الرباعي العربي الأوروبي.. وأولوية قضية فلسطين

من سمات العشرية الأخيرة في المنطقة اختفاء القضية الفلسطينية عن جدول الأولويات الإقليمية، والمقصود بالطبع على المستوى الفعلي وليس العاطفي والشعاراتي المتكرر، والذى يبقى من دون أي نتيجة على أرض الواقع.

يرجع ذلك إلى التحولات التي انطلقت مع «الربيع العربي» والحروب والنزاعات المختلفة التي انتشرت في المنطقة، واشتداد الصراعات الإقليمية والدولية في الإقليم أيضا، وبالتالى تغير الأولويات الضاغطة عند جميع اللاعبين، إلى جانب التشدد الإسرائيلي المتمسك بسياسة فرض الأمر الواقع مقابل حالة الضعف والوهن والانقسام التي استقرت في الجسم السياسى الفلسطيني. واكب وكرس هذا الغياب أو التغييب سياسة إدارة ترامب. السياسة التي شكلت، ليس قطيعة فحسب مع السياسات السابقة على الأقل على مستوى التمسك بمرجعيات وأسس التسوية بشكل عام، بل انقلابا على القرارات الدولية ذات الصلة وقواعد وأعراف القانون الدولي من خلال إضفاء شرعنة أحادية على سياسات الاحتلال والضم والقضم.
صحيح أن استمرار هذا الوضع بأولوياته وتوازناته قادر على أن يمنع من التوصل إلى التسوية السلمية حسب المرجعيات المشار إليها. ولكنه لا يستطيع أن يمنع التداعيات الخطيرة لغياب التسوية المطلوبة على الدول القريبة أولا، وبأشكال مختلفة ومتعددة، وعلى المنطقة من حيث إمكانية توظيف هذا الوضع من قبل أطراف عديدة، وخدمة لمصالح مختلفة لا علاقة لها بالقضية الفلسطينية، في الحروب الساخنة والباردة في المنطقة. أضف أن الهوية الوطنية لشعب يمكن قمعها لفترة ولكن لا يمكن إلغاؤها.
في ظل هذه المعطيات وبهدف الخروج من مستنقع الفوضى والنزاعات المختلفة التي جعلت الشرق الأوسط إقليما ملتهبا منكشفا على جميع الاحتمالات الخطيرة، فإن العودة إلى إحياء عملية التسوية السلمية على الأسس المعروفة يبقى المدخل الواقعي والمبدئي والقانوني للإسهام في إقامة الاستقرار والأمن في المنطقة إلى جانب، بالطبع، معالجة النزاعات الأخرى.

وحدها التسوية الشاملة والعادلة والدائمة للقضية الفلسطينية التي تنبثق في نهاية المطاف عن مؤتمر دولي برعاية الأمم المتحدة قادرة أن تساهم في إرساء الاستقرار الإقليمي

في هذا السياق، يأتي الاجتماع الوزاري الرباعي في القاهرة في الحادي عشر من هذا الشهر، الذى ضمّ كلا من مصر والأردن وفرنسا وألمانيا. الاجتماع الذى جاء ثمرة للمشاورات الكثيفة بين هذه الدول منذ فترة، ولما لهذه الأطراف من دور ووزن على الأصعدة الإقليمية والدولية ولمصلحة الاستقرار الشرق أوسطي والمتوسط، فقد جاء ليؤكد على ضرورة العودة إلى المحادثات التي تهيء للمفاوضات لاحقا على أساس حل الدولتين وعلى أساس قرارات مجلس الأمن ذات الصلة والمرجعيات المعروفة. التغيير في الإدارة الأمريكية أمر مسهّل ولكنه غير كاف. هنالك العديد من التحديات أمام دبلوماسية السلام التي تحملها الرباعية؛ تحديات كبيرة ولكنها ليست مستحيلة، منها الانتخابات الإسرائيلية القادمة في آذار/مارس، وهيمنة اليمين المتشدد، بشقيه الديني والعلماني، الرافض للسلام برغم الخلافات التي تعصف بين أطرافه، وأهمية ترتيب الجسم السياسي الفلسطيني مع الانتخابات التشريعية والوطنية والرئاسية، وإعادة إحياء دور الرباعية الدولية (الولايات المتحدة الأمريكية، الاتحاد الأوروبي، روسيا والأمم المتحدة) بشكل أو بآخر لتدعم وتعزز دور الرباعية العربية الأوروبية.
إن دروس الأمس القريب والبعيد تدل على أن مراهم التسويات المرحلية وسياسات التسويف والتجاهل لن تؤدي إلا إلى مزيد من التعقيدات. وحدها التسوية الشاملة والعادلة والدائمة للقضية الفلسطينية التي تنبثق في نهاية المطاف عن مؤتمر دولي برعاية الأمم المتحدة قادرة أن تساهم في إرساء الاستقرار الإقليمي. إن نجاح المسار الدبلوماسي الذى يطلقه الرباعي العربي الأوروبي من القاهرة أمامه الكثير من المصاعب والمعوقات ولكنه ليس بالمستحيل، إذا ما أدركت الأطراف الدولية والإقليمية المؤثرة أن البديل عن ذلك هو المزيد من الانهيار والفوضى والصراعات المختلفة التي تغذى بأشكال مختلفة وتتغذى على استمرار هذا الصراع.

(*) بالتزامن مع “الشروق

Print Friendly, PDF & Email
إقرأ على موقع 180  رون آراد يعود.. فقط إلى الصحافة الإسرائيلية!
ناصيف حتي

وزير خارجية لبنان الأسبق

Premium WordPress Themes Download
Download Premium WordPress Themes Free
Download Best WordPress Themes Free Download
Free Download WordPress Themes
online free course
إقرأ على موقع 180  باسيل وجعجع وفرنجية.. وبينهم نصرالله والحريري