مبادرة ماكرون اللبنانية.. أممية بإدارة فرنسية

هل تحوّلت المبادرة الفرنسية إلى عبء على الفرنسيين بعدما أقفلت الأبواب اللبنانية بوجهها أم تملك فرصة جديدة، عبر إعادة تعويمها أوروبياً وفاتيكانياً؟

في منتصف شهر تشرين الثاني/ نوفمبر من العام المنصرم، التقى أعضاء في الإتحاد الأوروبي في مقر الإتحاد في بروكسل للبحث في كيفية مواكبة ومتابعة المبادرة الفرنسية في لبنان بسبب فقدانها الفاعلية حد التعطيل. تباحث المجتمعون في إمكان تبني المبادرة لتصبح أوروبية بالكامل مع تعيين موفد أوروبي خاص هو رئيس الوزراء الإيطالي السابق، رئيس حزب “إيطاليا فيفا” ماتيو رينزي.

إصطدم المقترح الأوروبي بعائقين:

الأول، فرنسي ويتمثل برفض مطلق لتحويل المبادرة الفرنسية الى مبادرة أوروبية.

الثاني، يتعلق بالسيد ماتيو رينزي الذي كان ولا يزال يطمح للعب دور اكبر وعينه تحديداً على تبوء منصب الامين العام لحلف الناتو.

يأخذ بعض الأوروبيين على المبادرة الفرنسية عدم نضوجها من جهة وعدم امتلاكها للخطة “باء” من جهة ثانية، وهم في الوقت نفسه يتمسكون بضرورة استمرارها مع إبداء استعدادهم للدعم والمؤازرة.

في السابع من كانون الأول/ ديسمبر من العام المنصرم، اصدر الإتحاد الأوروبي توصياته حول لبنان مبدياً تمسكه بدعوة الطبقة السياسية للإستماع إلى مطالب الناس، وتطبيق الإصلاحات، واجراء تحقيق شفاف ومستقل حول إنفجار الرابع من آب/ أغسطس، اضافة الى ضرورة العمل على الإصلاحات الإدارية، الحوكمة الرشيدة، اعادة الثقة بالقطاعات المصرفية والمالية، استقلالية القضاء، احترام حقوق الإنسان، العدالة بين المواطنين. وأكد الإتحاد الأوروبي أنه حاضر للمساعدة “لكن المسؤولية تقع على عاتق اللبنانيين أنفسهم”.

ما يثير إهتمام الغرب بلبنان عمومًا عناوين ثلاثة: اللاجئون؛ التطرف؛ والإستقرار، لكن الفاتيكان، أضاف إلى العناوين السابقة عنوانًا شديد الأهمية بالنسبة اليه وهو: الوجود المسيحي في الشرق وفي لبنان تحديدًا

وفي الكواليس، تم التواصل بين الفاتيكان من جهة وألمانيا وفرنسا وكافة الدول الأوروبية من جهة ثانية، إذ تم الإتفاق على أن تستمر المبادرة الفرنسية لكن بمسارين هذه المرة:

الأول، التمسك بحكومة الإختصاصيين، وفقًا لمبادرة الرئيس إيمانويل ماكرون في قصر الصنوبر، ومهمتها تنفيذ الإصلاحات الأساسية في الكهرباء والإدارة وباقي القطاعات (بما فيها إقرار الكابيتال كونترول والتدقيق الجنائي) وتتمكن من إستجلاب دعم صندوق النقد الدولي ضمانة لاستعادة ثقة المجتمع الدولي بلبنان.

الثاني، اطلاق حوار لبناني ـ لبناني شامل، يشارك فيه سياسيون وممثلو المجتمع المدني وخبراء ماليون وقانونيون ورجال أعمال وممثلو النقابات وبحضور نسائي وشبابي يُعتد به، على أن تكون وظيفة هذا الحوار محاولة الإجابة على اسئلة وجودية تتعلق بمستقبل لبنان ودوره الإقتصادي ونموذجه النقدي والمالي واستقلالية القضاء ومشاركة المرأة والشباب والإتفاق على تفسير الدستور وصولًا إلى نقاش معمق حول الإستراتيجية الدفاعية التي تشكل حجر الزاوية في الصراع السياسي المحوري في لبنان.

ما يثير إهتمام الغرب بلبنان عمومًا عناوين ثلاثة: اللاجئون؛ التطرف؛ والإستقرار، لكن الفاتيكان، الذي كان قد غطى دعوة البطريركية المارونية في الخامس من تموز/ يوليو إلى حياد لبنان ونأى نفسه عن نيران الإقليم، أضاف إلى العناوين السابقة عنوانًا شديد الأهمية بالنسبة اليه وهو: الوجود المسيحي في الشرق وفي لبنان تحديدًا.

الدعوة إلى الحياد الناشط أعاد شرحها البطريرك بشارة الراعي في مذكرة ربطت الحياد “بأبعاد ثلاثة مترابطة ومتكاملة وغير قابلة للتَّجزئة:

البُعد الأوَّل هو عدم دخول لبنان قطعيًّا في أحلافٍ؛ وامتناع أيِّ دولة إقليميَّة أو دوليَّة عن التَّدخُّل في شؤونِه أو الهيمنة عليه أو اجتياحه أو احتلاله أو استخدام أراضيه لأغراض عسكريَّة.

