في جلسة إستماع برلمانية، قال وزير خارجية الولايات المتحدة أنتوني بلينكن، (الإثنين الماضي) إنه من غير الواضح بعد “ما إذا كانت إيران تريد وما إذا كانت جاهزة للقيام بما هو مطلوب منها للعودة إلى إحترام الإتفاق (النووي).. لا نزال نختبر هذا الإقتراح”.
لم تمض ساعات، حتى بادر وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف إلى الرد على بلينكن بالقول إنه من غير الواضح ما إذا كان الرئيس الأميركي جو بايدن ووزير خارجيته (بلينكن) مستعدين “لدفن سياسة الضغوط القصوى الفاشلة لدونالد ترامب ووزير خارجيته مايك بومبيو ووقف الإرهاب الإقتصادي كورقة مساومة في المفاوضات”.
قبل ذلك بأيام قليلة، قال الرئيس حسن روحاني إننا “قمنا بعملنا وإنتهينا”، وتم حل مشكلاتنا الرئيسية مع الأميركيين في فيينا، و”لا تزال هناك بعض النقاط الفرعية”، وأضاف أنه إذا تم حل الإرادة السياسية في إيران (في إشارة إلى القيادة ومجلس الأمن القومي الإيراني)، “فإن هذه القضايا الجانبية ستُحلُ بالتأكيد”.
بدوره، يردّد رئيس الوفد الإيراني إلى محادثات فيينا عباس عراقجي أن العمل “وصل إلى مراحله النهائية ويمكن حل الخلافات المتبقية”.
هذه التصريحات الأميركية والإيرانية تؤشر إلى أن مفاوضات فيينا تتجه نحو لحظة الحسم، لكن يتضح أيضاً أن قرار السلطات العليا في إيران هو التوصل إلى اتفاق نهائي في فيينا لكن بعد الإنتخابات الرئاسية الإيرانية المقررة في 18 حزيران/ يونيو المقبل.
كان المحافظون في البرلمان الإيراني لا يفوّتون مناسبة للتعبير عن تشدّدهم إزاء محادثات فيينا، لكن من عجائب الدنيا أنه بعد قرار وزير الخارجية محمد جواد ظريف بعدم الترشح إلى رئاسة الجمهورية، التزم هؤلاء النواب الصمت إزاء المفاوضات النووية كأنها غير موجودة.
من جهة، لم يعد المحافظون يربطون بين ترشح ظريف وبين رفع العقوبات الأميركية، ومن جهة مقابلة، صار من مصلحة الأميركيين إثر خروج ظريف من المعادلة الرئاسية تأجيل إبرام الاتفاق مع إيران إلى ما بعد الانتخابات الإيرانية، أي إبرامه مع المحافظين لا مع حكومة روحاني.
ومن الملفت للإنتباه أن المرشحين المحافظين الخمسة للانتخابات الرئاسية كانوا من أشد المنتقدين للإتفاق النووي وبينهم النائبان المحافظان علي رضا زاكاني وأمير حسين قاضي زاده هاشمي، اللذان كانا يتهمان حكومة روحاني بإخفاء معلومات سرية بشأن مسار المفاوضات!
ومن النقاط المثيرة للاهتمام أيضاً في المناظرة الأولى لمرشحي الرئاسة الإيرانية أن الموضوع الاقتصادي كان طاغياً على ما عداه، لكن أياً من المرشحين السبعة لم يتفوه ولو بكلمة واحدة حيال العقوبات الأميركية وتأثيرها على الأزمة الاقتصادية.
الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة قاطعا رئيسي عندما كان رئيساً للسلطة القضائية، تحت ستار “حقوق الإنسان”، وعندما يصبح رئيساً، قد تندلع أزمة سياسية جديدة بين إيران والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، وقد تردد أن إحدى هذه إحدى أبرز القضايا المُثارة في مفاوضات فيينا
وحسب مصادر غير رسمية فإن التلفزيون الإيراني تلقى تعليمات بعدم إثارة أي موضوع يتصل بالاتفاق النووي والعقوبات الأميركية في محاورات المناظرة الأولى، وهذا يعني، بحسب المصادر إياها، أن القرار بشأن الاتفاق النووي يندرج ضمن مسؤوليات أعلى الهرم السياسي وليس حكومة روحاني، وبالتالي ليس مسموحاً لفريق المحافظين أن يجعله مادة للإستثمار في خضم الحملات الرئاسية!
