المالكي و«حلم» رئاسة الحكومة.. لا مانع من “حلّ الحشد الشعبي”!

أيّامٌ قليلة تفصل الحكومة العراقية برئاسة مصطفى الكاظمي، عن إجرائها الانتخابات التشريعيّة المبكرة، في دورتها الخامسة. العاشر من تشرين الأوّل/ أكتوبر الجاري، هل يُشكل بداية نقطة تحوّل في «عراق 2003».. نحو عراق جديد؟

ثمة مساراتٍ عراقية سترتسم معالمها بناءً على نتائج الإنتخابات المقبلة: إما دفعٌ نحو إصلاحٍ سياسيٍّ – اقتصاديٍّ، يكون مقدمة نحو تصحيح أخطاء مرحلة الأعوام الـ 18 الماضية، أو الإستعداد لإنفجارٍ اجتماعيٍّ كبيرٍ خلال أفق زمني غير محدد يؤسّس لنظامٍ بديلٍ عن هذا المُنتج على يد الاحتلال الأميركي ومعارضي نظام صدام حسين، على اختلاف «توجهاتهم”.

حديث الانتخابات ونتائجها، وأحجام الكتل وتحالفاتها، وصولاً إلى هويّة «الكتلة الأكبر»، يوازيه حديثٌ ساخنٌ تجريه الأحزاب والقوى السياسيّة في ما بينها من جهة، ومع الفاعلين ـ المؤثرين الإقليميّين والدوليّين في المشهد العراقي من جهة أخرى؛ حديث شخص رئيس الوزراء، وتحديد المواصفات والصلاحيّات والمشروع وآلية التسمية.

عمليّاً، تجدر الإشارة إلى النقاط التاليّة:

أولاً؛ حديث المواصفات والصلاحيات والمشروع أقرب لأن يكون «شراء وقت»، من قِبل الأحزاب والقوى السياسيّة العراقيّة. فالمواصفات – ومع كل دورةٍ انتخابيّة – يُعاد إخراجها والتمسّك بها: رئيسٌ قويٌّ قادرٌ على إدارة الأزمات والخروج منها، وبصلاحيّات واسعة أي «مبسوط اليد». أما حديث المشروع، فيفرض تأمّلاً دقيقاً، مع ارتباطه – عادةً – بشخص الرئيس وقدراته وعلاقاته وميوله، في ظل الظرف الإقليمي – الدولي، ولا سيما إيقاع «الاشتباك» الإيرانيّ – الأميركي.

ثانياً؛ تدرك الأحزاب والقوى السياسيّة العراقية جيّداً، وجود مؤثرين في المشهد العراقي يملكون «حق النقض». هؤلاء، بإمكانهم الإطاحة بأي «توافقٍ» داخليّ (ثمة أمثلةٌ كثيرة على ذلك، منها تجربة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي في أعوام 2010 و2014)، وهم: الولايات المتحدة الأميركيّة، الجمهوريّة الإسلاميّة في إيران، و«المرجعيّة الدينيّة العليا» في النجف (آية الله علي السيستاني)، أما الأطراف الإقليميّة الأخرى، فأقرب لأن تكون أدورها ثانويّة أو تدور في فلك أحد المعسكرين الأميركي أو الإيراني.

ثالثاً؛ يُترجم «الاشتباك» الإيراني – الأميركي، في الخطاب الانتخابي الحالي بـ«مستقبل الحشد الشعبي» وضرورات بقائه من عدمه. والداعون – هنا – على خلافٍ في أصل «تشخيص» دوافع حل ـ دمج «الحشد» في الأجهزة الأمنيّة. زعيم «التيّار الصدري» مقتدى الصدر، مثلاً، له حساباته الخاصّة، ويصعب القول بتنفيذه «أجندة أجنبيّة»، في وقتٍ يُنادي البعض «همساً» بضرورة الحل ـ الدمج لأسبابٍ طائفيّة – مناطقيّة، قد تكون بتوجيهاتٍ أميركيّة وقد تكون نابعة عن حساباتٍ سياسيّة.

الثابت أن الدعوة الصريحة خرجت عن لسان السيد مقتدى الصدر، أما الدعوات الأخرى فما زالت «خجولة» أو ضمنيّة، لخوف أصحابها من قادة الفصائل المشكّلة لـ«الحشد»، وجمهورهم؛ وهذا ما يمكن أن يُشكّل ضربةً قاسيةً لهؤلاء، و«شدّاً لعصب» جمهور «الحشد» والفصائل.

وعليه، يمكن تفسير خطاب قادة «الحشد» والفصائل في حملاتهم الانتخابيّة، بالقول إن «الانتخابات أقرب لأن تكون استفتاءً على الحشد.. وإن خسرنا كتلتنا الوازنة في البرلمان المقبل سنكون أمام تحدياتٍ صعبة، وعلى رأسها حل ـ دمج الحشد..». بناءً على ذلك، يمكن تفسير «أوراق الاعتماد» التي تطرحها بعض الوجوه الطامحة للظفر بمنصب رئيس الوزراء، بين مؤيّدٍ لهذا الخيار وبين معارضٍ له.

