يقول رونين بيرغمان “إن الادارة السياسية العليا في “إسرائيل” لم تكن متوافقة على قرار من نوع ضرب المفاعل النووي العراقي، بوصفه “عملاً حربياً” لا يحتمل الغموض والإلتباس. قال بعض قادة اجهزة الاستخبارات إن عملاً حربياً من هذا النوع يمكن ان يثير تبعات عالمية لا تحمد عقباها وان المفاعل يحتاج الى سنوات لينتج وقوداً كافياً لانتاج قنبلة نووية، ومن شأن تدميره أن يدفع صدام حسين لبناء بديل سيكون من الصعب على الاستخبارات جمع معلومات عنه. وقد خلق هذا النقاش توترات الى درجة ان رئيس الوزراء مناحيم بيغن توقف عن دعوة رئيس لجنة الطاقة الذرية “الإسرائيلية” يوزي ايلام الى الاجتماع به لان الاخير كان يعارض الضربة الجوية، وكان احد مساعدي ايلام البروفسور يوزي ايفين يخشى ان يؤدي تدمير المفاعل العراقي الى الانتقال الى بناء مفاعل اخر سري للغاية إلى درجة انه سيصعب على الاستخبارات “الاسرائيلية” ان تضعه تحت المراقبة، فما كان منه إلا أن سرّب المعلومات عن الضربة المرتقبة الى زعيم المعارضة شمعون بيريز الذي بدوره كتب رسالة الى بيغن بخط يده يحذره من انه اذا قامت “اسرائيل” بتوجيه هذه الضربة ستصاب بعزلة دولية خانقة.
يضيف بيرغمان، “لكن بيغن (زعيم حزب الليكود اليميني) ومعه ارييل شارون، الذي كان قد اصبح وزيرا للدفاع، ورافاييل ايتان رئيس اركان الجيش “الاسرائيلي” (كلاهما من حزب الليكود) رفضوا اي نقاش في الموضوع مستندين الى رأي كبار قادة الاستخبارات بوجوب مهاجمة المفاعل النووي العراقي باسرع ما يمكن قبل تفعيله وذلك لان تدميره بعد ان يبدأ بالعمل من شأنه ان يتسبب بكارثة انسانية كبيرة بسبب تسرب الاشعاعات النووية التي ستنجم عن التدمير. التأمت مجموعة عمل “الحقبة الجديدة” (التي انشئت سابقا لمتابعة موضوع التعامل مع المفاعل النووي العراقي) حيث اكد العالم الفيزيائي العقيد الدكتور رافائيل اوفيك خلال اجتماع هذه المجموعة إنه من اجل التدمير الكامل للمفاعل لا بد من تحقيق هدف واضح وهو “رمي كمية من القنابل والمتفجرات كافية لتدمير البركة الداخلية التي يجري فيها تبريد قضبان اليورانيوم”.
فوجىء العراقيون بالهجوم الى درجة انه لم يطلق اي صاروخ ضد الطائرات المهاجمة وكل ما واجهته تلك الطائرات كان بضعة رمايات عشوائية لرشاشات مضادة للطائرات خلال رحلة عودتها من الهجوم بسلام الى قواعدها
ويروي بيرغمان عملية تدمير المفاعل على الشكل الآتي: “في السابع من يونيو/حزيران عام 1981، إنطلقت ثماني مقاتلات حربية من طراز اف 16 من قاعدة عتصيون في شبه حزيرة سيناء لمهاجمة مفاعل “اوزيراك” العراقي، ورافقت هذه المقاتلات ست مقاتلات من طراز اف 15 لتأمين التغطية الجوية اللازمة للمقاتلات المهاجمة وللتعامل مع طائرات الميغ العراقية التي يمكن ان تتصدى للمقاتلات “الاسرائيلية” المهاجمة وتم تجهيز هذه الطائرات بأجهزة تشويش الكترونية متطورة لتعطيل اجهزة الرادار وشبكات الصواريخ المضادة للطائرات على الارض العراقية، وتم ايضا نشر ستين مقاتلة اخرى لدعم العملية، كانت مهمة بعض هذه الطائرات هي مواصلة التحليق في الجو بشكل دائري فيما البعض الاخر منها بقي على الارض على اهبة الاستعداد. ومن ضمن الطائرات في الجو كانت هناك طائرات من طراز بوينغ تم تحويلها لتزود المقاتلات بالوقود في الجو واخرى لتكون مقرات قيادة وسيطرة وتحكم واتصالات، كما تم نشر طائرات “هوكي” لتزويد القوى المهاجمة بالمعلومات الاستخبارية اللازمة خلال العملية وطائرات هليكوبتر لتنفيذ عملية انقاذ للطيارين في حال تم اسقاط اية مقاتلة”.
