ضرب إعصار “شاهين” شمال سلطنة عُمَان، وهو أول إعصار استوائي يصل إلى منطقة الخليج. وفي البصرة (جنوب العراق) انقطع التيار الكهربائي طيلة فصل الصيف، نتيجة الضغط الهائل على الشبكة سببه ارتفاع درجات الحرارة إلى 50 درجة مئوية، ما اضطر السكان لقضاء وقت طويل في قيادة سياراتهم للاستفادة من برودة مكيفاتها.
والكويت، التي سبق وحطمت الرقم القياسي لأكثر يوم حار على الإطلاق في العام 2016 عندما سجلت درجة الحرارة 53.6 درجة مئوية، عاشت هذا الصيف في لهيب مماثل ولمدة ولمدة 10 أيام متتالية.
في السعودية، شهدت مناطق جدة ومكة فيضانات مفاجئة، وارتفع متوسط درجات الحرارة في جميع أنحاء المملكة بنسبة 2٪، وسجلت درجات الحرارة القصوى ارتفاعاً نسبته 2.5٪ عما كانت عليه منذ الثمانينيات الماضية.
وفي قطر، الدولة التي لديها أعلى نسبة انبعاثات للفرد من الكربون في العالم وهي أكبر منتج للغاز السائل، صارت مكيفات الهواء حاجة ضرورية حتى في الهواء الطلق.
أما في إيران، فتلوث الهواء في طهران العاصمة يتسبب بوفاة 4000 شخص كل عام، بينما في مقاطعة خوزستان الجنوبية الغربية قام المواطنون بإغلاق الطرق وإحراق الإطارات احتجاجاً على الجفاف الناجم عن مسببات متداخلة، من سوء إدارة وارتفاع درجات الحرارة وتداعيات العقوبات الغربية المفروضة على البلاد.
إذا صحت التوقعات: قد لا تبقى مكة صالحة للسكن بحلول نهاية القرن.. مساحات شاسعة ستصبح مثل صحراء عفار الإثيوبي.. ومدن ساحلية خليجية ستغمرها المياه
وفي الإمارات، تشير التقديرات إلى أن أزمة المناخ تكلف الدولة أكثر من 8 مليارات دولار سنويا بسبب ارتفاع التكاليف الصحية. فملوحة مياه الخليج زادت بنسبة 20% نتيجة تكاثر محطات تحلية المياه، وهذا له تأثيرات سلبية جمَّة على الحياة البحرية والتنوع البيولوجي.
سيناريو كارثي
بالطبع، الأمر سيزداد سوءاً مع ارتفاع درجات الحرارة والرطوبة ومنسوب المياه. فمنطقة الشرق الأوسط تزداد سخونة بمعدل الضعف عن بقية مناطق العالم. وإذا ثبتت صحة التوقعات الأكثر خطورة، فإنه بحلول نهاية القرن الحالي، قد لا تبقى مكة صالحة للسكن، وسيكون الحج في موسم الصيف محفوفاً بالمخاطر، بل كارثياً. وسوف تتحول مساحات شاسعة من الشرق الأوسط إلى ما يشبه صحراء عفار الإثيوبي، وهي مساحة شاسعة خالية وغير صالحة للسكن. ولربما تجد المدن الساحلية الخليجية اللامعة نفسها؛ بحلول نهاية القرن؛ مغمورة بالمياه.
بالطبع، لم تحن لحظة نهاية العالم الآن، ولكنها نهاية متوقعة قريباً.
محلل أبحاث الطاقة في معهد “بيكر” التابع لجامعة “رايس” في هيوستن جيم كرين يرى أنها “قضية صعبة ومعقدة حقاً، لأن مصالح النُخب الحاكمة تتعارض مع مصالح مواطنيها. كل النُخب الحاكمة تعتمد على ريع النفط للحفاظ على أنظمتها. يتمسكون بتجارة النفط ليبقوا في السلطة. نظامهم يستند على استمرار الريع النفطي. ولكن في نهاية المطاف، مصالح المواطنين على المدى الطويل ضمانها مناخٌ ملائمٌ للعيش البشري”.
