أوباما.. “أنجح صياد” يدخل البيت الأبيض (1)

Avatarخاص 18026/11/2020
في كتابه الأخير "أميركا القيم والمصلحة، نصف قرن من السياسات الخارجية في الشرق الأوسط"، يقدّم سفير لبنان الأسبق في واشنطن الدكتور عبدالله بو حبيب عرضاً للحقبات الرئاسية من ريتشارد نيكسون إلى دونالد ترامب. يستعيد موقع 180 ما تضمنه الكتاب عن حقبة باراك أوباما التي قد تؤشر في بعض عناوينها إلى ما ستكون عليه حقبة الرئيس المنتخب جو بايدن، ولو أن الزمن لا يعود إلى الوراء.

كان باراك حسين اوباما، الرئيس الـ44 للولايات المتحدة الاميركية، اول رئيس من الافارقة الاميركيين، واول رئيس خريج كلية الحقوق في جامعة هارفرد، واول رئيس ولد في ولاية هاوي التي اصبحت ولاية اميركية عام 1958، قبل عامين من تاريخ ولادته، واول رئيس من مواليد النصف الثاني من القرن العشرين. كذلك اول اميركي افريقي يترأس تحرير مجلة «هارفرد القانونية».

انتخب باراك اوباما شيخاً في مجلس ولاية اللينوي من عام 1997 الى عام 2004 حينما انتخب عضواً في مجلس الشيوخ الفيديرالي عن ولاية اللينوي. واستقال عام 2008 على اثر انتخابه رئيساً للولايات المتحدة في تشرين الثاني. تسلم الرئاسة في 20 كانون الثاني 2009، وكانت اميركا تشهد انهياراً اقتصادياً هو الاكبر منذ الانهيار الكبير عام 1929، فقضى جزءاً كبيراً من ولايته الاولى يعالج القضايا الاقتصادية والاجتماعية الشائكة.

لكن انجازاته خلال ولايتيه (2009 ـ 2017) في السياسة الخارجية كانت ايضاً كبيرة. في الولاية الاولى، اكمل الانسحاب من العراق الذي بدأه جورج بوش الابن، وزاد من عديد القوات الاميركية في افغانستان، واشترك مع دول حلف الاطلسي ودول عربية في انهاء نظام معمر القذافي في ليبيا، واعطى امراً بتصفية اسامة بن لادن زعيم القاعدة واشرف على تنفيذه، كما قضت الاستخبارات الاميركية على عدد كبير من قيادات التنظيم المتطرّف.

غايتس: هو الرئيس الاكثر جدلية من الرؤساء الثمانية الذين عملت معهم. يتخذ القرار بعدما تسمح له الظروف بجمع المعلومات وتحليلها والتأمل فيها. وجدتُ اسلوبه منعشاً مطمئناً

خلال ولايته الثانية، استمر في اصلاحات داخلية، وحققت سياسته الخارجية انجازات كبيرة منها الاتفاق النووي مع ايران، والانفتاح على كوبا، واتفاق باريس المناخي، واتفاق الشراكة عبر المحيط الهادىء، واعاد قوات اميركية الى العراق بعد احتلال داعش شمالها الغربي.

من الاهمية بمكان التعرّف على تفكير اوباما لفهم مواقفه السياسية، خصوصاً تلك التي واجهت انتقادات ومعارضة قوية من القوى التقليدية، الليبرالية والمحافظة في واشنطن، والحلفاء والاصدقاء في اوروبا والشرق الاوسط. وصف الرئيس الاميركي يتطلب قراءة عميقة لكتبه وخطاباته، لاسيما مقال جيفري غولدبرغ في مجلة «الاطلنتيك» في نيسان 2016. عالج كاتب المقال سياسته الخارجية بالتركيز على الشرق الاوسط ومقاربته استعمال سوريا السلاح الكيميائي واجتياح داعش شمال العراق والاتفاق حول الملف النووي لايران، الى علاقته باسرائيل والسعودية. كتب غولدبرغ مقاله بعد مقابلات طويلة وعدة مع الرئيس في البيت الابيض وفي اثناء اسفاره الى الخارج.

لا بد من البدء من توصيف روبرت غايتس لاوباما، وكان وزير دفاعه الاول، بعدما خدم في المنصب نفسه في عهد جورج بوش الابن في العامين الاخيرين من ولايته الثانية. يصف غايتس في مذكراته علاقته باوباما بأنها كانت متينة، لكنها دائماً علاقة عمل.

