب خاص لها، على أن تحتسب من ضمن خسائر وزارة المالية (الدولة اللبنانية) وهذا مارفضته الأخيرة. في النهاية، لن يقبل أحد أن يأخذ على عاتقه إتخاذ قرار بصرف هكذا مبلغ في موسم حكومة تصريف الأعمال ومن دون أية تغطية مالية، ناهيك عن أن المضي بالخطوة سيزيد الإنكشاف المالي أمام صندوق النقد الدولي الذي يطالب بخفض العجز (الإنفاق) لا زيادته.

هل يمضي سعد الحريري بما أعلنه في مقابلته مع الزميل مارسيل غانم يوم الخميس الماضي، من توفير غطاء لحاكم مصرف لبنان المركزي حتى لو كان الثمن تطيير فرصة رئاسة الحكومة، أم أنه سيجد نفسه مضطراً ـ وبشراكة كاملة مع قوى أخرى ـ لتغطية التدقيق ولو إقتضى التضحية بسلامة؟

النقطة الرابعة والأهم هي قضية التدقيق الجنائي. يمكن القول إن الأسبوع الجديد سيكون مفصلياً. لماذا؟

إقرأ على موقع 180  لنخجل، لا أحد "يلتكش" بلبناننا.. ولو بحذائه!

وصل وفد شركة “الفاريز ومارسال” يوم الإثنين الماضي إلى لبنان. رفض مصرف لبنان المركزي تخصيص مكتب أو أكثر للشركة في مقر الحاكمية في الصنائع لأسباب عديدة، فكان أن قرر وزير المالية غازي وزني منح الشركة مكاتب في مبنى الوزارة في وسط بيروت، بمحاذاة مجلس النواب. حسب العقد، يفترض ان تمر كل مطالب ومواعيد الشركة عبر وزارة المال. في البداية رفض حاكم المصرف المركزي، إستقبال وفد الشركة. تدخلت وزارة المالية، فكانت ذريعة الرفض أن العقد موقع بين وزارة المال وشركة “ألفاريز” وهو غير ملزم لمصرف لبنان. النقطة الثانية أن قانوني النقد والتسلف والسرية المصرفية يحولان دون تقديم أية أجوبة على المعلومات التي طلبتها شركة “الفاريز” قبل وصولها (أكثر من 60 سؤالاً). أدى تدخل وزارة المال إلى عقد لقاء بين وفد الشركة برئاسة جايمس دانيال وبين رياض سلامة وبعض مستشاريه يوم الإثنين الماضي. النتيجة أنه كما الدخول إلى مصرف لبنان كان الخروج. صفر معلومات وصفر تعاون. أثير الأمر خلال لقاء وفد الشركة برئيس الجمهورية ميشال عون بحضور وزير المال يوم الأربعاء الماضي في بعبدا، ثم أثير في إجتماع عقد في وزارة المال، أعقبه إجتماع لجنة الإشراف على تنفيذ عقد التدقيق الجنائي برئاسة وزني وحضور مدير عام إدارة المناقصات في التفتيش المركزي جان العليّة، رئيسة هيئة التشريع والإستشارات في وزارة العدل جويل فوّاز، وعضو اللجنة محمد جزيني. أظهرت حصيلة الإجتماع، حسب أحد أعضاء اللجنة، أن الأبواب مقفلة نهائياً بوجه التدقيق الجنائي. إستدعى الأمر تدخلا من مراجع عديدة لدى رياض سلامة، فوافق على عقد إجتماع ثانٍ يوم الخميس الماضي بين الشركة والفريق المعين من قبله لمتابعة عملية التدقيق الجنائي. وكما الإجتماع الأول، كانت نتيجة الإجتماع الثاني: صفر معلومات، علماً أن اللجنة إجتمعت أيضاً بلجنة الرقابة على المصارف ولكن الإجتماع لم يتخط حدود التعارف!

