النتائج العراقية.. تُصعّب التسوية الحكومية أم تُسهّلها؟

لم تكن إنتخابات 2021 في العراق مفصلية كما سيق لها من شعاراتٍ وآمال. لن تؤسس لواقع جديد بقدر ما تُعبّر عن واقع بلد مأزوم، وما نسبة الاقتراع المخيبة للتوقعات إلا إعلاناً بأن البديل الجدي عن الواقع السياسي الحالي لم ينضج بعد.

حاول رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي الذي يُمني نفسه برئاسة الحكومة المقبلة، حتى اللحظات الأخيرة إعطاء بعدٍ مفارق للانتخابات العراقية الخامسة التي رعتها حكومته. عقب إدلائه بصوته، قال إنها الانتخابات العراقية الأولى منذ 2005 بلا حظر تجول ومن دون أن يترشح فيها رئيس الوزراء.

أراد الكاظمي أن يتمايز وأن يُسجل إنجازاً يُبنى عليه. “الانجاز الأمني” الذي ألمح إليه في تصريحه نفسه، وكشف عنه في اليوم التالي حول اعتقال نائب زعيم تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) السابق أبو بكر البغدادي يأتي في السياق ذاته أيضاً.

فعل الرجل وسيفعل أقصى ما بوسعه لإثبات أنه “رجل المرحلة”، ولعل النتائج، ولا سيما تصدر الكتلة الصدرية وكتلة “حق” بقيادة محمد الحلبوسي، تجعل فرصته أكثر واقعية، خصوصاً وأن هاتين الكتلتين مع كتلة الحزب الديموقراطي الكردستاني (بزعامة مسعود بارزاني)، يمتلكون أقل من خمسين بالمائة من الأصوات النيابية، وهم يحتاجون إلى أصوات كتل صغيرة أو مرشحين مستقلين لحسم هوية الحكومة رئيساً وتشكيلة وحقائب، لكن العراق بلد مجبول بالمفاجآت والإنقلابات وبالتالي تبقى الأمور متروكة الآن للتحالفات في البرلمان الجديد، من دون إغفال حقيقة أن القوى المحسوبة على إيران تعوّل على بديل للكاظمي يلائمها ويتقدم صفوف هؤلاء رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي الذي تمكنت كتلته من تحقيق نتائج جيدة (المرتبة الثالثة)، فيما تراجع حجم كتلة الفتح (الحشد الشعبي) بشكل دراماتيكي (حصدوا فقط حوالي ثلث المقاعد التي حصلوا عليها عام 2018)، وهو ما يفسر الزيارة السريعة لقائد قوة القدس في الحرس الثوري الإيراني الجنرال اسماعيل قاآني إلى بغداد وعقده اجتماعات عاجلة مع مسؤولين عراقيين وعدد من الأطراف السياسية بغرض تنسيق المواقف بشأن مرحلة ما بعد إعلان نتائج الانتخابات البرلمانية المبكرة.

هل يتصرف قاآني كما كان يتصرف من قبله الجنرال قاسم سليماني؟

مجدداً، لا يمكن المقارنة بين الرجلين. هي مقارنة ظالمة إلى حد كبير. لا الكاريزما ولا الخبرة ولا المساحة هي ذاتها. الأكيد أن قاآني سيحاول استمالة عدد من الكتل والنواب المنفردين بما يصب في مصلحة التوجهات الإيرانية في الساحة العراقية في المرحلة المقبلة، بكل ما يمكن أن تحتمل من عناوين ولا سيما أولوية الإنسحاب الأميركي من العراق قبل نهاية السنة الحالية.

في هذا السياق، ثمة من يتوقع أن تحاول طهران إستمالة رئيس البرلمان محمد الحلبوسي الذي حلت كتلته (تقدم) في المرتبة الثانية بعد الكتلة الصدرية (سائرون)، علماً أن رئيس الوزراء السابق ورئيس ائتلاف دولة القانون نوري المالكي الذي نالت كتلته حصة وازنة من الأصوات وأتت في المرتبة الثالثة بعد كتلتي التيار الصدري والحلبوسي دعا قيادات شيعية إلى عقد اجتماع من المرجح أن تنضم إليه قيادات سنية للتباحث في ما أفرزته الانتخابات البرلمانية، من دون أن تشمل دعوته التيار الصدري.

