لا مفاوضات في فيينا الآن. هذا ما أكده منسق السياسة الخارجية في الإتحاد الأوروبي جوزيب بوريل مشيراً إلى تجميد المفاوضات “بشكل مؤقت”، وهو أمرٌ أكده أيضاً المتحدث باسم الخارجية الايرانية، بالتزامن مع عودة كبير المفاوضين الإيرانيين علي باقري كني إلى العاصمة الإيرانية هذا المساء. فسحة زمنية يحتاجها أطراف المفاوضات من أجل إيجاد مخارج لآخر الخلافات العالقة بين طهران وواشنطن. هذا في العلن، لكن الكواليس تشي بعقدة روسية ـ أميركية مستحكمة جعلت إيران تنأى بنفسها عن الضمانات التي طالب بها الروس ولم يحصلوا عليها من الأميركيين حتى الآن.
وبرغم الحديث عن “عقدة الضمانات” التي تطالب بها طهران أو “تنصل الأميركيين من تعهدات وافقوا عليها في الجولات السابقة من المفاوضات”، فإن “التجميد المؤقت” للمفاوضات تضعه مصادر ايرانية مطلعة في خانة ما تسميها “المطالب الروسية الجديدة بالحصول على ضمانات مكتوبة من الإدارة الأميركية بأن لا تؤثر العقوبات الغربية المفروضة على موسكو على خلفية الحرب مع أوكرانيا على علاقاتها الإقتصادية مع طهران”.
هذه النقطة تتعاطى معها إيران بحذر شديد، فالمواقف الرسمية الايرانية تكتفي بالإشارة إلى أنه ليس مسموحاً لأي عامل خارجي أن يؤثر سلباً على نتائج المفاوضات، وهو أمر يجعل طهران حريصة على عدم إظهار الروس بمظهر المعرقل للمفاوضات في آخر مراحلها، لا سيما وأن الشارع الإيراني بدأ يوجه أصابع الإتهام إلى روسيا بالتسبب في وقف المفاوضات بسبب مطالبها التي إعتبرتها وسائل إعلامية ايرانية بمثابة مصادرة للإتفاق النووي من قبل موسكو بهدف ابتزاز الغرب الذي فرض سلسلة من العقوبات على روسيا على خلفية الغزو الروسي لأوكرانيا، الأمر الذي يهدد المصالح الوطنية الايرانية ويفتح الباب أمام إنهيار مفاوضات فيينا ومن خلفها الإتفاق النووي بالكامل.
وإستعاد الإيرانيون في وسائل التواصل الإجتماعي العبارات التي أدلى بها وزير خارجيتهم الاسبق محمد جواد ظريف في التسجيل الصوتي الشهير الذي تم تسريبه قبيل أشهر قليلة من الإنتخابات الرئاسية في العام الماضي. وقال ظريف في التسجيل الذي تضمن إنتقادات حادة لقائد قوة القدس في الحرس الثوري الإيراني الجنرال الراحل قاسم سليماني إن الروس لم يتوقعوا أن يتم الوصول إلى الاتفاق النووي عام 2015 “وفي الأسابيع الأخيرة من المفاوضات عندما وجدوا أنها ستتوصل إلى نتيجة بدأوا بتقديم مقترحات جديدة لعرقلة التوصل إلى الاتفاق”، وأشار إلى غياب وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف عن الصورة الرسمية الأخيرة التي جمعت وزراء خارجية دول (5+1) بعد التوصل إلى الإتفاق النهائي.
وحسب أوساط إيرانية واسعة الإطلاع، كان من المفترض أن يعلن عن التوصل إلى الاتفاق النهائي في المفاوضات يوم الاثنين الماضي، ومن ضمنه أمور كان الإتفاق النهائي بشأنها وشيكاً جداً مثل الإفراج عن خمسين مليار دولار إيراني مجمدة في البنوك الخارجية وإلغاء العزل عن نظام سويفت للتعاملات المالية وإجازة تصدير النفط الإيراني وتعهد الإدارة الأمريكية بتجميد العقوبات المفروضة على ايران بشكل دوري حتى نهاية الولاية الرئاسية لجو بايدن، إلا أن الطلب الروسي في الدقيقة الأخيرة من عمر المفاوضات بالحصول على ضمانات أميركية مكتوبة تضمن لروسيا عدم تأثير العقوبات عليها في التعامل الاقتصادي والتجاري مع ايران أدى إلى بروز عقبة جديدة ومفاجئة على طريق الاتفاق، واللافت للإنتباه أن هذا الطلب الروسي جاء من دون التنسيق مع ايران.
