أميركا تواجه “لحظة السويس” في تايوان!

في كتابه "صعود وسقوط القوى العظمى"، يجزم المؤرخ بول كينيدي بوجود فترة تأخير ملحوظة بين مسار القوة الاقتصادية النسبية للدولة وبين مسار نفوذها العسكري/ الإقليمي. لكن الصين بعيدة جداً عن هذه النظرية، فقد استطاعت؛ وخلال فترة زمنية قياسية؛ تحديث قوة مسلحة تُعتبر الأكبر في العالم، بينما كانت تُراكم عقوداً من النمو الاقتصادي المُستدام، كما يشرح هذا التقرير(*) لريتشارد جافاد هيداريان.

إذا كان هناك أي شيء واضح وثابت يمكن قوله، فهو أن بكين تعمل على تعزيز قدراتها العسكرية الحديثة والتقليدية بنجاح وفي آنٍ واحد.

فعلى مدى العقود الثلاثة الماضية، استطاع جيش التحرير الشعبي (PLA)، الذي يبلغ قوامه مليون عنصر، تطوير أسطوله من الجيل الخامس من الطائرات المقاتلة وحاملات الطائرات والغواصات النووية، مع تعزيز قدراته الإستطلاعية وإمكانياته في استخدام (وتوظيف) أجهزة الاتصالات والكمبيوتر والمراقبة الاستخباراتية، أو  C4ISR.

تفتخر الصين بالفعل بإمتلاكها أكبر أسطول بحري في العالم، فلديها سفن عملاقة خاصة بخفر السواحل تتقزم أمامها السفن الحربية في الدول المجاورة. وهي تعمل أيضاً على توسيع نطاق تواجدها العسكري والتجاري عبر سلسلة من القواعد الإستراتيجية والموانئ في المحيطين الهندي والهادئ.

في الوقت نفسه، تعمل الصين أيضاً بوتيرة متسارعة على تعزيز قدراتها الدفاعية لمنع أي جهة من الوصول إلى المنطقة (A2 / AD)- وتحديداً الصواريخ الباليستية المضادة للسفن (ASBMS) مثل منصات DF-21D  وDF-26، التي تسمح للقوة الآسيوية بحسن استغلال قربها الجغرافي من مسارح الصراعات المحتملة في آسيا.

إبحث عن تايوان دائماً

لقد أدى تطوير الصين لصواريخ تفوق سرعتها سرعة الصوت إلى زيادة تعزيز الحافة الحادة لقدراتها العسكرية والنووية.

تستخدم الصين استراتيجية “الفوز بدون قتال” للاستيلاء على الجزيرة، وهو غزو يمكن أن يبشر بنهاية إمبراطورية أميركا إن نجح

ولإصرار الصين على تعزيز قدراتها العسكرية بالسرعة الملحوظة صلة وثيقة بملف تايوان، وهي جزيرة تتمتع بالحكم الذاتي وتعتبرها بكين مقاطعة مُنشقة.

الهدف الرئيسي للصين هو كسب أي حرب من دون الإضطرار لخوض أي معركة، وجعل أي تدخل مُضاد مُحتمل من قبل الولايات المتحدة نيابة عن تايوان مكلفاً للغاية. وعلى حد تعبير أحد المطلعين العسكريين الصينيين، فإن “الهدف النهائي.. ليس اتخاذ إجراء ولكن [بدلاً من ذلك] ردع أي محاولة لأي قوة أجنبية قد تفكر في التدخل في قضية تايوان”.

المؤرخ الكبير نيال فيرجسون ونائب مستشار الأمن القومي السابق ماثيو بوتينجر حذرا من أن الولايات المتحدة إذا فشلت في ردع أي غزو صيني واسع النطاق محتمل في المستقبل القريب، فإنها قد تواجه “لحظة السويس” في تايوان، في إشارة إلى أزمة قناة السويس عام 1956 وكيف مثلت نهاية وضع كل من بريطانيا العظمى وفرنسا كإمبراطوريتين وكدولتين من القوى العُظمى في العالم.

