برسم إدارة أزمة كورونا: عشرات أجهزة التنفس مرمية في المدينة الرياضية!

يقول المثل العامي "قد بساطك مد إجريك". بطبيعة، يعني ذلك في حالة لبنان المأزوم إقتصادياً ومالياً ونقدياً وصحياً إلى البحث عن الخيارات التي لا تكبده أعباء إضافية من جهة وتساعده في توفير اللقاحات ومن خلالها المناعة لأغلبية الشعب اللبناني في مواجهة فيروس كورونا، من جهة ثانية.

بينما تقاتل أمم ودول العالم للحصول على الكميّة اللازمة والكافية من اللقاحات كي تبعد الخطر عن شعوبها وتعيد فتح أبواب الاقتصاد والحركة، ما زلنا في لبنان، الذي بدأ مئويته الثانية، نكتشف اهتراء النظام حيث لا قانون يلحظ وجود حالات وبائية وكيفية التعامل معها.

قبل حوالي الشهر من الذكرى الأولى للإقفال الأول في لبنان، يبدو أنّنا لم نتعلّم الكثير، لا لناحية تجهيز المستشفيات والأطقم الطبية ووضع بروتوكول موحّد للتعامل مع المصابين، كما استيراد أو تصنيع الأدوية الأساسية في علاج العوارض، كلّ شيء يُعالج وفقًا لردّة الفعل لا التخطيط والاستشراف.

واليوم مع اللقاح يتضح أكثر فأكثر التخبط الذي نعيش فيه، وكأنّ الدولة لم تسمع بكلمة “الإجازة للاستعمال الطارئ” المستعملة في العديد من الدول المرجعيّة المعتمدة للتصديق على الأدوية نتيجة لغياب المختبر المركزي الذي يريده الجميع في العلن ويرفضونه في السّر، ماذا يجري إذًا؟

صادقت العديد من الدول على استعمال اللقاحات لمحاربة الجائحة، روسيا أولًا ثمّ الصين فالولايات المتحدة وتتالت الإنجازات ولكن طبعًا في لبنان لم نسمع إلّا بلقاح “فايزر ـ بيونتيك” المنتج في الولايات المتحدة الأميركية الأكثر تعقيدًا لناحية الحفظ والنقل فهو يحتاج لدرجة حرارة تصل إلى 70 درجة تحت الصفر خلال النقل لحفظه قبل الاستعمال، وهنا تراودنا الكثير من المخاوف في ما يتعلّق بالتعامل الرسمي، فلم ننسَ حتى الآن أنّ أحدهم كان يعلم بوجود قنبلة كانت قادرة على نسف بيروت ولم يحرّك ساكنًا، ولمن يشكّك في ربط المواضيع نقول أنّ التعامل الرسمي المهمل ينسحب على كلّ الموضوعات فالمكتوب يُقرأ من عنوانه. فاللبنانيون لم يعد أحد منهم يشعر بالأمان حتى في منزله. هذه ذروة المأساة اللبنانية.

أمّا بالنسبة للبدائل، فنحن وضعنا أيدينا تحت بلاطة البنك الدولي المموّل للقاح “فايزر” في حال أردنا الشراء عبر القرض الممنوح منه ولم نفكّر حتى بالبدائل الأنجع من الناحية اللوجيستية فهناك لقاحات منتجة في الغرب أيضًا إن لم نُرد الخروج من التبعية العمياء وهي أسهل لناحية التخزين فلقاح “موديرنا” لا يحتاج لحرارة أقل من 20 درجة تحت الصفر وهذا متاح في معظم المستشفيات والمستودعات الطبية أما لقاح “أوكسفورد ـ أسترا زينيكا” فيمكن تخزينه في الثلاجات العادية بدرجة +2 مئوية.

كما بالنسبة للأسعار، نحن اخترنا الأعلى تكلفة تقريبًا برغم وضعنا الاقتصادي الصعب، فللمقارنة تكلّف الجرعة الواحدة من لقاح “فايزر” في بلد المنشأ 20$ أما لقاح “أوكسفورد ـ أسترا زينيكا” فتبلغ تكلفته 4$، هذا دون احتساب تكلفة النقل التي ستزيد كثيرًا من ثمن المنتج بعد وصوله إلى لبنان وخاصة أنّ دائرة التبريد يجب أن لا تتوقف طوال مدّة النقل.

ولكن لبنان نفسه الذي إعتاد شعبه التكيف مع كل موجبات نظام الإقتصاد الريعي، لا يريد إلا أن يكابر مجددا عبر الذهاب إلى اللقاح الأعلى سعراً والأكثر كلفة لناحية شروط نقله وتخزينه، أي “فايزر”.