وقد كانت التغريدة التي دونها السيد مقتدى الصدر، والتي تزامنت مع مجيء قآاني، لافتة للإنتباه في هذا الإطار، وقال فيها: “لا ينبغي التدخل بقرارات المفوضية أو تزايد الضغط عليها لا من الداخل ولا من بعض الدول الاقليمية والدولية، فالانتخابات شأن داخلي.. ليكن واضحا للجميع اننا نتابع بدقة كل التدخلات الداخلية غير القانونية وكذلك الخارجية التي تخدش هيبة العراق واستقلاليته”.

المستقلون إذا نجحوا في تشكيل ثقل في البرلمان الجديد يمكن أن يشكلوا بيضة القبان لمصلحة هذا أو ذاك من قوى الإستقطاب الكبرى، من دون إغفال دلالات نسبة المشاركة المنخفضة في التصويت التي إحتسبت انها 41% على أساس من سجلوا أسماءهم في لوائح الشطب بينما لا يتجاوز الرقم الفعلي حدود الـ 34% على اساس من يحق لهم الانتخاب

وإذا كان الاتفاق على حكومة عادل عبد المهدي قد استغرق 8 أشهر عقب انتخابات العام 2018، فإن الأمر اليوم لا يبدو سهلاً أيضاً. البيت الشيعي الذي بدأ بالتصدع منذ العام 2014، وتمظهر تصدعه اكثر بعد أربع سنوات (2018)، ثم برز اكثر في مرحلة ما بعد استقالة عبد المهدي (خريف 2019).. يبدو أنه سيتجلى في هذه المرحلة على شكل استقطاب حاد، قد ينذر بتصدعات جديدة ما لم يتم التوافق سريعاً على هوية رئيس الحكومة الجديد.

ويرى البعض أن الأمور لن تتدحرج إلى الأسوأ بقدر ما ستسرع التوافق على المرحلة القادمة التي سيتراجع فيها الدوران الأميركي والإيراني على حد سواء، بغض النظر عمن سيكون رئيسا للحكومة المقبلة، وهو ما قد يرتضي به الطرفان، طالما أن لا غلبة ـ إن جاز التعبير ـ لمحور على الآخر (أقله على صعيد بنية السلطة)، وأن المتعلقات الأخرى ستحكمها التفاصيل لاحقاً.

ما يحكم العراق اليوم هو نفسه ما حكمه بالأمس من توازنات داخلية وخارجية، مع تعديلات طفيفة، صعوداً ونزولاً فيما لم يبقَ من حراك تشرين سوى مناخ العزوف السياسي الذي كسره مستقلون تمكنوا من دخول البرلمان وتقدموا على أحزاب وكتل سياسية كان لها وزنها السياسي وثقلها الجماهيري حتى وقت قريب. هؤلاء المستقلون إذا نجحوا في تشكيل ثقل في البرلمان الجديد يمكن أن يشكلوا بيضة القبان لمصلحة هذا أو ذاك من قوى الإستقطاب الكبرى، من دون إغفال دلالات نسبة المشاركة المنخفضة في التصويت التي إحتسبت انها 41% على أساس من سجلوا أسماءهم في لوائح الشطب، بينما لا يتجاوز الرقم الفعلي حدود الـ 34% على اساس من يحق لهم الانتخاب.

إقرأ على موقع 180  من العراق إلى لبنان.. فرصة بين صقيع الأزمة وحرارة الدم 

Print Friendly, PDF & Email
ملاك عبدالله

صحافية لبنانية

Free Download WordPress Themes
Download Nulled WordPress Themes
Download Best WordPress Themes Free Download
Download Best WordPress Themes Free Download
online free course
إقرأ على موقع 180  أميركا 2021.. العودة إلى حاملة الطائرات (2/2)