يوم الجمعة الماضي، كان قرار شركة “الفاريز” شبه حاسم: إصدار بيان رسمي تُعلن فيها إنسحابها وإنتهاء أعمالها وبالتالي الإلتزام بكل ما يترتب على قرارها من الناحية القانونية. حصلت مداخلات دولية ولا سيما من الحكومة الفرنسية، عبر سفارتها في بيروت (إلتقى وفد منها بممثلي الشركة في وزارة المال اللبنانية). كان الكلام الفرنسي مفاجئاً بمضمونه: لا إرادة دولية بتوفير الغطاء لكل من يقف بوجه التدقيق الجنائي. وَعَدَت مراجع سياسية لبنانية كبيرة بالتدخل لدى سلامة أيضا.. وهذا ما حصل بالفعل. فكان أن أعطي حاكم مصرف لبنان المركزي مهلة حتى الثلاثاء المقبل من أجل تقديم أجوبة على الأسئلة والمعلومات التي طلبتها الشركة.

تشي معظم التقديرات بأن حاكم مصرف لبنان المركزي لن يسمح بإعطاء أية معلومات، برغم المهلة التي تنتهي مع إنتهاء الدوام الرسمي يوم الثلاثاء المقبل، متسلحاً بمضمون العقد نفسه، وبقانوني النقد والتسليف والسرية المصرفية، حتى لو أدى ذلك إلى إنسحاب “الفاريز” وإعلان فشل مهمتها وبالتالي كل مهمة التدقيق الجنائي.. وصولاً إلى تحميله المسؤولية عن ذلك.

يذكر أن العقد الموقع بين “الفاريز” ووزارة المال ينص على إنه خلال خمسة اسابيع من بداية عمل الشركة، اذا توصلت شركة التدقيق إلى إستنتاج مفاده ان المعلومات التي بحوزتها، سواء عبر مصرف لبنان أو مصادرها الأخرى، لا يتيح لها أن تكمل مهمتها، فهي ستبادر إلى إبلاغ الدولة اللبنانية ممثلة بوزير المالية إعتذارها عن المضي بالعقد وطلب إنهاء مهمتها وفق آلية تضمن للطرفين حقوقهما المالية وغيرها.

ماذا بعد؟

حتى الآن، يمكن القول ـ وبتحفظ ـ أن لا مؤشرات على وجود أية حماية سياسية خارجية لحاكم مصرف لبنان المركزي، بل ثمة إستعجال فرنسي على أن “يبنى على الشيء مقتضاه”. الحماسة نفسها يبديها صندوق النقد الدولي. عملياً، تصبح الحماية الأساسية داخلية، ناهيك عن أن حكومة تصريف الأعمال عاجزة عن إتخاذ أي قرار.

ما يسترعي الإنتباه في هذه القضية، أن الإستشارات النيابية الملزمة، سيكون ممرها الإلزامي من وجهة نظر ميشال عون (ضمناً جبران باسيل) وربما الفرنسيين، تثبيت التدقيق الجنائي، فهل يمضي سعد الحريري بما أعلنه في مقابلته مع الزميل مارسيل غانم يوم الخميس الماضي، من توفير غطاء لحاكم مصرف لبنان المركزي حتى لو كان الثمن تطيير فرصة رئاسة الحكومة، أم أنه سيجد نفسه مضطراً ـ وبشراكة كاملة مع قوى أخرى ـ إلى تغطية التدقيق ولو إقتضى التضحية بسلامة؟

لنترقب مسار التكليف على إيقاع حدثين هذا الأسبوع: مفاوضات الترسيم البحري والتدقيق الجنائي.. وكلاهما سيحمل أخباراً جديدة يوم الأربعاء المقبل.

Print Friendly, PDF & Email
Download WordPress Themes Free
Free Download WordPress Themes
Premium WordPress Themes Download
Premium WordPress Themes Download
free download udemy course
إقرأ على موقع 180  "كامل" و"عامل".. سيرة إنسان ومؤسسة