إنتصار “طالبان” يُلهب “الجهاديين”.. عودة الملاذ الآمن! 

الانتصار السريع والمدوي لحركة "طالبان" على فلول الجيش الافغاني بعد الانسحاب الاميركي المثير لخيبة "أصدقاء" واشنطن، أعاد للجماعات والتنظيمات الجهادية الروح التي سلبتها منها الهزيمة النكراء التي اصابت تنظيم "الدولة الاسلامية" (داعش) في العراق وسوريا.

برغم اعلان الناطق باسم حركة “طالبان” سهيل شاهين، قبيل إقتحام العاصمة كابول، بأن الحركة ملتزمة “بعدم السماح لأي شخص باستخدام الأراضي الأفغانية ضد الولايات المتحدة أو حلفائها”، فان هذا التصريح لا يعني أبداً أن الحركة ستفك إرتباطها بالحركات الجهادية، وإنما يؤشر ضمناً الى ان الجهادية العالمية التي صارت “طالبان” رمزها الأقوى ومظلتها الأوسع، ستتبع نهجاً جديداً يقوم على إستهداف “العدو القريب” لا “العدو البعيد”، وهو ما يعيد الحركة الجهادية إلى سيرتها الأولى، إذ توفر “الإمارة” الموعودة ملاذات آمنة للحركات الجهادية، الحليفة والصديقة، في مجالات التخطيط والتدريب، لأجل تنفيذ عملياتها في أراضيها الأم، أي أن افغانستان مرشحة لأن تتحول نقطة جذب لـ”الجهاديين”، كما كانت في ذروة الحرب على السوفييت، ومثلما كان الحال مع اجزاء لا يستهان بها من سوريا والعراق في لحظة تفشي “داعش” قبل سبع سنوات.

في الأصل، لم تخف “طالبان” رغبتها في ان تكون “الامارة الاسلامية” في افغانستان، مظلة جامعة للجماعات الجهادية كافة، ولا شك ان انتصارها سيعطي جرعة معنوية قوية لهؤلاء على امتداد الخريطة الجهادية من منطقة الساحل وجنوب الصحراء في افريقيا الى جزيرة مورو في الفيليبين وفي القلب منها اسيا الوسطى والشرق الاوسط، وسيشجع على ظهور تيارات وتنظيمات تتبنى النهج ذاته وتحذو حذو “طالبان” التي صمدت 20 عاماً واخرجت جيش اعتى قوة عسكرية من ارضها.

وعلى الدوام ظلت العلاقات وطيدة بين “طالبان” والحركات الجهادية الأوزبكية والطاجيكية، وزادها رسوخاً سقوط زعيم الجماعة المسلحة الأوزبكية عبد العزيز يولداش، وهو يقاتل في صفوف “طالبان” خلال عملية نفذتها القوات الخاصة الأفغانية في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، وهو نجل مؤسس الحركة الإسلامية المسلحة في أوزبكستان القائد العسكري المتمرس طاهر يولداش الذي ربطته علاقة وثيقة بأسامة بن لادن، وقاتل أيضاً في صفوف “طالبان”.

وبدأت القصة مع الجارة الاخرى طاجيكستان، عندما استولت “طالبان” على المناطق الحدودية ونقلت سيطرة خمس مناطق في ولاية بدخشان إلى أيدي جماعة “أنصار الله” التي تعرف بـ”طالبان الطاجيكية”، وهي منظمة محظورة في طاجيكستان بتهمة أنها “منظمة إرهابية”.

ثمة توقعات بأن يصبح الفرع الأفغاني لتنظيم “الدولة الإسلامية” معقلاً ومقراً رئيسياً لقيادة “داعش”، بعد انهيار البنية الأساسية للتنظيم في العراق وسوريا. ويتمتع الفرع الأفغاني المعروف باسم “ولاية خراسان” بقدر كبير من التماسك التنظيمي والتعصب الايديولوجي اللذين يحميانه من الانشقاقات

وفي مواجهة تنامي وجود “أنصار الله” في طاجيكستان، إستعانت حكومة دوشانبي بالحكومة الروسية التي حملت مسؤولية أي تدهور أمني محتمل قرب الحدود الطاجيكية الأفغانية إلى الولايات المتحدة بسبب قرار الإنسحاب المتعجل الذي إتخذته. وبالفعل، أعطى الكرملين الأوامر بإجراء تدريبات مشتركة مع القوات المسلحة الطاجيكية والأوزبكية وبإرسال إمدادات عسكرية عاجلة إلى طاجيكستان.

ومن بين كل جيران أفغانستان، تبدو دول آسيا الوسطى الأكثر قلقاً من عودة “طالبان”. فهذه الدول هي الأضعف عسكرياً واقتصادياً من بين كل جيران أفغانستان، وهي دول فقيرة تحكمها أنظمة مستبدة علمانية، تتسم بالقلق من التوجهات الإسلامية المعتدلة والمتشددة على حد سواء. والأهم أن هذه الدول تتكون من عرقيات هي امتداد لعرقيات أفغانستان، فنحو 24 في المئة من سكان أفغانستان من الطاجيك، و9 في المئة من الأوزبك، و3 في المئة من التركمان، مما يجعل أي تطورات في أفغانستان تؤثر على هذه البلدان التي كانت تاريخياً على علاقة وثيقة مع العالم الإسلامي عبر إيران وأفغانستان، لكن انقطعت هذه الصلة بعد احتلال الروس لهذه البلاد في القرن التاسع عشر.