واضاف بيرغمان، “كان خط سير العملية يمتد بطول ستمائة ميل (966 كيلومتراً) وهو يعبر من منطقة شمال المملكة العربية السعودية وجنوب الاردن، لذلك فقد حلّق الطيارون على ارتفاعات منخفضة للغاية هي اقل من مائة متر احيانا من اجل تفادي الرادارات الاردنية والسعودية والعراقية (من الناحية العسكرية يصعب ان يمر هذا العدد الكبير من الطائرات الحربية ولهذه المسافة الطويلة فوق اراضي ثلاث دول من دون ان يكشف بمعزل عن تعطيل الرادارات مما يضع علامة استفهام حيال دور الدول التي مرت فيها الأسراب “الاسرائيلية”). وصلت المقاتلات الحربية الى هدفها بحلول المغيب وفي الساعة الخامسة والنصف من بعد الظهر ارتفعت ثماني طائرات من طراز اف 16 الى علو الف قدم (3281 متراً) وقامت بمناورة دائرية قبل ان ترمي قنابلها على الهدف بزاوية 35 درجة، طائرة تلو أخرى كانت تلقي قنبلتين تزن الواحدة منهما طنا من المتفجرات على قبة المفاعل النووي. نصف القنابل التي القيت كانت من النوع الذي ينفجر بالصدمة والنصف الاخر يخترق البناء الخرساني ومن ثم ينفجر. سبعة من الطيارين الثمانية اصابوا الهدف واثنتا عشرة قنبلة من الست عشرة التي القيت اخترقت قبة المفاعل. قتل في الهجوم عشرة عراقيين وفني فرنسي”.
فوجىء العراقيون بالهجوم الى درجة انه لم يطلق اي صاروخ ضد الطائرات المهاجمة وكل ما واجهته تلك الطائرات كان بضعة رمايات عشوائية لرشاشات مضادة للطائرات خلال رحلة عودتها من الهجوم بسلام الى قواعدها. ومع انتصاف الليل كانت تتم عملية تحليل للمشاهد المتلفزة التي جمعها سلاح الجو عن الهجوم والتي وثّقت الاضرار الجسيمة التي لحقت بالمفاعل. وفي الساعة الثالثة فجراً، اعترض فريق “ابوكاليبس” التابع للوحدة 8200 المتخصصة بالتنصت مكالمة هاتفية لاحد مهندسي المشروع يصف فيها عملية التحقق من الدمار وسط الظلام الدامس، وكان المهندس يبحث عن البركة، وهي الجزء الاكثر اهمية في المشروع وبمساعدة الكاشفات الضوئية وجد “قطع من الخرسانة المحطمة غارقة بالمياه”، وهذه كانت عبارة عن اجزاء من القبة الخرسانية التي انهارت الى الداخل، وفي القراءة المباشرة لجهاز “امان” الاستخباري التي وزعت على كبار المسؤولين “الإسرائيليين”، اكد الجهاز ان الاضرار التي لحقت بالمفاعل يستحيل اصلاحها وان المفاعل قد دُمّرَ بالكامل”.