يضيف غايتس: «امضينا عامين ونصف عام معاً تقريباً نجتمع في المكتب البيضاوي او في مكتب الاوضاع في البيت الابيض. رغم ان اوباما ديموقراطي ليبرالي، وانا اعتبر نفسي جمهورياً محافظاً على نحو معتدل، كنت اتفق معه كلياً عندما تبحث قضايا الامن القومي الاميركي. وجدت الرئيس اوباما واقعياً وعملياً في قضايا الامن القومي، منفتحاً على حل وسط من اجل التوصل الى قرار. راح البعض ينتقده لاسلوبه الجدلي، هو الرئيس الاكثر جدلية من الرؤساء الثمانية الذين عملت معهم. يتخذ القرار بعدما تسمح له الظروف بجمع المعلومات وتحليلها والتأمل فيها. وجدتُ اسلوبه منعشاً مطمئناً، خصوصاً وان عدداً من منتقديه يظنون ان مشكلة ما تم اكتشافها في الصباح، يجب ان تحل بعد الظهر».

بحسب غولدبرغ، فإن اوباما على نقيض الديموقراطيين الليبراليين الذين يهوون التدخّل في شؤون الدول الاخرى. كان معجباً بواقعية السياسة الخارجية للرئيس جورج بوش الاب، وبالذات واقعية مستشاره للامن القومي الاميركي برنت سكوكروفت. كما قال الرئيس لغولدبرغ: «ازال بوش وسكوكروفت جيش صدام حسين من الكويت في عام 1991 بسلاسة وسهولة، وادارا بشكل حذق تفكك الاتحاد السوفياتي، كما قام سكوكروفت نيابة عن بوش بانتقاد لاذع لزعماء الصين بعد وقت قليل من مذبحة ميدان تيانانمين».

كان اوباما، كذلك، حذراً من ان ينتهي عهده كبوش الابن الرئيس «الذي اصبحت التزاماته المفرطة في الشرق الاوسط مأساوية، وملأت قراراته اجنحة مستشفى «وولتر ريد» بالجنود الاميركيين المصابين، وكان عاجزاً عن تغيير سمعته، حتى عندما اجرى تقويم سياساته في ولايته الثانية». في اعتقاد غولدبرغ، بات اوباما يرى ان المهمة الاولى للرئيس الاميركي على المسرح الدولي، بعد بوش الابن، ان «لا تفعل شيئاً غبياً».

سأم الحروب

يعتقد اوباما ان على رئيس الولايات المتحدة ان لا يضع الجنود الاميركيين في خطر كبير من اجل منع الكوارث الانسانية، الا اذا كانت تلك الكوارث تشكل تهديداً مباشراً للامن القومي للبلاد. وصل الى اقتناع خلال فترة ولايته الاولى مفاده ان ثمة عدداً قليلاً من التهديدات في الشرق الاوسط يتطلّب تدخّلاً عسكرياً مباشراً من الولايات المتحدة، منها تهديد وجودي لاسرائيل وتهديد القاعدة وداعش للداخل الاميركي والتهديد الذي تشكله ايران نووياً لحلفاء اميركا في الشرق الاوسط واصدقائها.

مع انه شارك في حرب على بلد مسلم هو ليبيا ورئيسها معمر القذافي عام 2011، وكان ذلك بقرار من مجلس الامن، سئم من مشاهدة واشنطن تنجرف على نحو غير مألوف الى حروب مع دول اسلامية. خطابه في جامعة القاهرة في حزيران 2009، في الاشهر الاولى من رئاسته، توجّه به لبدء حوار مع الشعوب الاسلامية واعداً بأن الولايات المتحدة ليست – ولن تكون – عدوة الاسلام والمسلمين. اعترف لاحقاً بفشل تحقيق هدفه، وعزاه الى عدم تجاوب الجماعات والحكومات العربية معه.

