بايدن VS بن سلمان.. بوتين يكسب بالنقاط

لا شك أن ولي العهد السعودي يُدين للرئيس الروسي فلاديمير بوتين أنه كان الوحيد من بين قادة العالم قرّر مصافحته بحرارة خلال قمة دول العشرين في الأرجنتين في نهاية كانون الأول/ ديسمبر 2018، في حين تجنبه بقية الزعماء، وأولهم صديقه الرئيس دونالد ترامب، وكان ذلك بعد نحو شهرين من اغتيال الصحافي السعودي جمال خاشقجي في اسطنبول على يد فرقة إغتيال سعودية.

يعتقد ولي العهد السعودي أن الحصار السياسي الذي تعرّض له بسبب أزمة اغتيال جمال خاشقجي كان ظلماً استهدفه شخصياً ولذلك لن يغفر للذين تسببوا له بالضجة ـ الفضيحة على خلفية إتهامه بالمسؤولية المباشرة عن هذه الجريمة وهذا ما يظهر جلياً في مقابلته الهامة مؤخراً مع مجلة “ذا اتلانتيك” الأميركية مطلع الشهر الحالي، حيث يقول لمحاوره “لدينا مشاعر وألم هنا فنحن نشعر أننا لم نُعامل بالطريقة الصحيحة (…). إنه أمر غير منطقي وشعور مؤلم أنه تم التعامل معنا بهذه الطريقة. إنه مُصمّم ضدنا، وضدي أنا”؟

من خلال هذا الكلام يمكن فهم السبب وراء قرار السعودية بإتخاذ موقف “محايد” إزاء الغزو الروسي لأوكرانيا، برغم موافقتها على قرار الجمعية العامة للامم المتحدة – وهو قرارٌ غير ملزم – الذي يدين الغزو الروسي لأوكرانيا ويدعوها إلى سحب قواتها من هناك.

والموقف المحايد هنا هو موقف مناوئ للولايات المتحدة التي تريد من السعودية ان تكون شريكة دول الناتو في حصار روسيا، وتجدر الاشارة هنا إلى أنه في الوقت الذي لم يُعلن عن أي إتصال بين ولي العهد السعودي والرئيس الاميركي جو بايدن حتى الآن، أُعلن في الرياض عن اتصال تلقاه بن سلمان من بوتين يوم 3 مارس/ اذار واعلنت المملكة بعد هذا الاتصال عن دعمها للجهود المؤدية إلى حل سياسي ينهي الازمة، واشار البيان السعودي الى استعداد المملكة للتوسط لانهاء الازمة، برغم أن الواقعية السياسية تشي بأن هذا الأمر غير متاح.

أراد ولي العهد السعودي في مقابلته مع مجلة “ذا أتلانتيك” الأميركية أن يُوجّه رسائل إلى بايدن وإدارته، أولها أنه يعود للرئيس الأميركي أن يُفكّر في مصالح اميركا لكن على بايدن ان يدرك ويفهم ان مصالح بلاده الاقتصادية والامنية والسياسية هي مع السعودية التي تحقق معدلات نمو عالية.. وتملك كل الامكانيات العالمية

هل هذا يعني ان السعودية قد تخلت عن مصالحها السياسية الإستراتيجية التاريخية مع الولايات المتحدة وبدأت تتجه شرقاً؟

لا يمكن للسعودية ان تُغرد خارج السرب الاميركي برغم ما يشوب العلاقة الشخصية بين بايدن وبن سلمان من “فقدان للود الشخصي وانعدام للارتياح”.

ولكن في ظل هذا الواقع الشخصي السلبي، يستطيع ولي العهد السعودي ان “لا يتماشى” مع الكثير مما تريده أو تطلبه الولايات المتحدة الاميركية، ويستطيع ان يبدي الامتعاض من البيت الابيض ورئيسه الذي ما زال مُصمماً على عدم التواصل مع بن سلمان تاركاً أمر الاتصالات لوزرائه ومستشاريه.

ولقد أراد ولي العهد السعودي في مقابلته مع مجلة “ذا أتلانتيك” الأميركية أن يُوجّه رسائل إلى بايدن وإدارته، أولها أنه يعود للرئيس الأميركي أن يُفكّر في مصالح اميركا لكن على بايدن ان يدرك ويفهم ان مصالح بلاده الاقتصادية والامنية والسياسية هي مع السعودية “التي تحقق معدلات نمو عالية.. وتملك كل الامكانيات العالمية”، ويكمل بن سلمان في مقابلته مع المجلة الأميركية بعبارة حمّالة الأوجه وفيها ان مصالح واستثمارات بلاده مع الصين بلغت حتى الآن 100 مليار دولار وهي تنمو بسرعة كبيرة برغم ان حجم الاستثمارات السعودية في الولايات المتحدة يبلغ 800 مليار دولار وانه يجب على الادارة الاميركية “ان تحافظ على العلاقات الطويلة والتاريخية” مع المملكة، ويردف قائلاً: لدينا مصالح سياسية واقتصادية وأمنية ودفاعية وتجارية مع الولايات المتحدة، ولدينا فرصة كبيرة لتعزيز كل هذه المصالح، “وأيضًا لدينا فرصة كبيرة لخفضها في عدة مجالات، وإذا سألتنا في المملكة العربية السعودية، فنحن نريد تعزيزها في جميع المجالات”.

