في مستهل الشهر الثاني من الحرب في أوكرانيا، بدأت القيادة الروسية تحديد أهداف اكثر واقعية يمكن إختصارها على الشكل الآتي:
-التركيز على “تحرير” إقليم دونباس الذي يضم غالبية ناطقة بالروسية، حيث لا يزال نحو نصف جمهورية دونيتسك بيد القوات الأوكرانية. والامساك بهذا الاقليم الذي يضم دونيتسك ولوغانسك ربما يسمح بالتفاوض من موقع قوة.
-الاحتفاظ بمواقع دفاعية قريبة من العاصمة الأوكرانية من دون محاولة إقتحامها.
-إنهاك القوة العسكرية الأوكرانية عبر الاستمرار في توجيه ضربات طويلة المدى ضد اهداف منتقاة في غرب وجنوب اوكرانيا.
-المضي في عزل اوكرانيا ومحاصرتها بحراً من جهة الجنوب.
-حصر مساحة العمليات النشطة تقليلاً للمخاطر من جهة وإستعداداً للصمود لفترة اطول في الميدان من جهة ثانية. وتم لذلك اتخاذ ترتيبات عسكرية دفاعية في بعض المناطق التي استولى عليها الجيش الروسي، فضلاً عن إستخدام منظومات صاروخية جديدة تتراوح بين الدفاعي والهجومي.
هذه المعطيات تشي أن الكرملين بات يدرك ان الحرب ستكون طويلة وتستلزم تقسيم الأهداف إلى مرحلية وبعيدة المدى، وان الأهداف الأولية التي حدّدها (تحييد أوكرانيا ونزع سلاحها) تصطدم بواقع معقد عسكرياً واستراتيجياً. لقد وضعت أميركا ثقلها لإلحاق هزيمة ساحقة بروسيا في أوكرانيا، حتى لو تطلب ذلك تحويل الأخيرة إلى ساحة دمار، وتحميل أوروبا كلفة الحرب اقتصادياً.
أمام فلاديمير بوتين طريق طويل لاستعادة ما خسرته روسيا من مكانة دولية في الشهر الأول من الحرب، إلا إذا تمكن جيشه من “خلق” وقائع عسكرية جديدة ضاغطة على المنظومة الغربية. كذلك يمكنه خلق وقائع جديدة إقتصادياً سواء بمساعدة الصين او حتى من دونها. وقد يكون ربط صادرات الغاز إلى أوروبا بالروبل إحدى الأدوات التي تفيده في هذا السياق
تواجه القوات الروسية تحديات ميدانية ناتجة عن:
-تحوُّل القتال إلى حرب عصابات بين الأبنية السكنية في المدن، وهذا مرهِق لأي جيش تقليدي في العالم.
-أصبحت تحركات الجيش الروسي مكشوفة تحت أعين الأقمار الصناعية واجهزة الاستخبارات الأميركية التي تزود القوات الأوكرانية على وجه السرعة (خلافاً لما كان الحال قبل أسابيع) بإحداثيات تموضع القوات البرية ومهابط الطائرات الروسية في أوكرانيا ليتم استهدافها بالمدفعية والطائرات المسيرة والهجمات البرية المضادة.
-توافد آلاف المتطوعين الأجانب للقتال إلى جانب القوات الأوكرانية لدوافع ايديولوجية او قومية.
-قيام مستشارين أميركيين واوروبيين بتنسيق وتخطيط حركة الدفاعات الأوكرانية.
-تجهيز القوات الأوكرانية بأسلحة متقدمة (غالباً تُحمل على الكتف مثل جافلين وستينغر) كافية لضرب الطائرات والآليات الروسية بفعالية، مع مراعاة التناسب مع بيئة الميدان العسكري المتغير. وعلى سبيل المثال، لا تحتاج الطائرات المسيرة إلى مطارات عسكرية، وإنما إلى مدرجات قصيرة للإقلاع والهبوط ويمكن تخزينها في أماكن غير مرئية لحمايتها.
هذا كله إضافة إلى الحصار الاقتصادي غير المسبوق لروسيا، مرفقاً بحملة تعبئة لعزل روسيا عن العالم، وصولاً إلى التلويح بزعزعة الحكم في موسكو والإطاحة ببوتين.
يبقى خطر الانزلاق إلى حرب اكثر اتساعاً في الفترة المقبلة مع انضمام محتمل لروسيا البيضاء إلى جانب روسيا، وبولندا إلى جانب أوكرانيا، بينما تعمل أميركا من أجل تشدد موقف دول أوروبا غير المتناغمة في ما بينها.
في الخلاصة؛ أمام فلاديمير بوتين طريق طويل لاستعادة ما خسرته روسيا من مكانة دولية في الشهر الأول من الحرب، إلا إذا تمكن جيشه من “خلق” وقائع عسكرية جديدة ضاغطة على المنظومة الغربية. كذلك يمكنه خلق وقائع جديدة إقتصادياً سواء بمساعدة الصين او حتى من دونها. وقد يكون ربط صادرات الغاز إلى أوروبا بالروبل إحدى الأدوات التي تفيده في هذا السياق.