الفيروس ـ الوحش سيعود إلينا حتماً.. بإسم جديد

جال الوحش العالم قبل صراخ أحدهم أنّه رآه. أصاب عشرات الملايين وقتل الآلاف، وظننّا جميعًا أنّ موسم الانفلونزا سنة 2019 كان شديدًا، لكنّه كان الكورونا.

إنّه وحش الغابة، يظهر ويفتك في كلّ مرّة ثمّ يختفي بعد أن تُكتشف طرق التّعامل معه، ليتطوّر ويتحّوّر ويعود ليضرب من جديد. هكذا تم تشبيه الفيروس من قبل الطّبيب الزائيري جان جاك مويامبي، أوّل من التقى “الإيبولا” عام 1976 في بلده. باختصار إنّها المواجهة الدّائمة بين كلّ الكائنات الحيّة والفيروسات المتناهية الصّغر.

ربما لا يتذكّر الكثيرون منا كيف كان موسم الانفلونزا في العام 2019 وذلك بسبب هلعنا من فيروس كورونا المستجّد، ولإنعاش الذّاكرة نقول كان: قويًا، شديدًا، أقفلت بعض المدارس صفوفها وقامت بعمليّات تعقيم سابقة للجائحة التّي نعيشها اليوم، وسمعنا عن أشخاص دخلوا المستشفيات وعولجوا من عوارضَ مشابهة لعوارض الانفلونزا الموسميّة ولكنّها كانت أسوأ وأشدّ، وعلمنا من بعض الأطبّاء في لبنان أنّهم حينها أجروا تحاليل مخبرية لتأكيد تعاملهم مع الانفلونزا وجاءت النّتيجة سلبيّة، ولم يعلّق أحدٌ على الموضوع فلا جرس إنذار يُقرع في أيّ مكان من الكوكب تلك الأيّام.

كان كلّ شيءٍ في العالم عاديًا جدًا. في لبنان مثلًا، كان لبنان يشتعل بتحرّكات 17 تشرين/أكتوبر المطلبيّة، وحول العالم كانت الدّول تحتسب أرباح وخسائر الماليّات قبل نهاية العام وتستعدّ لاستقبال السّنة الجديدة برقمها المميز 2020، حين أتت الصّرخة من أقصى شرق الكوكب. صرخت الصّين بأنّ شيئًا جديدًا يجري هنا. هناك جسيم مجهول يصيب النّاس بكثرةٍ في مدينة تتميز بالأسواق الرّطبة (أسواق تبيع الحيوانات المذبوحة بشكل طازج)، وبتاريخ مليء بالأمراض والأوبئة ساعد في نشر الرّعب حول العالم، فهذا الأخير لم ينسَ بعد ما جرى في العام 2008 مع فيروس سارس الأول.

عاد الوحش من جديد. اختبأ لأكثر من 12 سنة وعاد، ولكن مهلًا قبل الاسترسال بالتّحليل قد لا يكون بدأ من الصّين، لا يمكن الجزم بذلك أبدًا، بل يمكننا الجزم طبعًا بأنّ الأخيرة كانت أوّل من صرخ وربّما هذا يعود لأسباب لا نفهمها عن خطط الدّولة هناك لاحتواء أي خطرٍ وبائي على أراضيها، فهي قامت منذ الأيّام الأولى بحركات لم نعهدها، ففرضت الإغلاق التام وقيّدت حركة الناس وألبستهم الكمّامات في مدينةٍ مساحتها تناهز الـ 8500 كلم مربع ويعيش فيها حوالي الـ 11 مليون نسمة. بنت المستشفيات الضّخمة ونقلت الطّواقم الطبيّة من أنحاء البلاد إلى مركز التّفشي في ووهان.

سيختفي فيروس كورونا المستجدّ يومًا ما، بسبب اللّقاح أو لأسبابٍ غير مفهومة كسلفه كورونا 1 (سارس)، ولكنّ ما نستطيع الجزم به الآن أنّه سيعود، بشكلٍ ألطف أو أشد لا ندري، لكنّه عائدٌ

أمّا بعد التّدقيق في الأخبار أكثر ومقاطعتها، نجد أنّ الفيروس ظهر في مناطق أخرى من العالم ولكن أحدًا لم يصرخ، ولم يشكّك بوجود شيء غريب، بل مجرد انفلونزا موسمية. السّلطات الإيطالية مثلًا أعلنت أنّها وجدت تركيزًا عاليًا لفيروس كورونا في مياه الصّرف الصّحي بدءاً من شهر كانون الأول/ديسمبر 2019، أي قبل حالة الطوارئ الإيطالية بأشهر (أعلنت في شهر آذار/مارس 2020) كما أُعلن في وقت لاحق عن ثلاث سلالات أساسيّة متتابعة من الفيروس سُميّت بـ: أ، ب، ج. في ووهان، جلّ الإصابات كانت من النّسخة (ب)، أمّا في إيطاليا فكان نصيب الإصابات الأكبر من النسخة (ج)، والمفاجئ أنّ الولايات المتحدة كانت تحتضن النسخة (أ)، وهذا دليل أوّل.