يُعتبر العنصر العسكري مهماً بشكل خاص في سياق التوترات القائمة عبر المضيق. فقد أثبتت التدخلات البحرية الأميركية؛ وبشكل مُتكرر منذ نهاية الحرب العالمية الثانية؛ فعَّالية حاسمة في الحفاظ على استقلال تايوان بحكم الأمر الواقع.

أما بالنسبة لبكين، فإن الجزيرة المُتمتعة بالحكم الذاتي هي تذكير مستمر ومُذل بأسبقية الولايات المتحدة، وبالتالي بضعفها النسبي في فنائها الخلفي”.

إرث “شي”.. و”إعادة الدمج”

لقد كان تسليم هونغ كونغ من بريطانيا وماكاو من البرتغال في القرن العشرين يعني أن تايوان ظَّلت بمثابة التذكير الأخير والأقوى بـ”قرن الإذلال” الذي اعترفت به الصين.

ثمة مخاوف متزايدة من أن الرئيس الصيني شي جين بينغ، الذي راهن على إرثه مقابل تحقيق وعده “تجديد شباب الأمة الصينية العظيمة”، لن يتردد في “إعادة لم شمل” تايوان بالقوة وجعلها مرة أخرى تحت حكم البر الصيني الرئيسي.

ففي تشرين الأول/أكتوبر 2019، حرص عدد من كبار الخبراء الصينيين على إعلام نظرائهم الأميركيين بأن الرئيس شي “مصمم” على إعادة دمج الجزيرة التي تتمتع بالحكم الذاتي، نهاية فترة ولايته، حتى لو لزم الأمر إستخدام القوة.

وعلى الرغم من أنه ليس من الواضح بعد إلى متى سيبقى “شي” في السلطة، بعدما عدّل الدستور وألغى قانون الفترتين الرئاسيتين كحد أقصى للرئاسة مما يسمح له فعلياً بالبقاء في السلطة مدى الحياة، حذَّر وزير الدفاع التايواني تشيو كو تشينج من أن “غزواً كاملاً مُحتملاً” للجزيرة قد يكون مسألة سنوات.

 قدرة أميركا على الدفاع عن حلفائها وشركائها ومصالحها موضع شك متزايد.. وقد تخسر الحرب أمام الصين أو روسيا

في هذا الاتجاه، كان تحديث القوات المسلحة الصينية على رأس أولويات الرئيس شي. والواقع، أن التقدير الأكثر دقة لما تنفقه الصين على الدفاع، يضع الإنفاق الدفاعي الفعلي للقوة الآسيوية عند أكثر من 500 مليار دولار سنوياً، وهو ما لا يتجاوز الولايات المتحدة ولكن ليس بعيداً عنها في الوقت نفسه.

وبرغم أن الولايات المتحدة لا تزال تتمتع بمزايا نوعية كبيرة على الصين، فإن الأخيرة تعمل على سد هذه الفجوة بسرعة. وتقدر دراسة موثوقة أجرتها مؤسسة RAND، أنه في حالة حدوث صراع مباشر “فإن كلا الطرفين سيتكبدان خسائر عسكرية كبيرة”، لكن بحلول العام 2025، “يمكن أن تتراوح الخسائر الأميركية من كبيرة إلى ضخمة جداً..”.

في الوقت نفسه، حذّرت دراسة أجرتها لجنة استراتيجية الدفاع الوطني الأميركي، لصالح الحزبين (الجمهوري والديموقراطي)، من أن “قدرة الولايات المتحدة على الدفاع عن حلفائها وشركائها ومصالحها الحيوية الخاصة بها هي موضع شك متزايد.. حتى أن واشنطن قد تضطر لأن تكافح من أجل الفوز. وربما تخسر حرباً تخوضها ضد الصين أو روسيا”.