هنا يمكننا طرح أسئلة كثيرة عن إدارة هذه الأزمة وكيف تؤخذ القرارات على مستوى اللجان فيها، لماذا كلّ هذا التخبط؟ في الدول العربية المجاورة بدأت حملات التلقيح الجماعية بكلّ اللقاحات الممكنة فدولة الإمارات العربية تستعمل لقاحي “سينوفارم” الصيني و”فايزر” وكذا فعل الأردن والمغرب ومصر، أما العدو الإسرائيلي، فنسبة توزيع اللقاحات على أراضيه هي الأعلى في العالم فقد قامت الجهات الصحيّة لديه بلقيح 13% من السّكان، ونحن لا زلنا نبحث في مشاريع قوانين.

المستشفيات

سمعنا في بداية الجائحة في مقابلات متعدّدة مع وزير الصحة وغيره من العاملين في الوزارة الموجودة الآن على خطوط المواجهة عن تعداد لأجهزة التنفس الشغالة وعدد الاسرّة المتاحة وكيف سيتمّ توزيع المرضى في حال الانفجار الوبائي، ولكن عند وقوعه تبيّن أنّ كل ما سبق لا يخرج من خانة الكلام فلا تجهيز لمستشفيات تمّ ولا تأهيل لأطقم طبيّة بل جلّ ما نقوم به هو إقفالات متكرّرة دون ضبط وتنسيق بين الوزارات المعنيّة، فلنا أن نتخيّل مشهد مباراة كرة القدم في الشمال الأسبوع الماضي خلال الاقفال!

ولنا أن نتخيّل أنّ الوزارة تتمنى وترجو وتتأمل من المستشفيات الخاصة فتح الأجنحة الخاصة لعلاج مرضى الكورونا وهناك ألف سرير مخزنين في مستودعات المدينة الرياضية مع أجهزة التنفس الخاصة بعدد منها (اربعون جهازاً) وهي الهبة القطرية الخاصة بمكافحة فيروس كورونا والمفترض أن تقسّم على محافظتي لبنان الجنوبي والشمال بالتساوي، لماذا التأخير؟ أين هو الخلاف؟ أصلًا هل يصح وجود خلاف وقد يكون هناك من يموت في منزله بسبب عدم وجود سرير في مستشفى؟

من المسؤول؟

وعلى جاري عادة اللبنانيين، فإن التعامل مع قضية كورونا صارت سياسية بإمتياز، بدليل النقاشات التي شهدها المجلس الأعلى للدفاع عشية عيدي الميلاد ورأس السنة، حيث كان البعض يردد أنه لا يستطيع تحمل “خربان بيوت العالم”، فيما قال البعض الآخر إن أخطر ما في الأمر هو التعامل بشعبوية مع فيروس كورونا، وهي الطريقة نفسها التي تعامل بها دونالد ترامب مع هذا الوباء.

إقرأ على موقع 180  "لعبة الأمم" تطوي قضية الحريري.. القتلة مجهولون!

نذكر تمامًا أن بابا روما أقام قدّاس ليلة الميلاد عند السّاعة العاشرة احترامًا لقرارات الإقفال المتخذة في إيطاليا وغيرها من الدول الأوروبية لمنع التجمعات والاحتفالات في هذه المناسبة الجليلة.

كما نذكر الانفجار الوبائي في الولايات المتحدة الأميركية بعد عيد الشكر بسبب تزاور العائلات والأصدقاء بين بعضهم البعض ما أدّى لوصول الإصابات إلى نسب قياسية.

ما سبق لم يعلّمنا شيء، صفر، فُتحت البلاد على مصراعيها خلال عطلة عيدي الميلاد ورأس السّنة وما كان يمكن أن يضمن ضغطاً أقل على المستشفيات، وهو الإقفال التام خلال الأعياد، كما فعلت الكثير من الدول العربية والأجنبية، قررنا أن نعتمد حالياً، بعدما بلغنا حافة الدول المهددة بإنهيار نظامها الصحي، كما حصل مع إيطاليا وإسبانيا والعديد من الدول الأوروبية في شتاء العام 2020.

لم يؤخذ أي قرار مسؤول وقتها، زرعوا الرياح بأيديهم والآن الشعب كلّه يحصد العاصفة.

Print Friendly, PDF & Email
فؤاد إبراهيم بزي

كاتب متخصص في المواضيع العلمية

Free Download WordPress Themes
Download Premium WordPress Themes Free
Free Download WordPress Themes
Download Premium WordPress Themes Free
online free course
إقرأ على موقع 180  إنه وباء الركائز والجدران المتكسرة