بايدن.. “الشريك التاسع” في إئتلاف إسقاط نتنياهو

بعد خروج دونالد ترامب من البيت الأبيض، كان جو بايدن يدرك أن بقاء بنيامين نتنياهو في رئاسة الحكومة الإسرائيلية، سيعكر الأجندة الخارجية للإدارة الديموقراطية، ولا سيما عودة الولايات المتحدة إلى الإتفاق النووي مع إيران. لذا قد لا يكون مبالغاً فيه القول إن بايدن هو الشريك التاسع في الإئتلاف الحكومي الإسرائيلي الجديد، الذي لا نقطة إلتقاء بين أركانه، سوى إزاحة نتنياهو من الحكم. 

على رغم أن الإئتلاف الجديد لا يزال معلقاً على نيل الثقة بعد نحو أسبوع، فإن البيت الأبيض أرسل إشارة تأييد ضمنية للإئتلاف من خلال دعوة عاجلة لوزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس لزيارة الولايات المتحدة من أجل إطلاعه على مجريات المفاوضات الجارية في فيينا من أجل إحياء الإتفاق. ومعلوم أن حزب “أزرق أبيض” الذي يتزعمه غانتس، شريك في الإئتلاف الجديد.

وسرعان ما التقط نتنياهو الرسالة الأميركية، فأطلق قبل أيام تحذيره الشهير “إذا كان علينا الإختيار، وآمل ألا يحدث ذلك، بين الإحتكاك مع صديقتنا الكبرى الولايات المتحدة والقضاء على التهديد الوجودي.. فإن القضاء على التهديد الوجودي يفوز”، في إشارة إلى البرنامج النووي الإيراني.

وعلى خطى ترامب في الأيام الأخيرة له في البيت الأبيض، حيث كان لا يزال يأمل في قلب نتائج الإنتخابات الرئاسية التي فاز فيها بايدن، أطلق نتنياهو حملة شرسة لفرط عقد “حكومة اليسار التي تشكل خطراً على إسرائيل”. وأنصاره يتظاهرون يومياً أمام منازل نواب من حزب “يمينا” و”أمل جديد”، بغية الضغط على نواب من هذين الحزبين للإنشقاق، بما يضمن له عدم نيل الإئتلاف الجديد للثقة في الكنيست. والثقة معلقة على غالبية بسيطة من 61 نائباً من أصل 120.

ولا يزال نتنياهو يأمل في بحر الأيام المقبلة من إسقاط الإئتلاف والذهاب إلى إنتخابات خامسة في الصيف المقبل، وإعادة رسم المشهد السياسي لمصلحة بقائه في السلطة بأي ثمن. ولا يمكن الإستهانة بخبرته في التحريض وتجييش الرأي العام الإسرائيلي وتحريك المتطرفين من الأحزاب العنصرية على غرار حزب “القوة اليهودية” الذي يدعو علناً إلى قتل العرب ويعتبر باروخ غولدشتاين الذي ارتكب مجزرة الحرم الإبراهيمي “بطلاً قومياً”. وكثير من الإسرائيليين يعتبرون أن أجواء التحريض التي أطلقها نتنياهو ضد اتفاق أوسلو عام 1993، هي التي دفعت اليهودي من أصل يمني ييغال عمير إلى اغتيال رئيس الوزراء الإسرائيلي اسحق رابين عام 1995.

وكي لا نغرق في الماضي، نستعين بمثال لا يزال حياً. لقد إتخذ نتنياهو قرار الحرب على غزة في 10 أيار/ مايو المنصرم، بعد توتير متعمد في القدس والأراضي المحتلة عام 1948، على أثر إخفاقه في تشكيل حكومة إئتلافية جديدة، وإيكال الرئيس الإسرائيلي رؤوفين ريفلين هذه المهمة إلى زعيم حزب “هناك مستقبل” يائير لابيد.

بعدما توقفت حرب غزة وتم الإعلان عن الإئتلاف الجديد وعدم تسليم نتنياهو به، لا تزال إدارة بايدن تخشى أن يقدم رئيس الوزراء المنتهية ولايته، على قرار إنتحاري كمثل توجيه ضربة إلى إيران لخلط الأوراق الداخلية في إسرائيل والمنطقة وقلب نتائج المفاوضات في فيينا

وعبر الحرب على غزة، سعى نتنياهو إلى خلق أمر واقع جديد يستحيل معه على لابيد تأليف حكومة، لا سيما أنه لم يتبقَ من المهلة المعطاة له سوى أيام معدودات. وكاد نتنياهو يبلغ مقصده عندما قال زعيم حزب “يمينا” نفتالي بينيت بعد ساعات من بدء الهجمات على غزة، أنه أوقف مفاوضات الإئتلاف مع لابيد. إلا أنه بعد وقف الحرب، عاد بينيت عن موقفه وواصل المفاوضات الإئتلافية وقَبِل بأن تكون الحركة الإسلامية برئاسة منصور عباس جزءاً من الإئتلاف. والسؤال البديهي هنا، هل ثمة أيدٍ تعمل في الخفاء لتسهيل مهمة إقصاء نتنياهو، أكثر مما هو العمل على قيام حكومة يدرك الجميع هشاشتها وبأنها قد تنفجر عند أول منعطف؟

وبعدما توقفت حرب غزة وتم الإعلان عن الإئتلاف الجديد وعدم تسليم نتنياهو به، لا تزال إدارة بايدن تخشى أن يقدم رئيس الوزراء المنتهية ولايته، على قرار إنتحاري كمثل توجيه ضربة عسكرية إلى إيران لخلط الأوراق الداخلية في إسرائيل والمنطقة وقلب نتائج المفاوضات في فيينا. وهذا ليس سراً، بل أخبار  يتداولها محللون ووسائل إعلام أميركية وإسرائيلية.

