أُكلت يوم أُكل الثور الأبيض

تتجاوز المسألة إسم وزير أو قوله. هو سؤال لبنان وأصل وجوده. هو أمر برسم فرنسا التي تتشدق بحرية التعبير وحقوق الإنسان، ولكنها تُقرر فجأة أن تستجيب لطلب خليجي (سعودي تحديداً) بإقالة وزير ماروني.. فقط لأنه قال ما قاله عن حرب اليمن، أي ما تقوله فرنسا وعواصم غربية عديدة.

بالأمس القريب تمت التضحية بوزير الإعلام اللبناني جورج قرداحي. لماذا؟ إرضاءً لشقيق خليجي تأذى كثيراً، لا بل انجرح خاطره الغالي، من كلمة حق قيلت، ورأي صرح به صاحبه، ولم يُلزم أحداً به، “الحرب على اليمن عبثية”.. لا تجريح ولا اهانة ولا مس بالذات الملكية أو الأميرية. مجرد رأي قيل من إبن بلد يعتبر نفسه متميزاً بحرية الكلمة والرأي.. بلد لا يقمع الحريات، ولا يصادر الآراء. هذا هو رصيده برغم تداعي السياسة والإقتصاد والإجتماع فيه.

وفي اليوم التالي، ماذا؟ وزير الداخلية أو بالأحرى “وزير السيادة”، يطالب بترحيل أعضاء في “جمعية الوفاق البحريني”. لماذا أيضاً؟ لأنهم عقدوا مؤتمراً صحفياً في بيروت عرضوا من خلاله ما تكابده شريحة بحرانية من تنكيل وتعسف وظلم واعتقالات، تخالف كل القوانين الدولية، التي تتغنى بحقوق الإنسان، وتحمي حقه بحرية التعبير والمعارضة السلمية.

المؤتمر الصحفي الذي عقدته “جمعية الوفاق” يشبه الكثير من المؤتمرات التي عقدت في الماضي، لجمعيات وأحزاب شتى، معارضة وموالية. فما الذي تغير الآن؟ إنه الخوف والخشية من غضب البحرين، هذه المرة.. ولقد صُرّح بذلك علانية.

إذا قررنا أن نخاف من هذه الدولة، وأن نخشى تلك المملكة، وأن نحسب ألف حساب لغضب هذا الأمير، أو ذاك الزعيم.. ماذا بقي من هويتنا، ومن سيادتنا ومن حريتنا؟

ألا ترون بأن حاجتنا للشرق والغرب، وللقريب والبعيد، وخوفنا الدائم والمستمر، افقدنا كل ما كنا نفاخر به من حرية واستقلالية وسيادة وصحافة حرة وإعلام مستقل؟ بتنا نُمارس القمع بحق كل صاحب رأي مختلف، فأين أصبحت الديمقراطية اللبنانية المشتهاة؟ وإذا قررنا أن نخاف من هذه الدولة، وأن نخشى تلك المملكة، وأن نحسب ألف حساب لغضب هذا الأمير، أو ذاك الزعيم.. ماذا بقي من هويتنا، ومن سيادتنا ومن حريتنا؟

غداً ربما سيطالبنا الأشقاء، وهم حتماً يفعلون، باعتقالات وإقفال صحف ومصادرة أقلام وآراء.. وقطع علاقات، والتصدي لأحزاب ومكونات لبنانية مائة بالمائة، غير آبهين بعواقب الأمور، وبما قد تودي به هذه التدخلات، من انقسامات واضطربات داخل المجتمع اللبناني وصولاً إلى تغيير هوية بلدنا.

بعد غدٍ.. قد نُطالب بالتنازل عن ثوابتنا.. ماذا لو عقدنا بعض الاتفاقيات؟ اتفاقية “سلام” أو “صداقة” مثلاً، وقمنا باستقبال بعض الوفود “السياحية”، والشخصيات “الاقتصادية”، من “جارة” الأمر الواقع، كما فعل غيرنا من عرب المحيط والخليج.. وورقة الضغط موجودة وجاهزة للتلويح بها في أي قت.. العزلة عن محيطنا، واقتصادنا المنهار، وأهلنا في دول الجوار.

من البديهي ألا يؤيد أحدنا أي محاولة للمساس بالمعتقدات والقيم والمبادئ والثوابت الدينية والوطنية، للدول الشقيقة والصديقة.. ولكن بالمقابل لنا الحرية بالتعبير عن آرائنا في السياسات والممارسات والتدخلات لهذه الدول، سواءً مع أو ضد، دون ابتذال أو اهانات، وبالتالي دون أن نتعرض للقمع والتشهير والمحاسبة، عند كل تصريح أو قول صريح.

حتى لا ينطبق علينا قول الشاعر: “من يهن مرة يسهل الهوان عليه.. ما لجرح بميت إيلام”.

Print Friendly, PDF & Email
إقرأ على موقع 180  الرئيس القوي
Download WordPress Themes
Download WordPress Themes
Download WordPress Themes Free
Download WordPress Themes Free
free download udemy course
إقرأ على موقع 180  هل رمْت القمّة العربية الإسلامية طوق النجاة لـ"إسرائيل"؟