وذهب كبار الخبراء الأميركيين إلى حد وصف الصين بأنها “نظير” للولايات المتحدة في المحيطين الهندي والهادئ، حيث ترابض “60٪ من البحرية الأميركية بوجه نظيراتها من القوات البحرية والجوية – في الجانب الصيني”.

وفي تقرير أعده عن القوة العسكرية للصين؛ وهو الأكثر تفصيلاً حتى الآن؛ حذر البنتاغون مؤخراً من خطورة توسع الصين في “منصات إيصال الأسلحة النووية البرية والبحرية والجوية”، والتي يمكن أن “توفر لبكين خيارات عسكرية أكثر مصداقية في حالة إعلان الطوارئ في تايوان”.

إقرأ على موقع 180  "واشنطن بوست": كابول ليست سايغون 75.. إنها بيروت 83!

كما حذر مسؤول سابق رفيع المستوى في البنتاغون من أن الصين تأمل في استخدام “استراتيجية الفوز دون قتال، بحيث تجعل الجميع يعتقدون أنهم يتسلقون سلم التصعيد على طول الطريق إلى الأسلحة النووية إذا كان عليهم ذلك”.

“نفق رياح” صيني جديد!

ومن المجالات الرئيسية التي تثير قلق الولايات المتحدة، سباق الصين إلى إتقان قدراتها الصاروخية التي تفوق سرعتها سرعة الصوت، والتي يمكنها؛ في حالة نشوب أي صراع؛ أن تخترق أنظمة الدفاع الصاروخي الحالية للولايات المتحدة، فضلاً عن شلّ عمل أنظمة الاتصالات الشاملة.

على مدى السنوات الخمس الماضية، أفادت تقارير أن الصين أجرت مئات الاختبارات على صواريخ خارقة لسرعة الصوت بينما أجرت الولايات المتحدة تسعة اختبارات فقط، كما يقول جون هايتن، الجنرال في القوات الجوية الأميركية، ونائب سابق لرئيس هيئة الأركان المشتركة.

بحسب كل المؤشرات، فإن الصين تُضاعف جهودها من أجل تطوير هذه الصواريخ لتكون مناسبة للمناورات ولا تكشفها الرادارات، ويمكن نشرها مع القوات النووية التقليدية وكذلك مع أنظمة الصواريخ البالستية والتقليدية.

ومن المقرر أن يعلن معهد AVIC لبحوث الديناميكا الهوائية الصيني، المدعوم من الدولة، قريباً عن إطلاق “نفق رياح” جديد بهدف محدد هو إجراء سلسلة اختبارات عن “فصل وإطلاق” قذائف مثبتة على مركبات تفوق سرعتها سرعة الصوت، مما “سيعزز أعمال البحث والتطوير ذات الصلة”.

و”نفق الرياح الجديد”؛ قيد الإنشاء؛ مُصمم لمحاكاة شروط ثمانية أضعاف سرعة الصوت، وستكون مساحته أكبر بمرتين من منشأته الحالية.

وفقاً للبنتاغون، فإن آخر اختبار للصين على الصواريخ الأسرع من الصوت، في آب/أغسطس 2021، أظهر قدرة هذه الصواريخ على اختراق الكثير من أنظمة الدفاع الصاروخي الأميركية الحالية.

إستراتيجية الردع النظيف

القوة الآسيوية، التي من المتوقع أن تُضاعف مخزونها من الرؤوس الحربية النووية خلال العقد المقبل، تمتلك بالفعل مئات الصواريخ الباليستية ذات القدرات النووية التي يمكنها السفر بشكل أسرع من المركبات الإنزلاقية التي تفوق سرعتها سرعة الصوت.

من خلال إتقان تكنولوجيا الصواريخ الباليستية، تنشر الصين الآن مجموعتها الواسعة من الصواريخ المتوسطة المدى، بما في ذلك أحدث طراز DF-16 والمزيد من DF-21C بعيد المدى، عبر سواحلها الشرقية، وبالتالي كل اليابان وأجزاء كبيرة من غرب المحيط الهادئ باتت ضمن نطاقها.