أمّا دليلنا الثّاني فيدفع أكثر وأكثر للسّؤال عن أصل الفيروس، لا عمن صرخ أولًا، فالولايات المتّحدة سجّلت عددًا كبيرًا من الوفيّات تحت عنوان انفلونزا، كما قرأنا الكثير من التّقارير الصّحفية التّي تكلّمت عن موسم انفلونزا صعب يمرّ على المدارس هناك، وعليه يتكرر السؤال: من أين انطلق الوحش؟

ثمة تقارير منسيّة تحكي عن دورة الألعاب الأولمبية العسكريّة التّي أقيمت في الصين خلال تشرين الأول/أكتوبر 2019 وشاركت فيها وفود عسكريّة من معظم دول العالم، ومنها وفد عسكري أميركي كبير، وهؤلاء أقاموا جميعًا في المدينة الأشهر في العام 2020، أي ووهان. وربما يكون أحد هؤلاء الوفود نقل الفيروس إلى هذه المدينة الصينية. إذًا ليست الصّين بالضرورة. قد لا نعرف منشأ الوحش أبدًا، ولكنّه دار حول الكوكب قبل أن يصرخ أحدهم بأنّه رآه!

التساؤلاتٌ مشروعةٌ في عالم البحث العلمي، فالأخير لا يقبل الإتّهامات السياسيّة أو العنصريّة أو الأحكام المعلبّة التّي سمعناها كثيرًا خلال السنة الجارية عن الشّعب الصّيني ولا ضرورة لذكرها هنا، ربّما ستثبت الأيام أنّ للفيروس الصيني من اسمه نصيبٌ يقارب نصيب الإنفلونزا الأسبانية من إسمها. فجائحة 1918 الشّهيرة لا تمتّ لأسبانيا بصلة، لكنّ هذه الدّولة كانت يومها أوّل من صرخ وذلك لعدم إنشغالها بالحرب العالميّة الأولى، ولا ربط طبعًا بين عيدها المئوي وما يجري اليوم، فقد سجّل العالم سبع جائحات بين 1918 و2020 كانت أشهرها جائحة فيروس نقص المناعة البشريّة HIV المسبّب لمرض السيدا والتّي لم تعلن نهايتها من العام 1981.

إقرأ على موقع 180  "الناتو" وروسيا.. اللعب المتبادل بالورقة النووية!

حتى يومنا هذا، ما زالت مصادر الفيروسات مجهولة الأصل والمصدر. هل هي خلايا شديدة التّطور قرّرت التّخلي عن كلّ آليّات العمل كي تعتمد على غيرها بالتّكاثر؟ أم أنّها أجزاءٌ من مواد وراثيّة هاربةٌ ومبعدةٌ من الخلايا الأكبر؟ لا ندري الآن ولكنّ العلوم قد تقدم الجواب غدًا. أما التّعامل معها فيجب أن يكون بعقل بارد ليفهم كيف تتصرّف، وتنتشر، وماذا تسبّب، أمّا الجنون – لا سيّما الإعلاميّ منه –  فلا يفيد، والعيش في الفقاعة غير ممكن والصّراخ على وسائل التواصل لن يغيّر شيئًا.

العلوم تعمل منذ مئات السنين بناءً على حتميّة عودة الفيروسات أو ولادة فيروسات جديدة. سيختفي فيروس كورونا المستجدّ يومًا ما، بسبب اللّقاح أو لأسبابٍ غير مفهومة كسلفه كورونا 1 (سارس)، ولكنّ ما نستطيع الجزم به الآن أنّه سيعود، بشكلٍ ألطف أو أشد لا ندري، لكنّه عائدٌ كغيره من الفيروسات على سطح الكوكب. تظهر. تضرب. تختفي في حيوان ما، ثم تصيب البشر لكثرتهم. نعم، سيعود الفيروس ليضرب من جديد.

هذا ليس فيلم رعب، إنّه التاريخ، إن لم تصدّق فمتى كانت آخر إصابةٍ لك بالانفلونزا؟

Print Friendly, PDF & Email
فؤاد إبراهيم بزي

كاتب متخصص في المواضيع العلمية

Download WordPress Themes Free
Premium WordPress Themes Download
Download Nulled WordPress Themes
Premium WordPress Themes Download
udemy course download free
إقرأ على موقع 180  حسان دياب عندما "يُفضفض": إنها الدولة العميقة!