“الزيارة المفاجئة لرئيس الحكومة بنيامين نتنياهو إلى السعودية في مطلع هذا الأسبوع تدحرجت في هذه الأثناء إلى قضية أُخرى – منع مكتب رئيس الحكومة السكرتير العسكري العميد آفي بلوط من تبليغ قادته في الجيش الإسرائيلي خبر الزيارة في الوقت الحقيقي. يواصل نتنياهو تسجيل إنجازات سياسية لنفسه، لكن في طريقه إلى جمعها يتجاهل معظم قواعد اللعبة المعتمدة مع المؤسسة الأمنية. رئيس الحكومة يتصرف طوال الفترة الأخيرة كمن يؤمن في قرارة نفسه بعبارة “الدولة هي أنا”.
الاجتماع في المدينة المستقبلية السعودية نيوم مع ولي العهد محمد بن سلمان ووزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو هو استمرار لثلاثة اجتماعات سرية جرت بين هذه الأطراف، الغرض منها تحصين الحلف المعادي لإيران في المنطقة، الذي تعزز خلال ولاية إدارة ترامب. لكن وراء نشر الخبر في وسائل الإعلام الإسرائيلية كان هناك كما يبدو اعتبارات سياسية داخلية. لذلك لم يكن يُطلب من الرقابة منع النشر كما هو معتمد في مثل هذه الحالات. بالإضافة إلى ذلك، أحد مستشاري نتنياهو نشر تغريدة، عدّلها بسرعة، لكنها كانت كافية لجذب انتباه وسائل الإعلام الإسرائيلية.
أراد نتنياهو، من خلال نشر خبر الاجتماع، تحقيق 3 أهداف: أن يحصّن صورته كشخصية سياسية عليا قادرة على مراكمة خطوات سرية ومفاجئة مع الأميركيين والسعوديين؛ وعلى أن يحرج مجدداً شركاءه في الحكومة من حزب أزرق أبيض، الذين علموا هذه المرة بالرحلة السرية من الصحف؛ وأن يغيّر بسرعة جدول الأعمال الإعلامي اليومي كي يزيل من العناوين الأولى للصحف خبر لجنة التحقيق في قضية الغواصات والسفن، والتي عيّنها وزير الدفاع بني غانتس. لكن من أجل إحراج كاحول لافان/ أزرق أبيض، من الضروري المحافظة على الإقصاء. وكما أخفى نتنياهو اتفاقات التطبيع مع الإمارات والبحرين عن غانتس ووزير الخارجية غابي أشكنازي، أخفى عنهما هذا الأسبوع رحلته إلى السعودية. وكي لا يعرف وزير الدفاع، يجب إقصاء رئيس الأركان أيضاً أفيف كوخافي.
مَن وقع رغماً عنه في قلب القضية هو السكرتير العسكري آفي بلوط. هذه ليست أول مرة يرمي فيها نتنياهو به في سلة المهملات، هو أو غيره عندما تدعو الحاجة إلى ذلك. قبل عامين سرّب مكتب رئيس الحكومة خبراً ضد بلوط، الذي اتُّهم بأنه لم يبلغ الجيش الإسرائيلي بموعد الإعلان عن وقف إخلاء منازل في عمونة. وفي سنة 2009 حرص المستشار الإعلامي لنتنياهو نير حيفتس (هو اليوم شاهد للدولة ضده) على إحراج السكرتير العسكري آنذاك اللواء مئير كليفي، بالكذب على وسائل الإعلام لإخفاء زيارة سرية قام بها رئيس الحكومة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
كما أخفى نتنياهو اتفاقات التطبيع مع الإمارات والبحرين عن غانتس ووزير الخارجية غابي أشكنازي، أخفى عنهما هذا الأسبوع رحلته إلى السعودية. وكي لا يعرف وزير الدفاع، يجب إقصاء رئيس الأركان أيضاً أفيف كوخافي
نتنياهو وصل حالياً إلى مرحلة غدت كل الوسائل مسموحة في صراعه من أجل البقاء. لكن الأهم من المسّ بسكرتيره العسكري كان المسّ برئيس الأركان. في القيادة الأمنية كان كوخافي الوحيد الذي لم يعلم. وسائل الإعلام تحدثت عن مشاركة رئيس الموساد يوسي كوهين ومستشار الأمن القومي مئير بن شبات في القمة. وكما يبدو، ربما كان رئيس الشاباك، نداف أرغمان (التابع لنتنياهو وليس لغانتس) على علم بالزيارة من خلية الحراسة التي رافقت الرحلة.
في الجيش يحاولون أن يتذكروا وجود سابقة مشابهة من هذا النوع. اللواء في الاحتياط داني ياتوم الذي كان سكرتيراً عسكرياً ليتسحاق رابين وشمعون بيرس، ادعى أنه في أثناء خدمته في وظيفته في ذروة عملية أوسلو حدث العديد من الزيارات من دون تبليغ رؤساء الأركان بالمستجدات. لكن في السنوات الأخيرة تحديداً نشأ انطباع في الجيش بأن مكتب رئيس الحكومة يبلّغ المستجدات بصورة خفية من دون خوف من التسريب. ما تغيّر هو طبيعة العلاقات: نتنياهو لم يكن يتحمل أيضاً وزيريه السابقين للدفاع أفيغدور ليبرمان ونفتالي بينت، لكن العلاقات مع غانتس أسوأ وأكثر توتراً، وبالتأكيد مع احتمال إعلان انتخابات رابعة خلال عامين.
بالاستناد إلى أشخاص كانوا على اطّلاع على هذه الأمور في الماضي، تتطلب رحلة كهذه في ظل إجراء عادي استعدادات سرية، لكنْ منظمة، للدولة وللجيش: مثل تعيين قائم بأعمال رئيس الحكومة، تحديد إجراءات الاتصال بالوفد المرافق، تحديث مسبق لسلاح الجو في حال الحاجة إلى مهمة إنقاذ (ماذا كان سيحدث مثلاً لو اضطرت الطائرة إلى الهبوط في الصحراء السعودية؟). أي شيء من هذا لم يحدث هذه المرة، بسبب الرغبة في إقصاء وإحراج غانتس وزعماء كاحول لافان/ أزرق أبيض (كأنهم لا يقومون بعمل جيد بما يكفي بأنفسهم).
في ظروف عادية، يمكن أن ننتظر من رئيس الأركان أن يحتج أمام رئيس الحكومة. لكنها ليست ظروفاً عادية. تثبت الحادثة الأخيرة فقط ما ادّعاه خصوم نتنياهو طوال الوقت: مهما كنت خبيراً وماهراً لا يمكن الاستمرار في إدارة دولة معقدة مثل إسرائيل والمحافظة على الموضوعية ورباطة الجأش عندما تكون محالاً على المحاكمة في ثلاث تهم خطِرة، ولا تزال توظف جزءاً كبيراً من وقتك في محاولات العثور على حيلة سياسية تنقذك من مصيرك”. (المصدر مؤسسة الدراسات الفلسطينية)