قال أوباما انه ينتمي الى المربع الواقعي، ويعتقد ان ليس في وسع الولايات المتحدة «ان تنهي كل البؤس في العالم. على الادارة الاميركية ان تختار المكان حيث يمكن لافعالها واعمالها ان يكون لها تأثير حقيقي”

في المجال الدولي، رغم انه انتهى الى اقتناع انه – واي رئيس اميركي آخر – لا يستطيع اصلاح كل شيء، بيد ان القضايا والملفات التي يصير الى انجازها في الشؤون الدولية من دون قيادة الولايات المتحدة ضئيلة للغاية. قال اوباما لغولدبرغ «اذا لم نضع جدول اعمال الاجتماعات الدولية، لن يحدث اي شيء»، اضاف: «الحقيقة ان لا قمة حضرتها منذ اصبحت رئيساً ولم نكن قد وضعنا جدول اعمالها، كنا مسؤولين عن نتائجها الرئيسية».

إقرأ على موقع 180  الصحافة الإسرائيلية: "تسوية قبل أيلول" أو بدائل لكاريش!

ادرج له الرئيس اوباما المدارس الرئيسية لفكر السياسة الخارجية الاميركية في شبكة من اربعة مربعات: «الاول الانعزالية المرفوضة داخلياً ودولياً. العالم يتقلص باستمرار. لا يمكن الدفاع عن الانسحاب من المسرح الدولي. اما المربعات الاخرى فهي الواقعية، والعولمة او الاممية،  والتدخّل في شؤون الدول الاخرى».

قال انه ينتمي الى المربع الواقعي، ويعتقد ان ليس في وسع الولايات المتحدة «ان تنهي كل البؤس في العالم. على الادارة الاميركية ان تختار المكان حيث يمكن لافعالها واعمالها ان يكون لها تأثير حقيقي».

كما روى لغولدبرغ، من الواضح ايضاً انه – اي اوباما – اممي/عولمي، يكرّس نفسه لتعزيز المنظمات المتعددة الطرف والمعايير الدولية.

اما بالنسبة الى تصريحه في صيف 2011، ان على بشار الاسد ان يرحل في حمأة اندلاع الحرب السورية، يقول غولدبرغ: «اذا كانت الازمة، او الكارثة الانسانية، لا تفي معيار الرئيس اوباما لما يشكل تهديداً مباشراً للامن القومي الاميركي، من ثم عدم استعمال القوات العسكرية الاميركية، فهو يعتقد ان على رئيس الولايات المتحدة ان لا يصمت». لذلك يظن – بحسب غولدبرغ – انه لم يخطىء في دعوة الرئيس السوري الى الرحيل. ينقل عن الرئيس الاميركي قوله له: «انا ضد الفكرة التي تدعو الى السكوت عما يجري في سوريا او في اي بلد آخر، اذا لم تكن ثمة نية لاطاحة نظام الاسد بالقوة العسكرية».

وقال اوباما في حديث آخر مع كاتب المقال: «انا اممي/عولمي الى حد كبير. واعتقد ان من الواجب علينا تعزيز القيم، كالديمقراطية وحقوق الانسان، والاعراف والمعايير، لا لأن تبنّي هذه القيم يخدم مصالحنا فحسب. اذا تبنّى المزيد من الناس القيم التي نتقاسمها، وبالطريقة نفسها من الناحية الاقتصادية، اذا تبنّى الناس سيادة القانون وحقوق الملكية وما الى ذلك، فهذا لمصلحتنا. ذلك يجعل العالم مكاناً افضل».

تابع: «الآن، بعدما قلت لك ذلك، اعتقد ان العالم مكان قاس ومعقد، فوضوي ودنيء، مليء بالمشقة والمآسي. من اجل تعزيز مصالحنا الامنية والمثل العليا والقيم التي تهمنا، علينا ان لا نلين امام المصاعب. في الوقت نفسه ان يكون قلبنا كبيراً، ونقتنع بأن ثمة اوقات يكون افضل ما يمكننا القيام به هو تسليط الضوء على عمل رهيب، ويجب ان لا نظن ان في امكاننا حلها تلقائياً. ستكون اوقات تتعارض فيها مصالحنا الامنية مع مخاوفنا في شأن حقوق الانسان. ستكون اوقات يمكننا فيها فعل شيء حول قتل الابرياء. لكن ستكون ايضاً اوقات لا نستطيع فيها ذلك».