البُعد الثَّاني هو تعاطف لبنان مع قضايا حقوق الإنسان وحرِّيَّة الشُّعوب، ولا سيَّما العربيَّة منها التي تُجمِع عليها دولُها والأمم المتَّحدة؛ وبذلك يُواصِل لبنان الدِّفاع عن حقِّ الشَّعب الفِلسطينيّ والعمل على إيجاد حلٍّ للَّاجئين الفِلسطينيّين لا سيَّما أولئك الموجودين على أراضيه.

البُعد الثَّالث هو تعزيز الدَّولة اللُّبنانيَّة لتكون دولةً قويَّةً عسكريًّا بجيشها وبمؤسَّسَاتِها وقانونها وعدالتها وبوحدتها الدَّاخليَّة وإبداعاتها، لكي تضمن أمنها الدَّاخليّ من جهة، وتدافع عن نفسها بوجه أيِّ اعتداءٍ برِّيٍّ أو بحريٍّ أو جوّيٍّ يأتيها من إسرائيل أو من سواها من جهة أخرى. ويَستلزم لبنانُ الحيادي أن يُصارَ إلى معالجةِ الملفَّات الحدوديَّة مع إسرائيل على أساس خطِّ الهدنة، وترسيم الحدود مع سوريا أيضًا”.

فرنسا قادرة اليوم وأفضل بكثير من قبل على إدارة مبادرتها. هي على مسافة واحدة من جميع الأطراف في لبنان. تواصلها مباشرة أو عبر الإتحاد الأوروبي سيكون أقوى مع الولايات المتحدة في مرحلة جو بايدن، وعلاقاتها مع روسيا والصين وبريطانيا مقبولة جداً

إذًا من المفترض أن يستند الرئيس الفرنسي في تفعيل مبادرته إلى دعم أوروبي وفاتيكاني بات أوضح وأصرح مما كان عليه في الشهور الخمسة الماضية. لكن ماذا عن الولايات المتحدة والعرب وإيران؟

لم تكن إدارة ترامب جاهزة لدفع المبادرة الفرنسية إلى الأمام بل نستطيع القول إن الأميركي ومن خلال العقوبات التي فرضها على علي حسن خليل ويوسف فنيانوس أولاً وجبران باسيل ثانياً، أعاق تلك المبادرة لما تشكل من فرملة لزيادة الضغوط على حزب الله بل على كل أذرع إيران في المنطقة وعلى قاعدة أن ما لم ينجح بالمفرق فلنعمل عليه بالجملة، وبدلاً من الضغط على حزب الله فليكن هذا الضغط على كل لبنان.

إقرأ على موقع 180  إجراءات أمنية لبنانية لحماية البرلمان.. والحدود الشمالية

اليوم، تتغير الأولويات الأميركية. العلاقة مع أوروبا شديدة الأهمية بالنسبة إلى الإدارة الجديدة. وتعزيز المبادرة الفرنسية بدعم أوروبي كامل ومساندة فاتيكانية يجعل من فرنسا أقدر على اقناع الأميركيين بتسهيل مهمتها.

اما الخليج وإيران، فكلاهما غير مستعدين للبيع لأوروبا بل يريدان تسليف الإدارة الأميركية الجديدة وفقًا لمصلحة كل من المملكة العربية السعودية وإيران.

مصر جاهزة عربياً لمؤازرة المبادرة الفرنسية ومحاولة إقناع السعودية والإمارات بتعديل موقفهما إذا طرأ ما يستحق مثل هذا التعديل.

فرنسا قادرة اليوم وأفضل بكثير من قبل على إدارة مبادرتها. هي على مسافة واحدة من جميع الأطراف في لبنان. تواصلها مباشرة أو عبر الإتحاد الأوروبي سيكون أقوى مع الولايات المتحدة في مرحلة جو بايدن، وعلاقاتها مع روسيا والصين وبريطانيا مقبولة جداً.

لبنان يحتاج إلى فرنسا لغياب أي طرف دولي يبدي إهتمامًا به سواها. والسفيرة الفرنسية الجديدة آن غريو، تمتلك العزيمة والقدرة ومحصنة بدعم الأليزيه ووزارة الخارجية وقادرة على لعب دور جامع للأطراف اللبنانية.

كما أن الرئيس الفرنسي يحتاج إلى قصة نجاح في المنطقة بعد النكسات التي تعرض لها في ليبيا والساحل الأفريقي وشرق المتوسط.

لبنان هو البوابة إلى سوريا والعراق.. والنجاح في لبنان يفتح أبواب وفرص النجاح في هذين البلدين.

 من هنا يأتي حرص ماكرون شخصيًا على التمسك بمبادرته والعمل على إنجاحها قبل الوصول إلى إستحقاق الإنتخابات الفرنسية في ايار/ مايو ٢٠٢٢، تلك السنة التي ستشهد انتخابات بلدية ونيابية ورئاسية في لبنان.

ومن نافل القول أن الانتخابات الإيرانية في حزيران/ يونيو ٢٠٢١ تعطي مؤشراً عن الوجهة التي ستسلكها إيران والتي سيكون لها أثرها الكبير على طبيعة تفاوضها مع أميركا والغرب ما قد يؤسس لمرحلة جديدة أو يبقى الوضع على ما هو عليه.

Print Friendly, PDF & Email
خلدون الشريف

كاتب سياسي لبناني

Download Nulled WordPress Themes
Download Best WordPress Themes Free Download
Download Premium WordPress Themes Free
Download WordPress Themes
download udemy paid course for free
إقرأ على موقع 180  ترامب، هل يعرف ديغول وهيكل.. وخريطة أمريكا؟