وليس المقاتلون الطاجيك والاوزبك فقط هم الذين ثبت وجودهم مع “طالبان” الأفغانية في ولاية بدخشان، بل كان هناك كذلك مقاتلون من الشيشان والإيغور. وقال مسؤول أمني أفغاني كبير: “الحقيقة التي تشير إلى أنهم يسمحون للإسلاميين الطاجيك بالسيطرة على مناطق في أفغانستان تكشف عن أن هدفهم الحقيقي تأسيس إمارة إسلامية عبر عدد من البلاد. ثمة جماعات متطرفة أخرى تحمل الهدف نفسه، وهو السبب في أن البلاد التي تتدخل بقوة في أفغانستان، مثل باكستان، قد تندم على ما تفعل”.

وبالفعل فان حركة “طالبان باكستان”، وبرغم انها كان تحظى بدعم من الجيش والمخابرات الباكستانية، أعلنت أن “النصر” الذي حققه حلفاءها في “طالبان الأفغانية” ألهمها لتصعيد جهادها الخاص ضد الدولة الباكستانية. وبالفعل نفذت الحركة 32 هجوماً داخل باكستان منذ بداية هذا العام. وتعهد قائدها، مفتي نور والي محسود، بشن حرب مقدسة ضد حكومة عمران خان الباكستانية، فيما حذر متحدث باسم القوات المسلحة الباكستانية من أن تنظيمي “داعش” و”طالبان باكستان” والتابعين لهم “يستخدمون قواعدهم في أفغانستان لتخطيط الهجمات وشنّها ضد القوات المسلحة الباكستانية”.

إقرأ على موقع 180  نواف الأمير الـ16 للكويت.. من يختار ولياً للعهد؟

في هذا السياق، فإن حركة “طالبان” تعتبر تنظيم “داعش” خصمها الأكبر كونه نازعها قيادة الجهاد العالمي، وثمة توقعات بأن يصبح الفرع الأفغاني لتنظيم “الدولة الإسلامية” معقلاً ومقراً رئيسياً لقيادة “داعش”، بعد انهيار البنية الأساسية للتنظيم في العراق وسوريا. ويتمتع الفرع الأفغاني المعروف باسم “ولاية خراسان” بقدر كبير من التماسك التنظيمي والتعصب الايديولوجي اللذين يحميانه من الانشقاقات. ولا تشكل “ولاية خراسان” خطرا على “طالبان” وباكستان فقط، بل على كل دول الجوار لا سيما الصين، اذ يعتقد على نطاق واسع انه لغم استخباري دس بعناية في افغانستان لهذه الغاية.

هل سيحاول عناصر تنظيم “القاعدة” الذين خرجوا من افغانستان بعد الغزو الاميركي العودة الآن بعدما أصبحت “طالبان” في السلطة وصار في امكانهم الركون الى ملاذ آمن؟

وتدفق سيل من المجاهدين الأجانب الى افغانستان للانضمام الى فرع “داعش” الذي تغلب على قيادته هناك الهوية الباكستانية، وأبرز الوافدين يحملون جنسيات أوزبكستان وطاجيكستان وقيرغيزستان والشيشان وداغستان أو سيكيانغ الصينية، وبينهم اردنيون واتراك وبنغال وجزائريون واوروبيون.

وتواصل جماعات جهادية أخرى عملها من أفغانستان أيضاً، بما فيها تنظيم “القاعدة” و”الحركة الإسلامية المسلحة في أوزبكستان” و”كتيبة الإمام البخاري” و”الحزب الإسلامي التركستاني”. وتعتبر الجماعة الأخيرة مصدر قلق كبير للصين نظراً لجذورها في مقاطعة سيكيانغ التي تقطنها اقلية الايغور المسلمة في الصين والتي تطالب بانفصال هذا الاقليم عن بيجينغ.

وعلى عكس انصار داعش” الذين يرون أن نصر “طالبان” يُخمد بريق مشروع الخلافة الذي رعاه تنظيمهم في العراق وسوريا، لا سيما أن “طالبان” تسيطر الآن على دولة بمعظمها، وهو ما لم يحققه “داعش”،  عبّر أفراد يرتبطون بشبكات تنظيم “القاعدة” أو “هيئة تحرير الشام” التي تعتبر “طالبان” مثلها الاعلى، عن ترحيبهم باستيلاء “طالبان” السريع على أفغانستان.

وبرغم عدم صدور بيان رسمي عن “القاعدة ” في شأن ما جرى في افغانستان، فان استيلاء “طالبان” على البلاد، ادى الى إطلاق سراح عناصر من تنظيم “القاعدة” وجماعات اخرى. وكان لسقوط “قاعدة باغرام الجوية” أهمية خاصة في هذا الصدد، لأنها كانت تحتجز أهم سجناء تنظيم “القاعدة”. ومن المرجح أن يؤدي هذا التدفق من قدامى المحاربين الجهاديين إلى تحفيز جهود تنظيم “القاعدة” لإعادة بناء بنيته التحتية المحلية والعالمية. وثمة سؤال بارز، هل سيحاول عناصر تنظيم “القاعدة” الذين خرجوا من افغانستان بعد الغزو الاميركي العودة الآن بعدما أصبحت “طالبان” في السلطة وصار في امكانهم الركون الى ملاذ آمن؟ وهل ستمهد عودة هؤلاء لإطلاق موجة جديدة من عمليات الثأر؟ وما نصيب سوريا وشرق أفريقيا من كل ذلك بعدما انبأنا الرئيس الاميركي جو بايدن أن هاتين المنطقتين ستكونان اخطر من افغانستان؟

Print Friendly, PDF & Email
أمين قمورية

صحافي وكاتب لبناني

Free Download WordPress Themes
Download Nulled WordPress Themes
Premium WordPress Themes Download
Download WordPress Themes Free
udemy paid course free download
إقرأ على موقع 180  خطة نفتالي بينت..ثمن الإنضباط في سوريا مرتفع