توّج الوسيط الأميركي في عملية التفاوض غير المباشر لترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل آموس هوكشتاين جولة من اللقاءات مع القيادات الرسمية اللبنانية مساء اليوم (الأربعاء) بإجتماع مطول مع رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري بحضور السفيرة الأميركية في لبنان دوروثي شيا ومستشار رئيس البرلمان اللبناني للشؤون الدبلوماسية علي حمدان، بعد أن كان قد إلتقى على مدى ساعات يومه اللبناني الطويل كلاً من رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، وزير الخارجية عبدالله بو حبيب، وزير الطاقة وليد فياض، قائد الجيش اللبناني العماد جوزاف عون والمدير العام للأمن العام اللبناني اللواء عباس إبراهيم، فضلاً عن لقاءات محدودة جداً وبعيدة عن الأنظار عقدت في السفارة الأميركية أو خارجها. ولخص مسؤول لبناني نتائج الزيارة بالقول “ثمة نتائج تؤشّر الى جدية أميركية هذه المرة جعلت الجانبين اللبناني والاميركي يخرجان من هذه الإجتماعات مرتاحين”.
وقد أطلع هوكشتاين من إلتقاهم وأولهم الرئيس ميشال عون على نتائج الاتصالات التي اجراها في إسرائيل في موضوع ترسيم الحدود البحرية الجنوبية، وقدم اقتراحات وعده كل من عون وميقاتي وبو حبيب وفياض بدرسها بإيجابية “انطلاقا من إرادة التصول الى حل لهذا الملف الشائك والمعقد”.
ومن المقرر أن يستمر التواصل مع الجانب الأميركي تحقيقا لهذه الغاية. واكد عون لهوكشتاين استعداد لبنان للبحث في النقاط التي طرحها والتي سيتم استكمالها لاحقاً. بدوره، أكد قائد الجيش العماد جوزاف عون لهوكشتاين أن “المؤسسة العسكرية هي مع أي قرار تتخذه السلطة السياسية في هذا الشأن”، ما يعني ان الوفد العسكري قام بما عليه من تحديد للحق اللبناني وفق القانون الدولي (والتقنيات) “وبالتالي أي قرار نهائي يعود للسلطة السياسة لان الجيش يلتزم قراراتها، وبالتالي لا يمكن تعليق أي تنازل على شماعة الجيش”، على حد تعبير مصادر معنية بملف التفاوض.
وكانت لافتة للإنتباه زيارة هوكشتاين للمدير العام للامن العام اللواء عباس ابراهيم الذي كان طوال المرحلة الماضية على تواصل مستمر مع الموفد الأميركي. وقد وضع هوكشتاين المقترحات الأميركية بين يدي إبراهيم آخذا في الإعتبار دور الأخير في التواصل مع جميع الفرقاء في الداخل اللبناني وبينهم حزب الله كشريك اساسي لطالما ردد أنه لن يوافق على أي صيغة بل سيكتفي بقبول ما تقبل به السلطة السياسية اللبنانية.
وكانت لافتة للإنتباه أيضاً تغريدة السفارة الاميركية في بيروت والتي تؤشر الى ايجابية محققة اذ اوردت انه “حيث هناك إرادة هناك وسيلة.. إن اتفاقاً على الحدود البحرية يمكنه أن يخلق فرصة تشتدّ الحاجة إليها لتحقيق الازدهار لمستقبل لبنان. لقاء مثمر اليوم بين كبير مستشاري الولايات المتحدة لأمن الطاقة العالمي آموس هوكشتاين وقائد الجيش جوزاف عون”.
هذا في المشهد المعلن، ولكن ماذا في الوقائع؟
ما حصل ان هوكشتاين قدم اقتراحات وكان للجانب اللبناني استيضاحات بشانها، وسيكمل جولته المكوكية تمهيداً للعودة بطرح عملي يبحث بندا بندا على الطاولة، “ولكن حتى الآن الجو ايجابي، ويبدو ان الوسيط الاميركي يعمل على خط الحل ولا يعمل على خط يؤدي الى خلاف جديد مستحكم كما كان يحصل في المرات السابقة”.
الثابت في الافكار التي عرضها الوسيط الاميركي انها تقوم على الآتي:
1- أي اتفاق لن يتضمن أي احتكاك بين لبنان واسرائيل، والاحتكاك هنا يعني شبهة التطبيع.
2- وقف الحديث عن الخطوط البحرية، لا خط (1) ولا خط هوف ولا خط (23) ولا خط (29).
3- بدء البحث في الحقول النفطية على قاعدة لا لبنان ولا اسرائيل يقبلان شراكة في أي حقل غازي ونفطي.
4- مسألة البحث في الحقول ليست محصورة بحقلي “قانا” و”كاريش” انما في كل الحقول في المنطقة المتنازع عليها.
5- مع تحديد كل الحقول في المنطقة المتنازع تتم عملية توزيعها بالاتفاق عبر الوسيط الاميركي.
6- يقدم الوسيط الاميركي مقترحا عمليا لتوزيع عادل للحقول كجهة ضامنة، ويبحث المقترح مع لبنان بالتفصيل مع تعهد اميركي بممارسة ضغط على اسرائيل للسير بالمقترح الأميركي.
7- بطبيعة الحال سيكون هناك تبادل للحقول حتى لا يكون هناك أي شراكة في أي حقل.
8- تلحظ الخطة التي سيتضمنها المقترح الاميركي النهائي، الية لكيفية التعاطي مع أي امر مستقبلي في حال اكتشاف حقول جديدة غير تلك الموجودة حاليا والتي سيتم التفاوض حولها.
9- الالية المقترحة هي بمثابة نموذج حل يطبق دائما وملزم للطرفين اللبناني والاسرائيلي ولا يمكن الاخلال به لاحقا بما يؤدي الى ازمة جديدة.
10- مع توزيع الحقول يعتبر الاتفاق منجزا، لماذا؟ لان الخط البحري يصبح مرسّما تلقائيا وفق خريطة توزيع الحقول بين لبنان واسرائيل.
ماذا يعني هذا المسار؟
عمليا، تم الانتقال من مرحلة التفاوض حول خطوط على سطح الماء الى التفاوض على حقول تحت الماء تؤدي الى النتيجة ذاتها ولكن بطريقة مختلفة، أي ليس الحصول على مساحات مائية لصيد السمك انما على حقول نفطية وغازية يتم استثمارها، وبالتالي “اكل العنب لا قتل الناطور”، على حد تعبير المصادر المعنية بالملف.
الرئاسات الثلاث سارعت الى البدء في درس المقترحات ويقود عملية التشاور الرئاسي رئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي في تواصله المستمر مع الرئيسين عون وبري، واذا حصل اتفاق لبناني على الاجوبة التي طلبها هوكشتاين على المقترحات التي قدمها وسلمت اليه سريعا، سيعود الى تل ابيب فورا مستكملا مهمته، واذا تأخر الرد اللبناني لحين اعطاء جواب دقيق وعملي، فانه فور الانتهاء من صوغ الاجوبة ستبلّغ الى هوكشتاين الذي يعود الى المنطقة سريعا مستكملا مهمته.
في خلاصة ساعات هوكشتاين في بيروت، ان هناك توجهاً للتوصل الى حل للحدود البحرية الجنوبية والامر وضع على سكة الجدية وليس المناورة، حتى لو كان خط الترسيم سيكون اشبه بالطرق الوعرة جدا لجهة تعرجاته الكثيرة.