وحسب الأوساط المطلعة إياها فإن ايران “أبلغت روسيا أنها غير معنية بهذا الطلب وأن المشاكل الروسية ـ الأميركية يجب حلها بين الدولتين ولذلك لم يتطرق وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان في محادثاته اليوم (الجمعة) مع جوزيب بوريل إلى هذا الموضوع على الإطلاق.
وفي الوقت نفسه، أكد المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي اليوم مجدداً على الخطوط الإيرانية الحمراء وبينها عدم التطرق إلى نفوذ ايران الإقليمي وقدراتها الدفاعية في المفاوضات النووية، وقال إن ايران لن تتفاوض مع أي طرف حول هذه الملفات على الإطلاق.
وحسب الأوساط الإيرانية المطلعة، فإن الفريق الإيراني المفاوض لم ولن يتطرق إلى هذه المواضيع في مفاوضات فيينا “فإذا تم التوصل إلى حل للعقدة الروسية المستجدة (الضمانات المكتوبة من الولايات المتحدة) سوف يتم التوصل إلى حلول سريعة لكل النقاط العالقة وهي قليلة جدا لأن القرار السياسي في ايران يقضي بوجوب التوصل إلى إتفاق يحقق مصالح جميع الدول المشاركة في المفاوضات”.
وقال الخبير الإيراني في العلاقات الدولية فياض زاهد إن روسيا الخاضعة الآن للعقوبات الدولية ربما لا ترغب بالتوصل إلى تسوية الملف النووي الايراني، “وهذا التوجه يمكن أن يكون خطيراً للغاية، وعلى السلطات الايرانية أن تكون يقظة لكي لا تسمح للروس في استغلال هذا الأمر خدمة لمصالحهم”، ورأى أن استخدام روسيا صلاحياتها في عرقلة الإتفاق النووي “سوف يضر بالعلاقات بينها وبين حليفها الأول في الشرق الأوسط لأن طهران تحتاج بشدة إلى التوصل إلى إتفاق يساعدها على استثمار فرصة التخلص من العقوبات الإقتصادية”.
بدوره، قال المفاوض الروسي ميخائيل أوليانوف إن نتيجة المفاوضات ليست متعلقة بروسيا فقط بل إن الوفود الأخرى أيضاً لديها مخاوف أخرى، وهذه الجملة تشير بوضوح إلى أن المفاوضات وبعد أن وصلت إلى المحطة الأخيرة تواجه الآن عقبة هامة بسبب الطلب الروسي بالحصول على ضمانات أميركية.
وثمة خشية بأن يؤدي تعثر مفاوضات فيينا إلى طرح علامات إستفهام حيال المفاوضات الايرانية ـ الروسية الجارية بهدف التوقيع على اتفاق الشراكة الاستراتيجية بين موسكو وطهران لمدة عشرين عاماً.
والملاحظ أن المسؤولين الايرانيين لا يريدون إعلان أي موقف رسمي يتعلق بالمطالب الروسية الجديدة ويكتفون بالإشارة بشكل مستتر إلى أن طهران لن تسمح لأية عوامل خارجية بالتأثير على نتائج مفاوضات فيينا، ولكن المراقبين الايرانيين يعتقدون أن المقصود من العوامل الخارجية هي المطالب الروسية الجديدة والتي جاءت على خلفية العقوبات الأميركية والأوروبية الجديدة التي تم فرضها ضد موسكو.
تبقى إشارة أخيرة إلى أن وزير الخارجية الايراني السابق محمد جواد ظريف قال في التسجيل الصوتي الشهير إن الظروف المتاحة الآن “لن تكون متوفرة بعد ستة شهور. هم يتصورون أنهم إذا أعاقوا الحكومة الحالية (حكومة حسن روحاني) فإن الأمور سوف تبقى على حالها بعد ستة شهور وسوف يأتون ويحصلون على وسام حل الازمات الاقتصادية ويسجلون هذا الانجاز باسمهم، إنهم لا يفهمون في الحقيقة، أن العالم بعد ستة شهور سوف يكون عالما مختلفاً”.