وكانت مثل هذه الخشية تراود بايدن حيال ما يمكن أن يقدم عليه ترامب من قرارات لقلب نتائج الإنتخابات الرئاسية الأميركية، فكان يوم الاقتحام الدموي للكونغرس من مؤيدي الرئيس السابق في 6 كانون الثاني/ يناير 2021 في الوقت الذي كان المشرّعون الأميركيون يصادقون على نتائج الإنتخابات.

كما ساورت بايدن المخاوف من إقدام ترامب في الأيام الفاصلة بين ظهور النتائج لمصلحة المرشح الديموقراطي وبين التسلم والتسليم، من أن يقدم ترامب على توجيه ضربة عسكرية لإيران بغية خلط الأوراق في المنطقة وتالياً تصعيب عملية العودة إلى الإتفاق النووي، الذي كان بايدن قد أعلن خلال حملته الإنتخابية، أنه يرى أن العودة إلى الإتفاق تصب في مصلحة الأمن القومي الأميركي.

إذا فشل نتنياهو في الحؤول دون ولادة ما أطلق عليه “حكومة التغيير”، فإنه سيبقى يتحين أي فرصة لتصديع الإئتلاف والذهاب إلى انتخابات خامسة أملاً في أن تعيده إلى السلطة. وهو موقن أن الإئتلاف الجديد لا هدف له سوى إسقاطه بعد 12 سنة متتالية في المنصب

من هنا، تبقى أنظار أميركا مشدودة إلى الأيام المقبلة وما يمكن أن يدخر لها نتنياهو من مفاجآت مماثلة لمفاجآت “صديقه” ترامب، الذي أسخى عليه في الأعوام الأربعة الماضية بهدايا مجانية توجتها “صفقة القرن”. ومن دون شك يفتقد نتنياهو ترامب في مثل هذه الأيام “العصيبة” بالنسبة له.

إقرأ على موقع 180  المشاهد الأخيرة قبل الواقعة الأمريكية

وكما يهدُس ترامب بالعودة إلى البيت الأبيض، فإن نتنياهو إذا فشل في الحؤول دون ولادة ما أطلق عليه “حكومة التغيير”، فإنه سيبقى يتحين أي فرصة لتصديع الإئتلاف والذهاب إلى انتخابات خامسة أملاً في أن تعيده إلى السلطة. وهو موقن أن الإئتلاف الجديد لا هدف له سوى إسقاطه بعد 12 سنة متتالية في المنصب.

هذا مع العلم أن نفتالي بينيت ـ رئيس الوزراء المفترض بموجب اتفاق التناوب مع يائير لابيد – هو أكثر تطرفاً من نتنياهو حيال الفلسطينيين، ومن دعاة ضم آحادي لأجزاء من الضفة الغربية، ولا سيما غور الأردن، ناهيك عن الكتل الإستيطانية، ولا يؤيد قيام دولة فلسطينية بأي شكل من الأشكال أو تجميد الإستيطان، وهو تتلمذ على أيدي نتنياهو من خلال مشاركته في حكوماته المتعاقبة. وأول كلام أدلى به بعد التوصل إلى اتفاق الإئتلاف كان الجزم بعدم وقف الإستيطان حتى ولو ضغطت أميركا في هذا الإتجاه أو تسبب بفرط الإئتلاف والذهاب إلى انتخابات جديدة. كما أنه لم يستبعد شن حرب على غزة ولبنان “إذا دعت الحاجة”.  لكنه بعث برسالة طمأنة إلى الولايات المتحدة عندما سئل عن موقفه من العودة الأميركية إلى الاتفاق النووي، عندما قال:”الشراكة مع الولايات المتحدة بما في ذلك مع الرئيس جو بايدن هي إستراتيجية وأساسية”.

وفعلاً، ما يهم إدارة بايدن الآن هو استكمال إجراءات العودة إلى الإتفاق النووي مع إيران ووقف حرب اليمن، بينما أولت مهمة تثبيت التهدئة في غزة إلى مصر. وليس البيت الأبيض في وارد التقدم بمبادرات تتعلق بتسوية الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي بل يكتفي بالإعلان عن تأييده حل الدولتين، من دون الخوض في تفاصيل كيفية الوصول إلى هذه الغاية.

Print Friendly, PDF & Email
سميح صعب

كاتب وصحافي، لبنان

Download WordPress Themes Free
Premium WordPress Themes Download
Download Nulled WordPress Themes
Download WordPress Themes Free
free download udemy course
إقرأ على موقع 180  إنه سليمان فرنجية.. هل يُطيح باسيل بالتفاهم مع حزب الله؟