كما ورد أن الصين قد بنت نماذج بالحجم الطبيعي لطائرات مقاتلة أميركية من الجيل الخامس من طراز F-35، والتي تم وضعها في ميدان الرماية “كورلا” التابع لقوة الصواريخ التابعة لجيش التحرير الشعبي الصيني في شينغيانغ. في السابق، اشتملت تجارب محاكاة إطلاق النار على مقاتلات أميركية أقل تقدماً من طراز F-15 Eagle، مما يؤكد ثقة الصين المتزايدة في مواجهة المعدات العسكرية الأكثر تقدماً لمنافسيها.

يعتقد الخبراء أن الغرض من كل هذه التدريبات وعمليات الانتشار الجديدة هو ردع أي تدخل محتمل – أميركي ياباني مشترك – في حال قررت الصين غزو تايوان.

وقال مصدر عسكري صيني مطلع لصحيفة South China Morning Post “إنه تدريب على استهداف القواعد الجوية والطائرات على المدارج من خلال إطلاق الذخائر العنقودية، والتي ستدمر كليهما”.

وأضاف أن “الهدف النهائي من التدريبات ليس اتخاذ إجراءات بل ردع أي محاولة تدخل في تايوان من قبل أي قوى أجنبية”، مشدداً على مركزية أزمة تايوان في التخطيط العسكري الصيني.

واستجابة لقدرات الصين السريعة في التطور، من المقرر أن تقوم إدارة بايدن بتحديث سياسة الدفاع الصاروخي للبلاد في أوائل عام 2022 كجزء من سياسة الدفاع الوطني الجديدة الأوسع نطاقاً.

في غضون ذلك، أعلن البنتاغون أن وكالته للدفاع الصاروخي لديها ضوء أخضر لبناء عقود مع كبار منتجي الأسلحة، مثل Raytheon Technologies Corp وLockheed Martin Corp وNorthrop Grumman Corp، من أجل تطوير نماذج أولية للدفاع الصاروخي ضد المركبات الإنزلاقية التي تفوق سرعتها سرعة الصوت.

وكجزء من إستراتيجيتها “للردع المتكامل”، من المرجح أيضاً أن تدرس إدارة بايدن توسيع أنظمة الدفاع الصاروخي بالتنسيق مع حلفائها في المحيطين الهندي والهادئ.

وكان وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكين قد حذر الصين، في أوائل تشرين الثاني/نوفمبر، من أن واشنطن وحلفائها سيتخذون “إجراءات” موحدة إن استخدمت بكين القوة ضد تايوان.

وفي وقت سابق من هذا العام، حذر وزير الدفاع البريطاني، بن والاس، خلال زيارة إلى بروكسل لعقد اجتماع مع حلفاء “الناتو”، الصين من “زعزعة استقرار المنطقة” و”إثارة المزيد من الصراع في مناطق أخرى متنازع عليها”. وقال والاس: “يجب حل الخلاف بين البر الرئيسي للصين وتايوان بالطرق السلمية”، محذراً بكين من إتخاذ إجراءات عدوانية.

في غضون ذلك، حاول وزير الدفاع الاسترالي بيتر داتون طمأنة تايوان بالقول إنه “من غير المعقول” أن تجلس بلاده على الهامش في حالة نشوب صراع. وصرح داتون لوسائل الإعلام الأسترالية وسط تعاون دفاعي متعمق بين حلفاء AUKUS (أستراليا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة): “سيكون من غير المعقول ألا ندعم الولايات المتحدة في أي إجراء تختاره”.

(*) النص الكامل بالإنكليزية على موقع “آسيا تايمز

Print Friendly, PDF & Email
Download Nulled WordPress Themes
Download Best WordPress Themes Free Download
Download WordPress Themes
Download Premium WordPress Themes Free
free online course
إقرأ على موقع 180  سردية متغيرة للنظام العالمي.. باتجاهات مختلفة!