وفي رسائله إلى بايدن، يؤكد ولي العهد السعودي أنه لن يسمح للاميركيين بالتدخل في الشؤون الداخلية لبلاده.

ومثل هذا الكلام لم يكن ليُرددّه ولي العهد السعودي في عهد “صديقه” دونالد ترامب، ما يؤكد مدى فتور علاقة القيادة السعودية بالبيت الابيض ورئيسه، علماً أن الإتصالات بين واشنطن والرياض لم تنقطع، والولايات المتحدة التي كانت أوقفت تزويد السعودية ببعض أنواع الأسلحة لأجل حربها في اليمن، عاودت تزويد المملكة بما تحتاجه من اسلحة للدفاع عن نفسها ضد الحوثيين. يحصل هذا كلّه وسط تأكيدات أميركية متكررة – على مختلف المستويات – ان الولايات المتحدة تضمن أمن المملكة من أية مخاطر خارجية.

وبرغم ذلك يستمر الإلتباس الشخصي بين بايدن وبن سلمان وهذا الأمر جعل الرياض تُعبّر عن ذلك ببعض مواقف “الحرد السياسي” مثل الغاء زيارة وزير الدفاع الاميركي ديفيد اوستن التي كان سيقوم بها إلى السعودية في شهر سبتمبر/ ايلول من العام الماضي وردّت الإدارة الاميركية بدورها بتعمد بايدن عدم مكالمة ولي العهد السعودي ولا حتى ولي عهد ابو ظبي الشيخ محمد بن زايد، كما يلاحظ امتناع كبار المسؤولين الأميركيين – مثل وزير الخارجية أنتوني بلينكن – عن زيارة المملكة أو أبو ظبي برغم زيارات بعضهم المتكررة إلى قطر.

إقرأ على موقع 180  تركيا المُتعبة إقتصادياً.. هل تُعاقب إردوغان اليوم؟  

ويبدو ان المسؤول الاميركي الرفيع المستوى الوحيد الذي زار السعودية كان مستشار الامن القومي جيك سوليفان قبل نحو ستة اشهر، وكان الهدف منها البحث في تصاعد الهجمات الحوثية على السعودية.

والملاحظ أن تجنب الرئيس الاميركي اقامة علاقات واتصالات شخصية مع ولي العهد السعودي ليس مرتبطاً فقط بتقرير الاستخبارات الاميركية بشأن إغتيال الزميل جمال خاشقجي، بقدر ما يتصل بعلاقات الصداقة القوية التي كانت تربط بن سلمان ـ وزميله بن زايد ـ بالرئيس الاميركي السابق دونالد ترامب وترجم بإنخراط الإثنين في دعم حملته الإنتخابية الرئاسية..

هذا الارتفاع الكبير في أسعار النفط يصب في مصلحة السعودية التي تريد ان تعوّض بعض مصاريف حرب الاستنزاف التي تخوضها في اليمن، ومن هنا اعاد بن سلمان التأكيد على التمسك باتفاق (اوبك +1)

وكانت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية قد ذكرت في وقت سابق أن بن سلمان وبن زايد رفضا تلقي اتصالات من بايدن مؤخرا، في سياق محاولة الولايات المتحدة تعزيز الدعم الدولي لأوكرانيا وزيادة حجم انتاج المملكة من البترول للجم الارتفاع الكبير في اسعار النفط بعد اندلاع الحرب في أوكرانيا.

ولكن المتحدثة باسم البيت الابيض جين ساكي وصفت تقرير الـ”وول ستريت جورنال” بأنه “غير دقيق”، مشيرة إلى أنه ليست هناك خطط للرئيس بايدن لمكالمة ولي عهد السعودية ولكنها لم تستبعد ذلك.

ولا شك ان هذا الارتفاع الكبير في أسعار النفط يصب في مصلحة السعودية التي تريد ان تعوّض بعض مصاريف حرب الاستنزاف التي تخوضها في اليمن، ومن هنا اعاد بن سلمان التأكيد على التمسك باتفاق (اوبك +1)،  مشيراً إلى أهمية هذا الإتفاق في المحافظة على توازن أسواق البترول واستقرارها.

وهكذا ساهمت صداقة بن سلمان ببوتين وفتور علاقته ببايدن ومصلحة السعودية بارتفاع اسعار البترول عالمياً، في دفع المملكة إلى إتخاذ موقف غير مؤيد لواشنطن في الأزمة الأوكرانية.

هل هذا المسار يمكن أن يكون ثابتاً؟

لا شيء في السياسة إسمه عداوات دائمة أو صداقات دائمة. إنها لغة المصالح التي يمكن أن تجعل المستحيل ممكناً.. والعكس صحيح!

Print Friendly, PDF & Email
سليمان نمر

كاتب عربي متخصص بالشؤون الخليجية

Download Best WordPress Themes Free Download
Premium WordPress Themes Download
Download Best WordPress Themes Free Download
Download Premium WordPress Themes Free
udemy paid course free download
إقرأ على موقع 180  هل ربحت أمريكا بانقلابها على الإتفاق النووي؟