نهم الغرب على الوقود الأحفوري سمح للمنطقة ببناء مدن تتسبب بانبعاثات هائلة من الكربون.. والآن عليها أن تجد طريقة لتجنب تدميرها الذاتي
بدورها، تقول زينة خليل الحاج، مؤسسة “غرينبيس” في الشرق الأوسط، إن “المنطقة تقع تحت ضغط مزدوج. فمع تغير الطلب على الطاقة والتوجه نحو الطاقة البديلة، لا يمكن للمنطقة أن تستمر إذا بقي اقتصادها يعتمد بشكل أساسي على الوقود الأحفوري والنفط والكربون. لن يكون هناك سوق لنفطهم. ومع تغير المناخ، أصبح على دول المنطقة واجب إضافي للتحول نحو الطاقة البديلة- الخضراء من أجل بقائها. التغييرات الجوية القاسية تغير حياة الناس بشكل يومي. ولا يوجد خيار سوى التحول إلى نمط حياة بيئي سليم”.
الطلب النهم من قبل الغرب على الوقود الأحفوري سمح لهذه المنطقة ببناء مدن تعتمد على السيارات، ومليئة بناطحات السحاب والمراكز التجارية المكيفة، واللامعة بفضل مصابيح الإنارة المتوهجة. والآن عليها أن تجد طريقة لتجنب تدميرها الذاتي.
الطاقة البديلة.. الحل الوحيد
في الحقيقة، الكلام عن ضرورة البحث عن بديل للنفط في المنطقة بدأ قبل عقد من الزمن على أقل تقدير. ولطالما كان الخلاف والاعتراض على الفاصل الذي سيبلغ معه الطلب على النفط ذروته، بالإضافة إلى عدد لا يُحصى من الافتراضات حول كيفية تنظيم فترة ما بعد النفط؛ والتكنولوجيا المناسبة؛ وسلوك المستهلك. في الوقت نفسه، يُجمع الكثير من المتخصصين على أن الطلب على النفط سيبلغ ذروته عام 2040، بعده سيبدأ بالانخفاض.
لكن، وعلى النقيض، يشير تقرير الرابطة الدولية للطاقة عن التحالف العالمي من أجل صفر في المائة صافي انبعاثات الكربون Net Zero (*) بحلول العام 2050، إلى أن الطلب على النفط انخفض من 88 مليون برميل في اليوم عام 2020، إلى 72 مليون برميل في اليوم عام 2030، وسينخفض إلى 24 مليون برميل في اليوم عام 2050؛ أي أنتسبة الانخفاض بين 2020 و2050 ستكون أكثر من 75٪. ويجادل التقرير بأن الخليج لديه العناصر الثلاثة اللازمة للتحول إلى مصادر الطاقة المتجددة: رأس المال، الشمس الساطعة طوال أيام السنة ولساعات طويلة في النهار، ومساحات شاسعة من الأراضي الخالية.
وزير الطاقة السعودي: “إذا كان عليّ أن أهتم بتوقعات وكالة الطاقة الدولية، فسأتناول البروزاك طوال الوقت”
حتى وقت قريب، كانت هناك مؤشرات قليلة على أن الدول البترولية، بما في ذلك إيران، شعرت بالحاجة إلى التخلص من الوقود الأحفوري.
عندما طُلب من وزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان التعليق على تقرير وكالة الطاقة الدولية، بما في ذلك دعوته لوقف الاستثمارات النفطية الجديدة، وصف التقرير بأنه تكملة لـ LaLa Land. وقال أمام منتدى عام على هامش أعمال مؤتمر الطاقة العالمي الرابع والعشرين في عام 2019: “إذا كان عليّ أن أهتم بتوقعات وكالة الطاقة الدولية، فمن المحتمل أن أكون الآن أتناول البروزاك (مهدئات) طوال الوقت”.
بدوره، قال وزير الطاقة القطري، سعد الكعبي، إن قطع إنتاج النفط والغاز من شأنه أن يتسبب في حدوث ضائقة في الإمدادات، وسخر من “النشوة بشأن تحول الطاقة”. تشير توقعات “أوبك” نفسها إلى أن الطلب على النفط سيرتفع بالأرقام المطلقة حتى عام 2045، وأن حصة النفط في الطلب العالمي على الطاقة ستنخفض من 30٪ إلى 28٪ فقط.