اصبح اوباما انجح “صياد” للارهاب في تاريخ الرئاسة الاميركية

كان الاتكال الكلّي على الولايات المتحدة يزعج الرئيس الاميركي. لم يكن ذلك محصوراً بدول الخليج التي راحت دائماً تحاول التفتيش عن حليف يحميها فحسب، انما ايضا لمحاربة اعدائها. انزعج اوباما كثيراً من دول الحلف الاطلسي التي لا تنفذ التزامتها حيال المؤسسة. قال لغولدبرغ انه انذر، مرة، رئيس حكومة بريطانيا دايفيد كاميرون لافتاً اياه الى انه لا يسع بريطانيا ادعاء علاقة خاصة مع الولايات المتحدة من دون ان تلتزم حكومته تخصيص 2%، على الاقل، من الناتج القومي البريطاني لقضايا الدفاع. وهي نسبة نفقات الدفاع المطلوبة من كل دول الحلف، ولم يلتزمها وقتذاك اي من الدول الاوروبية الاعضاء فيه. بالفعل حقق كاميرون الهدف في العام نفسه.

الأمن القومي

جزء اساسي من مهمته كرئيس، في حسبانه، حض البلدان الاخرى على اتخاذ اجراءات  وقرارات لانفسهم، بدلا من انتظار قيادة الولايات المتحدة. لا يريد ان تكون بلاده دائماً في المقدمة: «في بعض الاحيان تحصل الولايات المتحدة على ما تريده تحديداً لانها تشارك في جدول الاعمال مع الحلفاء». وهذا ما حدث في ليبيا خلال الحرب على القذافي.

يرى الرئيس أوباما ايضاً «ان مشاركة قيادة التحالف مع الدول الاخرى وسيلة للتأكد من تقليل غطرسة اميركا وتصرّفها غير المنتظم، خصوصاً عندما يكون القرار او الاجراء من مجموعة متعددة الطرف لا يهدد مصالح اميركا مباشرة». في هذا السياق، يبدو ان هدفه كان تراجعاً عسكرياً جنباً الى جنب مع اقل انفاق، وتقليل المخاطر، وتحويل بعض الاعباء الى الحلفاء. تلك السياسة مشابهة لسياسة الرئيسين دوايت ايزنهاور وريتشارد نيكسون.

بحسب وصف ستيفان سيستانوفيتش، إن للرئيس الاميركي كما يبدو، «التزاماً شخصياً وايديولوجياً حيال فكرة ان السياسة الخارجية استهلكت الكثير من اهتمام الولايات المتحدة ومواردها». ينقل غولدبرغ عن اوباما قوله له: «استسلمت القوى العظمى في العالم لالتزامات مفرطة، واعتقد ان ليس من الذكاء في كل مرة تنشأ مشكلة في العالم، نرسل قواتنا العسكرية لفرض القانون والنظام. لا يمكننا الاستمرار في فعل ذلك».

رغم تساؤله الدائم عن فعالية القوة، مجرد ان يقرّر ان التحدي يمثل تهديداً مباشراً للامن القومي الاميركي، يُظهر فوراً الاستعداد للتصرّف من جانب واحد. الا انه يتطلّب شبه اليقين بعدم ترتب اضرار جانبية من اي عمل عسكري تقدم عليه الولايات المتحدة. اذا تيقن ان من الضروري التصرّف لمصلحة الامن القومي، لا يتردّد. بذلك اصبح اوباما انجح “صياد” للارهاب في تاريخ الرئاسة الاميركية.

في اختصار، لا يمكن تقييم قرارات الرئيس اوباما ومواقفه في السياسة الخارجية دونما العودة الى ارائه ونظرياته ومعتقداته بازاء المسرح الدولي. يتعذّر سبر قراراته من سوريا وايران ومسيرة السلام والربيع العربي بلا معرفة افكاره التي حاولتُ – وإن بصعوبة – اختصارها في هذا الفصل. لذلك، يأتي هذا التمهيد كي يساعد القارىء على فهم احسن لمواقف رئيس الدولة الاعظم من مشاكل الشرق الاوسط وقضاياه طوال ثماني سنوات من وجوده في البيت الابيض.

(*) في الحلقة المقبلة: أوباما وسوريا العصية

Print Friendly, PDF & Email
Premium WordPress Themes Download
Download Best WordPress Themes Free Download
Download Premium WordPress Themes Free
Free Download WordPress Themes
free online course
إقرأ على موقع 180  محادثات فيينا مقدمة لتطبيع العلاقات العربية مع إيران وتركيا