اعطى صدام حسين اوامره الصارمة للقيام بجهد استثنائي في اي اتجاه يمكن ان يؤدي الى إختصار فترة زمنية ممكنة لامتلاك قنبلة ذرية واستخدام كل الطرق لتحقيق هذا الهدف. وبسرعة فائقة وجد صدام حسين شركات غربية جاهزة مقابل كميات هائلة من المال
يضيف رونين بيرغمان: قبل الهجوم، نصحت أجهزة الاستخبارات القادة “الاسرائيليين” ان لا تعلن “اسرائيل” مسؤوليتها، لانهم كانوا يعتقدون ان ذلك سيشكل اذلالاً علنياً لصدام حسين امام الراي العام أما من دون إعلان فلن يشعر الأخير بالحرج بضرورة الرد على “اسرائيل”، وسيتمكن من المناورة وبلع الامر. ولكن بيغن كان له رأي مغاير، إعتبر أن الهجوم نُفّذَ بنجاح كامل وبات المفاعل العراقي كومة من الركام وطموحات صدام حسين النووية تهاوت الى الابد، وقد اراد بيغن لهذه الحقائق ان تظهر للعلن واكثر من ذلك اراد ان يُضخّم الامر لانه كان يتلمس بشكل دقيق مزاج الراي العام “الاسرائيلي”. وفي خطاب له أمام الكنيست، ساوى بيغن صدام حسين بهتلر والمشروع النووي العراقي بـ”الحل النازي الاخير” (ابادة اليهود) وقال: “ماذا كان يمكن ان نفعل في مواجهة هذا الخطر الرهيب؟ كان يمكن للبلد ولشعبه ان يبادا وان يحصل هولوكوست اخر في تاريخ الشعب اليهودي”.
في المقابل، يضيف بيرغمان، القى صدام حسين خطاباً داخلياً في إجتماع لقيادة حزب البعث الحاكم عرض فيه رأيه فاعترف بغصة “انه امر مؤلم لان المفاعل كان ثمرة عمل شاق عملنا فيه لنحصد ايجابياته. لقد كان ثمرة ثورة بذلنا لأجلها جهوداً علمية وسياسية واقتصادية ضخمة على مدى وقت طويل”، وانتقل بعدها الى لغته المعتادة في مهاجمة “الكيان الصهيوني” ومناحيم بيغن قائلاً “على بيغن والاخرين ان يفهموا ان ما اسموها الضربة الاستباقية التي هدفت الى منع تقدم ونهوض الامة العربية ومنعنا من استخدام العلم والتكنولوجيا ومنع الامة العربية من تحقيق اهدافها، لن تمنح اليهود الامن الذي يتحدثون عنه”.
بعد ثلاثة اسابيع، إحتفل بيغن بثمار الهجوم الذي جاء من خلال صناديق الاقتراع في الانتخابات العامة. كما احتفل “الموساد” والجيش “الاسرائيلي” بنجاح العملية ورأوا أن تدمير المشروع النووي العراقي قد اعاد العراق الى اسفل سلم الاولويات الاستخبارية في “اسرائيل”. اما رد فعل صدام على تفجير المفاعل فكان على العكس تماماً مما توقع قادة الاستخبارات “الاسرائيلية”، اذ يقول احد كبار مسؤولي المفاعل العراقي الدكتور خضير حمزة “ان صدام تحت الضغط يصبح اكثر عدائية واكثر تصميماً، وهكذا فبدلاً من المشروع الذي كان يقدر بـ 400 مليون دولار بات لديه مشروع بعشرة بلايين دولار وبدلا من الاربعمائة عالم بات لديه سبعة الاف” فقد اعطى صدام حسين اوامره الصارمة للقيام بجهد استثنائي في اي اتجاه يمكن ان يؤدي الى إختصار فترة زمنية ممكنة لامتلاك قنبلة ذرية واستخدام كل الطرق لتحقيق هذا الهدف. وبسرعة فائقة وجد صدام حسين شركات غربية جاهزة مقابل كميات هائلة من المال على مساعدته على امتلاك المعدات والمواد الخام الضرورية تحت غطاء انها ستكون لاهداف مدنية ولكن بالامكان استخدامها لاهداف عسكرية من اجل تطوير اسلحة نووية وبيولوجية وكيميائية واسلحة دمار شامل.