وبالنظر إلى أزمة الطاقة الحالية، وأسعار النفط المتصاعدة والطلب المتوقع على النفط هذا العام، فإن حالة التحول السريع نحو الطاقة المتجددة أصعب مما كانت عليه قبل عام.
لا تزال دول الخليج تعتمد وبشكل كبير على صادرات النفط والغاز، والتي تشكل اليوم أكثر من 70٪ من إجمالي صادرات السلع في الكويت وقطر والسعودية وعُمَان. واعتمد كذلك على عائدات النفط التي تتجاوز 70٪ من إجمالي الإيرادات الحكومية في الكويت وقطر وعُمَان والبحرين. في رؤية 2030، التي نُشرت في عام 2016، وعد ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، بتحويل البلاد إلى قوة صناعية متنوعة. الحقيقة بعيدة جداً عن الواقع. وبحسب البنك الدولي فان السعودية لا تزال تعتمد بنسبة 75٪ على صادرات النفط في ميزانيتها.
“أرامكو”، الشركة السعودية ذات البصمة الكربونية الأكبر في العالم، لا تحاول التنويع بمعدل إنتاج “شل Shell” أو “بي. بي BP”. في الواقع، أعلنت للتو عن استثمار لزيادة طاقة النفط الخام من 12 مليون برميل يومياً إلى 13 مليون برميل يومياً بحلول العام 2027.
تُعد إيران الآن سابع أكبر مصدر لانبعاث الكربون للفرد، والإمارات في المرتبة الثانية والسعودية في المرتبة 13.
بالطبع، يمكن لحُكام الخليج في مناسبات مثل Cop26 الرد على بعض الانتقادات بالقول إن منطقة الخليج نفسها ليست واحدة من أكبر بواعث الانبعاثات، سواء الآن أو تاريخياً. المنطقة مسؤولة عن 4.7٪ فقط من انبعاثات الكربون على مستوى العالم، وهي نسبة ضئيلة مقارنة بالتلوث الذي تتسبب به كل من أوروبا وأميركا والصين. النفط الذي يصدره الشرق الأوسط يتم تسجيله مقابل انبعاثات الكربون من المستخدمين، وليس المنتجين.
ومع ذلك، يبدو أن قادة المنطقة بدأوا يستجيبون للضغط ليس فقط من الغرب، ولكن أيضاً من شعوبهم كذلك. يبدو أنهم استدركوا أن “البيض الذهبي”- النفط – بدأ يتحول إلى اللون البني. يقول فرانك ووترز، مدير شبكة الطاقة النظيفة بين الاتحاد الأوروبي ودول مجلس التعاون الخليجي، إنه على الرغم من أن الوعظ بشأن “الصفقة الخضراء” قبل عام لم يكن مجزياً تماماً، “لكنني شعرت أن الأمر يشبه إلى حد ما الذهاب إلى محل الجزارة وإخبار البائع بأنك تريد أن تصبح نباتيا.. المواقف تتغير”.
القمة “الخدعة”
كانت الإمارات، أول من تحرك في الخليج. كانت أول دولة في المنطقة تصادق على اتفاقية باريس؛ وهي الآن الأقل اعتماداً على النفط في الإيرادات الحكومية. في الأسبوع الماضي، أعلنت دبي عن “مبادرة صفر في المائة صافي انبعاثات الكربون Net Zero بحلول عام 2050″، والتي ستبدأ باستثمارات تبلغ قيمتها 163 مليار دولار، ووزيرة جديدة لشؤون تغير المناخ والبيئة، مريم المهيري. جاء هذا الإعلان بعد 80 يوماً من البحث والنقاش داخل كل دائرة حكومية تقريباً.
