تأتي زيارة وفد صندوق النقد وهي الثانية منذ تأليف حكومة نجيب ميقاتي في إطار السعي للتوصل إلى إتفاق تمهيدي مع الحكومة اللبنانية، قبيل نهاية الشهر الحالي، فيما تكتسي زيارة وفد الخزانة الأميركية طابعاً تعارفياً فضلاً عن إعادة التركيز على عناوين سبق للوفود الأميركية التي تزور لبنان أن أثارتها ومعظمها يتعلق بحزب الله وعلاقته بالنظام المصرفي في لبنان.
واللافت للإنتباه أن هذا التزامن بين الزيارتين بدا متعمداً كون الرسائل اكملت بعضها البعض ولا سيما لجهة حث الحكومة اللبنانية على القيام بما هو متوجب عليها القيام به. فقد ركز وفد الصندوق في جميع اللقاءات على أهمية التعاون مع الحكومة اللبنانية لإقرار خطة التعافي الإقتصادي والمالي، فيما ركز وفد وزارة الخزانة على المسائل المتعلقة بتبييض الاموال ومكافحة الفساد ووضع القطاع المصرفي اللبناني وأهمية ضبط كتلة العملة الصعبة (الدولارات الطازجة) التي تتحرك في الأسواق وإيجاد مخارج لعقود إستجرار الغاز المصري والكهرباء الأردنية إلى لبنان عبر سوريا، من دون المس بقانون قيصر.
واللافت للإنتباه في لقاءات وفد صندوق النقد التي شملت رؤساء الجمهورية ميشال عون والبرلمان نبيه بري والحكومة نجيب ميقاتي واللجنة الوزارية المعنية، عدم رضا الصندوق على عمل اللجنة التي قاربت “إعادة ترميم القطاع المالي” بلغة ومقاربات “من زمن آخر” أو “من من كوكب آخر”، ناهيك عن تعمد اللجنة إبقاء مناقشاتها قيد الأبواب المغلقة، وهو الأمر الذي عبّرت عنه شكوى رئيس الجمهورية من أن المسؤولين في اللجنة الوزارية لا يضعونه في أجواء عمل اللجنة وماذا تحقق من نتائج في الاجتماعات التي عقدتها حتى الآن.
اثار وفد صندوق النقد مسألة التدقيق الجنائي المحاسبي في مصرف لبنان، ذلك أن شركة “الفاريز اند مارسال” لم تتمكن حتى الآن من الحصول على الداتا المطلوبة من حاكمية مصرف لبنان المركزي الامر الذي يرفع من احتمال تعثر مهمتها وإنسحابها
وقد قدّم وفدا الصندوق والخزانة الأميركية السردية إياها ويمكن إبرازها في النقاط الآتية:
أولاً؛ نحن ما نزال ننتظر قوانين معينة يجب ان تصدر عن مجلس النواب واخرى يجب ان تتعاون الحكومة ومجلس النواب في اصدارها.
ثانياً، ثمة قوانين مطلوب الاسراع في اقرارها ووضعها موضع التنفيذ ومنها ما يتعلق بالسرية المصرفية ووضع ضوابط استثنائية لحركة التحويلات او ما يسمى بـ”الكابيتال كونترول”، وثمة حاجة لإعادة النظر في قانون النقد والتسليف سواء لجهة اعادة هيكلة القطاع النقدي والمالي والمصرفي أو لجهة تحقيق الاصلاح الضريبي الشامل.
ثالثاً؛ ابدى وفد صندوق النقد الدولي، إستعداده لمساعدة لبنان شريطة أن يساعد نفسه، وهذا الأمر يتطلب نوعاً من التحفيز القانوني في لبنان، للتجاوب اكثر فأكثر مع طلب المساعدة اللبنانية.
رابعاً؛ اثار وفد صندوق النقد مسألة التدقيق الجنائي المحاسبي في مصرف لبنان، ذلك أن شركة “الفاريز اند مارسال” لم تتمكن حتى الآن من الحصول على الداتا المطلوبة من حاكمية مصرف لبنان المركزي، الأمر الذي يرفع من احتمال تعثر مهمتها وانسحابها، كما اثار الوفد ما أسماها “تدابير مصرف لبنان وتعاميمه العشوائية وغير المدروسة”.
خامساً؛ اثار وفد الصندوق أهمية تعلم اللبنانيين من دروس المرحلة الماضية، ذلك أن الصعوبات النقدية والمالية والاقتصادية هي وليدة نهج، وعلى السلطات اللبنانية ان تدرك أن الامور لن تعود إلى ما كانت في السابق، وان لبنان في سباق مع الوقت بالنسبة للحلول.
سادساً؛ امل وفد صندوق النقد ان تقر الحكومة اللبنانية خطة التعافي الإقتصادي والمالي ثم تجري مفاوضات بينها وبين صندوق النقد على أساسها يعقبها توقيع الإتفاق التمهيدي (يأمل لبنان توقيعه قبل الإنتخابات)، على أن تبدأ بعد ذلك المرحلة الثانية حيث يقدم الصندوق برنامجه ويجري رفعه إلى مجلس المحافظين لإقراره تمهيداً لتقديم القرض المخصص للبنان (من ضمن برنامج إصلاحي شامل يأتي بعد الانتخابات النيابية إذا تشكلت حكومة جديدة وإذا تعذر ذلك إلى ما بعد تشكيل حكومة غداة إنتخاب رئيس جديد للجمهورية في نهاية هذه السنة).
سابعاً؛ افرد وفد صندوق النقد جزءاً من محادثاته لقضية اعادة هيكلة قطاع المصارف، فضلاً عن تحديد الخسائر والفجوات المالية، شارحاً بالتفصيل وجهة نظره التي تنم عن إلمام بدقائق الأمور في لبنان.
ثامناً؛ ركّز وفد صندوق النقد على أهمية إقرار مشروع قانون الموازنة العامة للعام 2022 في مجلس النواب، والكلمة المفتاح التي قالها الوفد “نأمل اقرار قانون الموازنة بأسرع وقت في مجلس النواب بعدما وصلتنا معلومات عن نية للمماطلة الى ما بعد الانتخابات النيابية حتى لا يتحمل المجلس الحالي عبء اقرار البنود غير الشعبية في متن الموازنة”، واكد الوفد ان الموازنة تدخل في اساس انتظام العمل المالي في لبنان، كما في غيره من البلدان.
وشدّد وفد صندوق النقد على “وحدة الموقف اللبناني”، وفي هذا دعوة واضحة لأن تتوحد كلمة اللبنانيين بكل أطيافهم السياسية على كلمة سواء في سبيل انجاز برنامج المساعدات الموعود من صندوق النقد الذي سيكون مرتبطاً عضوياً ببرنامج إصلاحي شامل.
في الخلاصة، بدا الرئيس اللبناني ميشال عون كأنه يسمع “نشيداً جميلاً” من وفدي صندوق النقد ووزارة الخزانة لأن رأيه كان متفقاً مع ما طرحه الوفدان حول محاربة التهريب والفساد وتبييض الاموال وأهمية التدقيق الجنائي.