حتى الآن، لم أجد أي تفسير أو مبرر لقرار سعد الحريري القاضي بالإنسحاب من المسرح السياسي في هذه المرحلة من تاريخ لبنان. لكأن القرار نتاج سلسلة من الأخطاء السياسية العديدة منذ العام 2005 حتى يومنا هذا، وهذه النقطة كان قد أشار إليها أمامي وزير الخارجية السعودي الراحل الأمير سعود الفيصل عام 2014، وقال لي بالحرف الواحد إن سعد “أصبح عبئاً على المملكة”!
وما لا يمكن فهمه أو تفسيره أيضاً تلك الحرب الشرسة التي يخوضها الحريري ضد رئيس الوزراء اللبناني الأسبق فؤاد السنيورة الذي يحاول لملمة بعض شتات الجمهور السني في لبنان في ضوء الضياع الذي أصابه، وهو الأمر الذي يتحمل مسؤوليته سعد الحريري بالدرجة الأولى.
وهذه “التصرفات الرعناء” – وليست الحريرية – تدل على “شخصية نرجسية سياسية حاقدة وانتقامية” على حد تعبير أوساط عربية مسؤولة، “ولكن مِمَّن ينتقم سعد، من حزب الله، أم من ميشال عون أم من جبران باسيل.. إنه يحارب الرئيس السنيورة واللواء أشرف ريفي، فهل هما من رجالات النظام السوري في لبنان؟ أم أنهما هادنا حزب الله – الذي يقول (الحريري) إنه يعمل على محاربته بينما حقيقة الوقائع تشي بأنه هو من مكّنهُ من الهيمنة على مقاليد الحكم في لبنان”، تقول الأوساط نفسها.
ومثلما فرّط الحريري الإبن بإمبرطورية مالية وإعلامية بناها والده الشهيد رفيق الحريري، ها هو يُضيّع زعامة والده السياسية التي بناها حجراً حجراً، لبنانياً وعربياً ودولياً، ومعها يُضيّع ما تبقى من “الحريرية” التي لطالما جسّدت نهجاً لاعادة إعمار وإحياء لبنان سياسياً واقتصادياً. لا يقتصر الأمر على ذلك. “أين الرعاية السعودية للبنان عامةً وللمسلمين السنة خاصةً؟ من يتحمل مسؤولية ما آلت إليه الأمور؟ المملكة أم الحريري حين قرر أن يتحالف مع حزب الله والتيار الوطني الحر وهما من ألد خصوم السعودية في لبنان”؟.
لسنا أمام حرد سياسي، “بل قلة دراية سياسية يدفع ثمنها المسلمون السنة أولاً”، كما تُردّد أوساط عربية مسؤولة في أكثر من عاصمة خليجية. ولعل هذا هو ما سيجعل عواصم خليجية تعود الى لبنان في القريب العاجل من اجل انقاذ ما يمكن انقاذه، وحتى لا ينفرد حزب الله بالانتخابات البرلمانية المقبلة
الأخطر من ذلك، تضيف الأوساط العربية، أن الحريري أضاع “مكانة” الموقع السني الأول في رئاسة الحكومة في لبنان عندما إرتضى التخلي عن صلاحياته وأن يُجيّرها إلى رئيس الجمهورية الذي صار يترأس بشكل شبه دائم، إجتماعات مجلس الوزراء في أعقاب التسوية الرئاسية عام 2016.
وها هو سعد الحريري “يتصرف برعونة سياسية في الانتخابات البرلمانية، وستكون النتيجة خسارة سنة لبنان ما بقي لهم من وزن وقوة سياسية. صحيح انه ما يزال يُشكل رمزية ما لدى الجمهور السني، برغم أخطائه، ولكن ذلك ليس بسبب شخصيته القيادية بقدر ما هو تعبير مستمر عن وفاء هذا الجمهور لوالده الشهيد رفيق الحريري”. أما السبب الاهم “فهو أن من كان بإمكانه أن يعوّض حضوره، قرر سعد الحريري معاقبته ووضع العراقيل امامه خوفاً منه.. ومن تزعمه سنة لبنان”. ولعل أول من وضع سعد الحريري العراقيل امامه وحاربه سياسيا هو فؤاد السنيورة “الذي كان من أقرب اصدقاء والده الراحل”.
وبالرغم من ذلك – وهذا خطأ منه – ابتعد السنيورة ولم يقبل ان يواجه سعد بأخطائه، “احتراماً للرئيس الحريري الأب”، كما قال لي قبل نحو عامين في بيروت.
ولا شك ان السنيورة هو الأجدر حالياً بتحمل مهمة لم شمل المسلمين السنة لا سيما في بيروت العاصمة، برغم انه قرر عدم الترشح شخصياً، “إلا أن هذا الامر لم يُعجب سعد بدليل أنه قرر من منفاه الاختياري في أبو ظبي حياكة المؤامرات لإفشال السنيورة، مثلما افشل ترشيح نواف سلام لرئاسة الحكومة قبل سنتين ونيف”.
نحن لسنا أمام حرد سياسي، “بل قلة دراية سياسية يدفع ثمنها المسلمون السنة أولاً”، كما تُردّد أوساط عربية مسؤولة في أكثر من عاصمة خليجية. ولعل هذا هو ما سيجعل عواصم خليجية تعود الى لبنان في القريب العاجل “من اجل إنقاذ ما يمكن إنقاذه، وحتى لا ينفرد حزب الله بالانتخابات البرلمانية المقبلة مثلما هو منفرد بالنفوذ والسلطة حالياً، وحتى لا تسقط بيروت بالكامل في أحضان طهران”.