ما زالت الخطة في مهدها، وبعضها غير واضح المعالم، ولكن الاتجاه واضح. وقد وعدت دبي بالاعتماد بنسبة 50٪ على مصادر الطاقة المتجددة والطاقة النووية لتوليد الكهرباء بحلول عام 2050. وقالت شركة “بترول أبوظبي الوطنية” إنها ستصدر 100٪ من طاقتها الشبكية من الطاقة النووية والشمسية. من المتوقع أن يكون مجمع محمد بن راشد آل مكتوم للطاقة الشمسية أكبر مجمع للطاقة الشمسية في موقع واحد منخفض التكلفة في العالم، بطاقة إنتاجية مخطط لها أن تصل إلى 5000 ميغاوات.
تتمتع دول الخليج بقدرة تنافسية شديدة، لذا بدأت موجة من الأخبار بالظهور. قطر عينت وزيراً للمناخ. والبحرين بصدد إتباع مبادرة صفر انبعاثات Net Zero بحلول عام 2050؛ والكويت لديها خطة جديدة للانبعاثات.
كانت السعودية، التي نادراً ما تحب أن تتفوق عليها الإمارات، أعلنت بالفعل إنها ستزيد حصتها من مصادر الطاقة المتجددة في توليد الكهرباء من 0.3٪ إلى 50٪ بحلول العام 2030، فضلاً عن زرع 10 مليارات شجرة في العقود المقبلة. في نهاية الأسبوع الماضي، نظمت أكبر شركة منتجة للنفط في العالم قمة غير مسبوقة للمبادرة الخضراء في الشرق الأوسط في الرياض، وهو الحدث الذي جذب حملة إشادات وتأييد واسعة. لقد وعدت الرياض بأنها ستحقق “الحياد الكربوني (صفر في المائة صافي انبعاثات الكربون) داخل حدودها بحلول العام 2060. وقالت أيضاً إنها ستخفض انبعاثات الكربون بمقدار 278 مليون طن سنوياً بحلول العام 2030، أي أكثر من ضعف هدفها السابق.
يقول كبار المسؤولين السعوديين إنهم كانوا خبراء في القمم والمواقع الإلكترونية والرؤى، لكن المصداقية الحقيقية تنبع من تحويل مفاهيم العلاقات العامة مثل تفعيل فكرة اقتصاد الكربون القابل للتدوير. لكن، كثيرين في الغرب متشككون. الوقود الأحفوري الذي يتم شحنه إلى الخارج ليس مدرجاً في الدفاتر السعودية، وذلك بسبب قواعد المحاسبة للأمم المتحدة، ويعتمد التخفيض الداخلي الموعود في الانبعاثات على رهان كبير على أن تكنولوجيا احتجاز الكربون والهيدروجين الأزرق غير المثبتة ستنجح. وقد أشارت “غرينبيس” الشرق الأوسط إلى أن القمة كانت “خدعة” لإرضاء الولايات المتحدة، حيث تضمنت خطة السعوديين زيادة إنتاج النفط. ويقول آخرون إن الرياض شعرت على الأقل بالحاجة إلى الانضمام إلى الجدل المناخي بدلاً من المماطلة فيه.
أحد الأسباب التي جعلت ممالك الخليج قادرة على أن تكون بطيئة للغاية في فطام نفسها عن السلعة التي جعلتها غنية هو أن الثروة النفطية قد أُستخدمت لتخدير الرأي العام. لقد تم شراء المواطنين من خلال سياسات إغراء مثل إلغاء الضرائب، ودعم استهلاك المياه والبنزين والطاقة. الديناميكية مختلفة في دول مثل لبنان والعراق وبدرجة أقل في إيران.
-النص مترجم عن “الغارديان”
(*) هناك إجماع علمي دولي على أنه من أجل منع أسوأ الأضرار المناخية، يجب أن تنخفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون العالمية التي يسببها الإنسان بنحو 45% من مستويات عام 2010 بحلول العام 2030، لتصل إلى صافي الصفر في حوالي العام 2050. غير ذلك فان كوكب الأرض سيحافظ على ارتفاع درجة حرارته طالما بقيت الانبعاثات العالمية أعلى من الصفر. وهذا يعني أن الأضرار المناخية، الناجمة عن الاحتباس الحراري، ستستمر في التصاعد طالما استمرت الانبعاثات.