تشي المعلومات بأن نوري المالكي، وأمام عددٍ من السفراء، وعلى رأسهم السفير الأميركي في بغداد ماثيو تولر، أبدى جاهزيّته لإيجاد «حلٍّ ما للحشد»، يُفضي إلى دمجه بالأجهزة والقوات الأمنيّة، شرط «تسهيل» عودته إلى رئاسة الوزراء

واللافت للإنتباه أن الحليف الأقرب لـ«تحالف الفتح» (إئتلافٌ برلمانيٌّ يضم القوى والأحزاب المؤيّدة لخيار «الحشد الشعبي»، بزعامة هادي العامري)، نوري المالكي، يستثمر هذا التجاذب، بهدف العودة إلى رئاسة الوزراء، بعد «إقصاءٍ» دام 7 سنوات. ويبقى السؤال كيف؟

أولاً؛  رفض نوري المالكي خوض الغمار الانتخابي، في ظل القانون الحالي. مردّ ذلك إلى توزع وتشتت أصوات ناخبيه وتوجيههم لحصد أكبر عددٍ ممكنٍ من المقاعد في محافظة بغداد. سابقاً، استطاع المالكي – وبناءً على القانون السابق – أن يمنح عدداً من مرشحي كتلته مقاعد في البرلمان، نظراً لكميّة المقترعين له (في الدورة الماضية بلغ عدد أصواته 101 ألف صوت في بغداد). كذلك، أراد المالكي تكريس نفسه بوصفه «حكيم البيت الشيعي».

ثانياً؛ يراهن المالكي على علاقاته مع المؤثرين الإقليمي والدولي؛ أي طهران وواشنطن. مع الأولى له علاقاته التاريخيّة، ومع الثانية تربطه «صداقة» بالرئيس جو بايدن. يؤكّد المالكي قدرته – هو الآخر – على إحداث توازنٍ في العلاقة بين العدوّين اللدودين، وقدرته – أيضاً – على الحفاظ على مصالحهما في الميدان العراقي دون الوصول إلى «الاشتباك المباشر». يحاول في ذلك تكرار تجربة رئيس الوزراء الحالي مصطفى الكاظمي، ولكن على طريقته، غير أن تجربة السنوات الثماني في الحكم (2006 – 2014)، أثبتت عكس ذلك، فالرجل لا يمكنه أن يكون متوازناً، إذا يُفضّل – دوماً – الركون إلى معكسرٍ على حساب آخر.

إقرأ على موقع 180  "هآرتس": هجوم تل أبيب.. لا مركزية "الذئاب المنفردة"!

ثالثاً؛ يسعى المالكي في خطابه الانتخابي إلى التذكير بحقبته، كونها حقبة «الخير» وحقبة «الدولة»، رافعاً بذلك شعار «نعيدها دولة». اللافت للنظر أيضاً، في الخطاب نفسه، هجومه «الناعم» على السلاح المنفلت، وعلى تملّص بعض قادة «الحشد» من تنفيذ توجيهات القائد العام للقوات المسلحة (رئيس الحكومة). تصريحات المالكي، قد تكون «انتخابيّة بحتة»، في محاولةٍ منه لاستقطاب الأصوات المتردّدة والرماديّة، واستثمار بيان «المرجعيّة الدينية العليا» الأخير لصالحه. لكنّ مصادر عراقية واسعة الإطلاع تأخذ عليه أنه “ذهب بعيداً في “الإستثمار”.

وفي السياق، تشي المعلومات بأن نوري المالكي، وأمام عددٍ من السفراء، وعلى رأسهم السفير الأميركي في بغداد ماثيو تولر، أبدى جاهزيّته لإيجاد «حلٍّ ما للحشد»، يُفضي إلى دمجه بالأجهزة والقوات الأمنيّة، شرط «تسهيل» عودته إلى رئاسة الوزراء. المالكي، وتحت عنوان «الدولة القويّة»، شدد أمام زوّاره، على ضرورة المضي في حصر السلاح بيد الدولة، خاصّةً أن القوّات الأميركيّة، على وشك الخروج نهائيّاً من البلاد أواخر العام الجاري.

“أوراق الاعتماد» التي يقدّمها المالكي، تصبّ في خانة العودة إلى الرئاسة، معتبراً أن العودة إلى «القصر الحكومي» شبه معبّدة، في ظل دعم بعض أركان «البيت الشيعي»، وبعض قوى «البيت السُنّي»، ومصالحة زعيم «الحزب الديموقراطي الكردستاني» مسعود بارزاني، قبل أسابيع، وطمأنة كُلّ من طهران وواشنطن، لخياراته.

غير أن ما يُراهن عليه المالكي يصطدم بـ«فيتو» النجف؛ وهنا نتحدث عن «شقّين». فإن كانت الشقّ المتعارف عليه هو السيستاني، فإن مقتدى الصدر، بوصفه أحد أبرز قاطنيها، لن يقبل إطلاقاً بعودة المالكي وجاهزٌ للتصعيد والذهاب بعيداً للحؤول دون ذلك. أما السيستاني، فلا يمكن للمالكي أن ينسى كيف أطاح به في آب/ أغسطس من العام 2014، حارماً إيّاه «الولاية الثالثة»، وجاعلاً منه «عبرةً» بالقول إن «المجرّب لا يجرّب”.

وعليه، يأخذ «تحرّك» المالكي للعودة إلى الحكم خصوصيّةً بالغة، بين تبني هذا المشروعٍ فقط نظرياً أو محاولة تنفيذه بكل ما يمكن أن يؤدي إليه من تداعيات وبين التأكيد بأن «الخير» سيرجع للعراق فقط على يديه. إذ يؤمن الرجل أن من حكم البلاد من العام 2014، لم يكن على «قدر التوقعات.. والتحديات تفرض عودة “الحرس القديم”، والذي يمثّل هو رأس حربته». هنا، ثمة من يقول من كبار الصفّ الأوّل إن عودة المالكي ربما تصب في خانة التهيئة للإنفجار الكبير في المرحلة المقبلة..

Print Friendly, PDF & Email
Download WordPress Themes Free
Free Download WordPress Themes
Download WordPress Themes Free
Download WordPress Themes Free
free online course
إقرأ على موقع 180  مصر وإيران.. من يفلش "طريق الحرير" بينهما؟