وهنا تطرح أسئلة عديدة:
أولاً؛ إذا لم تكن السلطة التنفيذية صاحبة القرار في الملف النووي، لماذا هاجم المحافظون حكومة روحاني في السنوات الثلاث الماضية وحمّلوها آلاف المرات مسؤولية إبرام الاتفاق النووي عام 2015 إلى درجة التهديد أكثر من مرة بإستجوابها أمام البرلمان؟ ولماذا وصف المحافظون موقعي الاتفاق النووي بأنهم “خونة” ولا سيما محمد جواد ظريف، ولماذا توقفت الإتهامات ضد الأخير بعد إعلان إنسحابه من السباق الرئاسي، وهل كان المطلوب شطبه فقط؟
ثانياً؛ إذا إفترضنا أن محادثات فيينا ستنتهي بشكل ايجابي وسيُصار إلى تأجيل تنفيذ الإتفاق الجديد إلى ما بعد الإنتخابات الإيرانية المقبلة، كيف سيتصرف الرئيس الإيراني الجديد الذي سيكون من فريق المحافظين مع الاتفاق النووي؟ كيف ستتعامل حكومته مع رفع العقوبات الأميركية وهل سيرد على واشنطن بأنه يرفض الإتفاق النووي؟ وإذا قبل لماذا يحق لفريق المحافظين أن يكون مع الإتفاق ولا يحق للإصلاحيين ذلك؟
ثالثاً؛ ماذا ستفعل حكومة المحافظين الجديدة إذا لم يتم رفع العقوبات الأميركية بحلول الوقت الذي تتولى فيه الحكومة الإيرانية المحافظة الجديدة السلطة؟ هل ستلغي الاتفاق النووي؟ أم أن قرار المضي بالمحادثات في فيينا ليس من صلاحياتها بل من صلاحيات السلطة السياسية الأعلى؟
ولنفترض أن إبراهيم رئيسي سيكون رئيساً لإيران، وهذا هو الإحتمال الأكثر ترجيحاً، لقد قدّم المحافظون شعارات وبرامج اقتصادية ووعدوا بحلول للبطالة والتضخم وغلاء الأسعار، وفي مثل هذه الظروف ستزداد حاجة الحكومة الإيرانية المحافظة إلى رفع العقوبات الأميركية وستحاول جني نتائج محادثات فيينا التي رعتها حكومة روحاني. في مثل هذه الظروف، فإن جزءاً من شعارات الحكومة الاقتصادية سيُنفذ بأموال الغاء الحظر على الاموال الإيرانية المجمدة في المصارف الاجنبية!
إرتباك فريق المحافظين قد يُجبر الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على تأخير رفع العقوبات من أجل الحصول على المزيد من التنازلات من الحكومة المحافظة الجديدة وعلى سبيل المثال محاولة إجبارها على التفاوض بشأن نفوذ إيران الإقليمي ومنظومة صواريخها الباليستية.
لكن لا يجوز إهمال قضية أخرى وهي أن الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة قاطعا إبراهيم رئيسي عندما كان رئيساً للسلطة القضائية، تحت ستار “حقوق الإنسان”، وعندما يصبح رئيساً، قد تندلع أزمة سياسية جديدة بين إيران والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة. وقد تردد أن إحدى أبرز القضايا في مفاوضات رفع العقوبات كانت هذه القضية في فيينا، وإذا لم يجرِ حلها، فمن المرجح أن تستخدمها أوروبا والولايات المتحدة ذريعة للضغط أكثر على الحكومة الإيرانية المحافظة.
الهواجس والأسئلة التي تظلل محادثات فيينا تضع مستقبل الحكومة الإيرانية المحافظة أمام خيارات وإستحقاقات صعبة.
يذهب بعض الخبراء أبعد من ذلك ويعتقدون أن هذه الخيارات “قد تغيّر خطة المحافظين في الانتخابات الرئاسية الإيرانية”، وهي عبارة حمّالة الأوجه!